انتهت المرحلة الأولي للانتخابات دون أحداث عنف أو حمامات دم كما توهم وتمني البعض.. فاز مرشحون وتيارات وخسر آخرون لكن مصر هي الفائزة في كل حال لأن شعبها اختار من يمثله بكل حرية ، صحيح أن هناك أخطاء وتجاوزات في الدعاية وداخل اللجان في التصويت والفرز لكن ذلك لايقلل من أن العملية الانتخابية مرت بسلام ، أما من فاز ومن خسر فالقائمة تضم التيارالإسلامي الذي تجاوزت نسبته الثلثين من مقاعد هذه المرحلة والباقي للتيار الليبرالي واليسار لكن الأهم هو أن الشعب قام بإصدار حكمه بعزل الفلول من أشباح العهد الماضي كما قال رأيه وبصراحة في الأحزاب الورقية التي استظلت بنظام مبارك ولم يكن لها وجود لا في السابق ولا الحاضر ذهب الناخبون إلي لجان الاقتراع ليقولوا كلمتهم دون وصاية ودون ضغوط من أحد ودون خوف من تزوير أو تلاعب ممن كانوا في الماضي يتحكمون في نتائج الانتخابات ويقررون نيابة عنهم من يفوز ومن يخسر ، لكن هناك أصوات زاعقة خرجت تشكك في اختيار الشعب لأن أصحابها لايملكون شجاعة الاعتراف بالخسارة واحترام إرادة الشعب ولاأفهم قول أحدهم إن الانتخابات كانت نزيهة لكن مزورة وثمة مؤشرات لابد من النظر إليها وقراءتها بشكل متأن وأولها أن هناك قوي سياسية صعدت إلي السطح وسيكون لها دورها في المرحلة القادمة وأبرزها التيار الإسلامي بما حققه وماسوف يواصل جنيه في المرحلتين الثانية والثالثة وأسباب ذلك كثيرة منها أن الشعب المصري لديه التصاق طبيعي وفطري بالدين وللقوي التي تمثله كما أن لديه أيضا حالة غضب وكراهية شديدة تجاه الاستبداد الذي مارسه النظام القديم وقد اختار الشعب – حتي الآن – من قاوموا هذا الاستبداد وتصدوا له ولفظ من أسهموا في استمرار هذه الحالة التي عانوا منها طويلا ، كما أن الشعب أراد بتصويته أن يبعث للقوي الغربية وحتي للجارة اللدود برسالة أنه يريد الانعتاق من أسر تلك السيطرة والهيمنة التي قيدت إرادته وحولت مصر لبلد تابع لاقائد علي مدي عقود من الزمن ، رسالة أخري مهمة أن الشعب صوت لمن لم يتخموا بالمال الحرام من ناهبي أموال الشعب وممتلكاته ومن أفسدوا حياته وحرموه من أبسط حقوقه ، أراد الشعب أن يعطي الفرصة لوجوه جديدة في المشهد لعلها تحدث تغييرا للأفضل يمحو آثار الماضي بكل خطاياه وسوءاته ، الشعب أراد التغيير وحسم خياراته دون وصاية من أحد وعلي الجميع احترام هذا الاختيار أما الفلول في مؤشر آخر فقد قرر الشعب أنهم أصبحوا من التاريخ لأنهم يذكرونهم بماض بغيض لايريدون أن يستمر في حياته مرة أخري ، لم ينتظر الشعب تطبيق قانون العزل فعزلهم بإرادته الحرة رغم ماأنفقوه من أموال ومنحوه من عطايا وما مارسوه من ضغوط وقد آلمني استغلال أحد المرشحين لحالة الفقر في دائرته وما يوزعه من مساعدات وربطها بضرورة نجاحه وتهديده بحرمان الفقراء من تلك المساعدات أحزاب الماضي التي كان لها باع طويل في العمل السياسي سقطت بامتياز في الاختبار الشعبي لأنها لم تعد تملك البريق ولا البرامج ولا المرشحين الذين يثق الشعب في أنهم سوف يمثلونه في البرلمان القادم ونجح بعض مرشحيها علي المقاعد الفردية لشعبيتهم في دوائرهم وليس لأحزابهم الحالة المصرية في ميل الشعب لإعطاء الفرصة للتيار الإسلامي للظهور علي الساحة هي امتداد لموجة بدأت في تونس ثم ليبيا والمغرب وقبلهم في تركيا وإن كان هناك تمايزات وفروق جوهرية بين هذه النماذج فالنموذج التركي المتمثل في حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان لم يطرح نفسه كحزب إسلامي بل كعلماني بمرجعية إسلامية لكن خطابه طوال السنوات الماضية لم يجنح لفرض النموذج الإسلامي ونجاحات أردوغان خاصة الاقتصادية جعلته الخيار الأول للشعب وإن لم يعطه تفويضا شاملا له ولحزبه لإدارة شئون حياته ، ويقترب منه الخطاب الإسلامي التونسي المتمثل في حزب النهضة بزعامة الغنوشي ، أما الخطاب الليبي فيبدو أنه يواجه خيارات صعبة في طرح نموذجه خاصة مع الاستحقاقات التي عليه أن يقدمها النظام الليبي الجديد للغرب لمساعدته في الإطاحة بنظام القذافي ، الحالة المصرية لها خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية حيث لايمكن لتيار أو نموذج أن يهيمن علي المكونات الأخري دون أرضية واسعة للتوافق ومن هنا لابد من ترميم المعبد وليس هدمه فوق رءوس الجميع وهي مسألة لابد أن يعيها جيدا من سيفوز في الانتخابات الحالية أيضا المؤشر المهم أن الشعب لم يعط تفويضا شاملا للتيار الإسلامي وإنما حصل علي نسبة الثلثين وربما يحافظ علي هذه النسبة أو قد تتراجع في المرحلتين القادمتين وهذا يعكس وعيا لدي الناخبين في خياراتهم للبرلمان القادم كما أن ثمة تخوفات من بعض مكونات هذا التيار من تشدد خطابهم السياسي والديني ( التيار السلفي) وعدم ملاءمته للمرحلة الحالية التي تقتضي التدرج وأولوية حل المشاكل المستعصية خاصة الاقتصادية. لكن التصريحات الأخيرة حول المجلس الاستشاري في المرحلة القادمة أثارت لغطا واسعا خاصة مايتعلق بدوره في وضع قانون انتخاب الرئيس وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والحكومة القادمة وبدا الأمر في التصريحات الأولي أن البرلمان القادم سيأتي منزوع الصلاحيات لكن بعد تصريحات لاحقة تعدلت الصورة ليعود للشعب حقه المشروع في برلمان بصلاحيات كاملة وألا تذهب أصوات الناخبين مع الريح مانحتاجه في هذه الفترة هو التوافق بين كافة تيارات ومكونات المجتمع لعبور هذه المرحلة الصعبة والمصيرية من تاريخ مصر كلمة أخيرة : إنسان بلا هدف كسفينة بدون دفة ، كلاهما سوف ينتهي به الأمر علي الصخور ! (توماس كارليل)