قامت إذاعة الميدان أو إذاعة الثورة في الأيام الأولي من ثورة 25 يناير بدور هام في نقل صورة حقيقية لما يجري خارج التحرير للمتظاهرين داخله، إلا أن غياب هذه الإذاعة وعدم وجود مصدر موثوق فيه لنقل الأخبار إلي المعتصمين ساعد في تفجير موجة من الإشاعات داخل الميدان بصورة غير مسبوقة في تاريخ ثورة 25 يناير علي مدار 9 أشهر، فما إن اندلعت صدامات التحرير المدوية بين قوات الشرطة والثوار، اندلعت معها موجة هائلة من الشائعات داخل الميدان وخارجه، بعضها كان يحمل طابع التهدئة وأكثرها يحمل طابع الإثارة. من أكثر الشائعات التي تداولها الميدان كانت تلك المتعلقة باستخدام القوات المسلحة والشرطة غازات سامة ضد المتظاهرين في القاهرة والإسكندرية والميادين الأخري في المحافظات، وانتشرت الشائعة بتنويعات مختلفة بين من قال إن الغاز المستخدم هو غاز الخردل ومن قائل إنه غاز الأعصاب المحرم دوليا، وآخر يقول إنه نوع جديد من الغاز المصنع أمريكيا ويتم تجربته في الشعب المصري. وهي الإشاعات التي انتشرت كالنار في الهشيم بين المتظاهرين والمشاهدين أمام شاشات التلفزيون، وهو الأمر الذي جعل المجلس العسكري يسارع إلي نفي هذا الأمر جملة وتفصيلا، وأكد في رسالة له - رسالة رقم 83 علي صفحته الرسمية علي فيسبوك إن القوات المسلحة أكدت علي ثوابتها إنها لم ولن تستخدم السلاح أياً كان نوعه ضد أبناء هذا الوطن الغالي حفاظاً علي الدم المصري الطاهر، وأهاب العسكري في رسالته ب"الشباب الثوري" توخي الحذر من "الشائعات" التي يتم ترديدها. كذلك نفت مصادر أمنية ما تردد يوم الأحد 19-11 من أن معسكر قوات الأمن المركزي بمنطقة الدراسة قد أعلن عصيانه ورفضه التصدي للمتظاهرين، وهي الإشاعة التي ترددت بقوة في هذا اليوم. أما يوم الثلاثاء 22-11 الذي شهد مليونية "الإنقاذ الوطني" فقد كان مع إشاعات من نوع آخر فقد انتشرت في صباح هذا اليوم أن هناك أمراً بفرض حظر التجول من الساعة الثالثة ظهرا في المحافظات التي تشهد مصادمات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وانتشرت يومها الاتصالات بين أفراد الأسر المصرية للاطمئنان علي ذويهم في الميدان ونصحهم بالعودة إلي المنازل لأن قرار حظر التجول علي وشك الصدور، وهو الأمر الذي تم نفيه من قبل مصدر عسكري. ومن أبرز شائعات يوم الثلاثاء تلك الخاصة بوجود طائرات نفاثة تلقي قنابل مسيلة للدموع، وأعلنت عدة قنوات فضائية استنادا لمصادر وصفتها بالموثوقة، أن المجلس العسكري سينقل سلطاته إلي رئيس المحكمة الدستورية العليا، وعلي الرغم من أن هذه القنوات أعادت بث الخبر مرارا وتكرار إلا أنه تبين أن الخبر لم يعد كونه إشاعة جديدة. إشاعة أخري انتشرت وبقوة داخل ميدان التحرير صباح الأربعاء الماضي بأن قوات الشرطة استنفدت ذخيرتها، بعد توقف إطلاق القنابل المسيلة للدموع وتقهقر قوات الشرطة صوب مبني الوزارة، وهو ما دفع المتظاهرين لتفتيش عدد من سيارات الإسعاف خوفاً من أن تكون وسيلة نقل الإمدادات لقوات الشرطة بمبني الوزارة. كانت لوسائل الاتصال نصيب من الشائعات فقد ترددت أقاويل هنا وهناك وعلي الفيسبوك وتويتر تؤكد أن الحكومة ستقوم بقطع خدمات شركات المحمول والإنترنت في تكرار لما حدث يوم 28 يناير. الإشاعة التي بلغت من القوة أن دفعت شركات المحمول إلي نفي هذا الأمر جملة وتفصيلا مؤكدة أنها لن تقطع خدمات التليفون المحمول، من جانبها نفت كبري شركات الإنترنت العاملة في مصر علمها بما تردد عن قطع خدمات الإنترنت في مصر، واصفة الأمر بمجرد إشاعة هدفها إثارة القلق بين المتظاهرين. وسط هذه الأجواء المضطربة لم يفقد شباب التحرير قدرتهم علي السخرية من تناول بعض وسائل الإعلام الحكومية المرئية والمكتوبة من أحداث التحرير وشارع محمد محمود، فقد سقط التلفزيون الحكومي للمرة الثانية بعد أحداث ماسبيرو- سقطة مدوية فانحاز ضد الثوار وهو ما جعل المتظاهرين يصبون سخريتهم علي هذه الأخطاء، فوضعت صورة تبدو أنها مقتطعة من التلفزيون المصري تحت عنوان "أنباء حول اقتحام كائنات فضائية ميدان التحرير" وتحمل الصورة شاباً مصرياً يرتدي قناعاً واقياً، ليتداولها شباب الفيس بوك وتويتر بالتعليقات الساخرة، فيما وضع البعض صوراً متخيلة للبطل الكارتوني "مازنجر" وهو يتقدم صوب ميدان التحرير، وكتبوا تحتها "قوات الأمن تستعين ب"مازنجر" لفض اعتصام التحرير". الدكتورة فيفيان فؤاد أستاذ علم النفس بجامعة حلوان تري أن السبب في انتشار الشائعات راجع لغياب وسائل الاتصال بين الحكومة والشعب وحالة الارتباك السائدة التي تعد الجو المثالي لانتشار الشائعات، فمثلا غياب وسائل الاتصال بين المتظاهرين والسلطات جعل مناخ عدم الثقة يتضاعف والشائعات تكثر، فهناك بعض عيوب في الحراك المتواجد حالياً نتيجة ارتفاع درجة التوتر بالشارع المصري وبخاصة مع تراجع دور الشرطة وقوات الأمن مشيرة إلي أن حالة الفوضي امتدت للجامعات حيث بدأ بعض الأساتذة باستقطاب الطلبة واستخدامهم كأداة لمحاربة زملائهم وذلك بالتأثير عليهم. وأضافت "فؤاد" إنه علي الرغم من تأثير موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" في المكون المعرفي لمستخدمي الإنترنت إلا أنه أداة لترويج الشائعات التي تثير الرأي العام وتؤدي إلي حرب نفسية حقيقية بين أبناء الشعب الواحد، لذلك يجب تفعيل البند الخاص بوضع عقوبات علي من ينشر شائعات تضر بالرأي العام في قانون الطوارئ لتجنب الحرب النفسية التي تهدف إليها بعض الجهات المغرضة. من جانبه أكد الدكتور أحمد عبدالله أستاذ علم النفس والخبير النفسي أن انتشار الشائعات في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حاليا أمر طبيعي، خصوصا أن بعض وسائل الإعلام لعبت دورا في نشر الشائعات وإعطائها أبعاداً من الواقعية، مما سبب ارتباكا لدي المواطن، خصوصا أن الشائعات في مجملها جاءت في سياق الحرب علي الثورة من قبل أنصار الثورة المضادة للخصم من رصيد الثورة لدي الجمهور العام كجزء من حرب نفسية ضد الثورة لقلب الغالبية العظمي من المواطنين ضدها. فمطلقو الشائعات ينشطون عادة في فترات الفوضي والحروب والكوارث، لذلك لابد من خطة لمواجهة تلك الشائعات ترتكز علي تخصيص مساحة في إحدي وسائل الإعلام المقروءة والمرئية لتحليل الشائعات تحليلا نفسيا متكاملا، لتفنيدها بطريقة علمية، بدلا من أن نستهلك هذه المساحات الإعلامية في الحكايات التي يحكيها البعض، مثلما يحدث في برامج معينة.