رحلت ملكة الإذاعة وإمبراطورة الميكروفون وملكة الكلام آمال فهمي، التي ودعت جماهيرها »ع الناصية» عن عمر يناهز 92 عاماً، بعد مشوار حافل كأشهر إذاعية.. هي اسم ارتبط بأذهان المصريين ووجدانهم من عشرات السنين، وعرفها المستمعون من خلال برنامجها الأشهر »ع الناصية» ومن خلال فوازير رمضان التي كانت أول من قدمها.. إنها بحق رائدة إذاعية امتلكت ناصية قلوب مستمعي الراديو علي مر العصور.. ولدت آمال فهمي في القاهرة عام 1926، وحصلت علي ليسانس الآداب قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة عام 1949.. عملت بالصحافة بعد تخرجها إلي أن التحقت بالبرنامج العام بالإذاعة عام 1950. كانت من أهم من ساهم في دعم الأعمال الخيرية علي مستوي مصر وتنسيقها مع حالات متعددة ليعالجها الدكتور مجدي يعقوب، عرضت الإذاعية الراحلة آمال فهمي مختلف القضايا فمثلا قامت بالتسجيل في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي مع أحد الجنود في وسط ميدان الحرب.. والتقت من خلال برنامجها الكثير من الشخصيات المهمة منهم رائد الفضاء الروسي »جاجارين»، قامت من خلاله بالنزول في أحد الاحتفالات بعيد البحرية في غواصة من القوات البحرية إلي عمق 800 قدم تحت سطح الماء. التقت عمال المناجم بالحمراوين علي عمق 200 متر تحت سطح الأرض.. جعلت من هذا البرنامج مساحة لجمع التبرعات لمستشفيات القلب والأورام. كانت البداية مع برنامج »من كل فيلم أغنية».. صاحبة هذا الصوت هي نفسها تلك الفتاة التي تقدمت إلي قسم عابدين أثناء إجراءات الانتخابات بطلب تقييد اسمها في جدول الانتخابات، وعندما رُفض هذا الطلب رفعت دعوي علي الحكومة أمام مجلس الدولة لم تتنازل عنها حتي أعلن حسين سري رئيس الوزراء حينذاك، تأييده لحقوق المرأة، وفي ذلك الوقت أطلقت عليها الصحف البريطانية لقب »مستر بنكهرست المصرية» وهو اسم أول سيدة انجليزية طالبت بقيد اسمها في جدول الانتخابات، كان عمر آمال فهمي في ذلك الوقت 23 عاماً ومتزوجة من محمد علوان مدرس التمثيل بوزارة المعارف والممثل المعروف، وقد اشتغلت آمال بالحركة النسائية عقب تخرجها في كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1949 وظلت سكرتيرة للحزب النسائي لمدة ثلاث سنوات، وعندما التحقت بالإذاعة عينت في ركن المرأة وكان أول برنامج تقدمت به في ذلك الوقت هو »جولة في صحف العالم النسائية». قصة حب بالصوت تحكي آمال فهمي عن قصة تعرفها علي زوجها محمد علوان وكيف أحبا بعضهما البعض، وكيف كانت بداية التعارف في المذياع.. فتقول إنها كانت تحب سماع نبرات صوته الرزين دون تكلف في تمثيلياته، ومن سماعها لهذا الصوت تمنت لو يجمعهما لقاء لتراه ولو لمرة فتحلل فيها نفسيته. وبالفعل جاء اليوم المنتظر، ففي فبراير 1950 تحققت أمنيتها حيث جمعهما عمل واحد وهو أن تؤدي دور »لويز» في مسرحية »جرينجوار»، ومن هنا زاد إعجابها بشخصيته، ثم تبعها دور »أوفيليا» في مسرحية »هاملت». وفي كل مرة كانا يتبادلان شعور الإعجاب والحب، ففي مرة من المرات اعترف بحبه لها ورغبته في الزواج، فكان جوابها القبول إلا أن رفض والديها حال بينهما لكونه ممثلاً، ومن هذه اللحظة انقطعت العلاقة بينهما، إلي أن جاء اليوم الذي تنتعش فيه من جديد بإعادة عرضه للزواج بها فكان ردها أن أعادت عليه السبب الذي يستحيل معه هذا الزواج من رفض أبويها، ففاجأها أنه عُين مفتشاً في مراقبة المسرح المدرسي بوزارة المعارف وقتها. نفخ الإطارات فكرة الفوازير تعد آمال فهمي أول من فتح باب الفوازير، وكان السبب في هذه الفكرة هي تزويد إطارات السيارة، ففي 1954 كانت تستقل سيارة، كان السائق يزود إطاراتها، فسمعت صوت طرقات متتالية، لتكتشف في النهاية أنه صوت مولد الهواء، ومن هنا فكرت وقالت »ايه اللي يجري لو قلنا للمستمع وسألناه عن صاحب الصوت الذي سيسمعه مقابل جايزة مالية قدرها خمسة جنيهات وكانت وقتها مبلغاً مالياً ضخماً. وكان من أطرف المواقف أن الجمهور لم يستطع التعرف علي صوت أم كلثوم وهي تقرأ صفحة من كتاب الأيام لطه حسين، فقد اعتقد البعض أنها سهير القلماوي، لأن الصوت كان بعيداً كل البعد عن صوت أم كلثوم، أما أظرف الحلقات فكانت للفنان عماد حمدي وهو يقدم تمارين الصباح للمستمعين. »ع الناصية» استمر هذا البرنامج لمدة أكثر من خمسين عاماً ليدخل قائمة موسوعة »جينيس» العالمية للأرقام القياسية، وحملات تبرعات لحالات ومستشفيات وإغاثة وإثارة قضايا هامة ولقاءات نادرة وساخنة وارتجال يعرضها أحياناً لتنمر السلطة واتهامات طوال الوقت بمحاولات الاقتراب من السلطة. كان أقرب الجوائز التي حصلت عليها هي جائزة مصطفي وعلي أمين في الصحافة حيث كانت الإعلامية الوحيدة المختارة في الإذاعة ومنحوها جائزة الصحافة. وتحت عنوان فوضي الإعلام كتبت الراحلة مقال قالت فيه إن الحل الوحيد لإصلاح منظومة ماسبيرو داخل ذلك المبني العريق هو استبعاد الأقارب حتي الدرجة الرابعة وبالمناسبة فقط طالبت بذلك منذ سنوات، وكان لابد من صدور قرار رسمي بذلك للحد من التضخم الماسبيري ولكن لم يستمع أحد لنصيحتي رغم أنني كنت أبحث عن الصالح العام. أيضاً هناك حل موازٍ وهو إعادة اختبار جميع العالمين الموجودين بمبني ماسبيرو مهما كانت مناصبهم أو مواقعهم والتخلص من هؤلاء الذين يثقلون كاهل الإعلام المصري، وإقامة لجان محايدة صارمة بعيدة عن الوساطة والمحسوبية، وسنفاجأ أن عدد الموجودين بماسبيرو سيتقلص عددهم المرعب من 45 ألف إلي عشرة آلاف ليكونوا هم القوي الفاعلة التي تعيد الإعلام المصري لمكانته في الصدارة.