وعلت القلوب والحناجر بالغناء : "اسلمي يامصر إنا للفدا "، "يارب نحن في آلام، كل يوم في اضطهاد، وفي حماك محروسين"، ورددوا خلف عزة بلبع "نحلم سوا نفرح سوا صوت الجرس صوت الأذان وناس بتعبد ربها" مذبحة ماسبيرو التي لم يفصل فيها لا القضاء ولا المجلس العسكري حتي كتابة هذه السطور .. ألخصها للتاريخ في مشاهد موجزة .. مشاهد بدأت نقية ومبشرة بميلاد وطن حر في 9/10 .. ثم تلوثت بالقتل العمد والدهس بالمدرعات.. ومابين المشهدين حكايات مشاهد تعاطف إنساني ألجمت الكلام، تسيل كالطيب علي الجروح والقلوب الملتهبة .. وقصص مخجلة لإعلام يزداد فسادا غالبا ليتعفن ويفني ذاته .. وتكرار لميراث قيادة المصريين كالقطيع بالصمت والإذلال والتغابي والتجاهل، ثم القتل وإطلاق بلطجية مسعورة مأجورة .. لأنهم توهموا أنهم وأدوا ثورة يناير في المهد.. لكن يوم 11/11/11 أكد لنا ولكل العالم، أن الثورة تشتد .. وأنها تسلحت بما هو أشد فتكا من أسلحتهم .. وهو سلاح شجاعة إعلان الحق، وقرار انتزاع الحرية والحياة في الوطن بكرامة، أوالاستشهاد. وقبل عرض المشاهد.. أعتب علي اللواء محسن الفنجري تصريحه في الجرائد القومية يوم الأحد 13/ 11 بصفته نائبا لرئيس صندوق رعاية ضحايا الثورة.. بأن التعويضات لا تقدم للضحايا لأنهم ضحايا خدمة مصر.. والدعم المالي هو للمصابين حسب نسبة العجز.. والتعويض بثلاثين ألف جنيه مقصور علي شهداء الثورة حتي 24 مارس فقط.. وأسأله بم كيفت شهداء ماسبيرو المسحوقين تحت المدرعات، والمقتولين برصاص قناصة مصريين. هل هم ضحايا أم عجزة أم شهداء!!.. وأعلن تضامني مع رفض تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي شكلتموه وأنتم الخصوم فأخلي مسئوليتكم!! المشهد الأول بدا غريبا علي سلوك المسيحيين المصريين المسالمين قهرا.. مسيرة تخرج من عمق شبرا يتقدمها شمامسة الكنيسة وبعض القسوس، هي خليط من الجيران سكان شبرا.. أسر كاملة، شباب وآباء يحملون أطفالهم علي الأكتاف وتلامذة وأجداد.. يحملون قلوبا نقية صدقت ان مسيرة بتصريح أمني هي في حماية الدولة.. ويرفعون لافتات صريحة بمطلبهم في حياة كريمة.. يرددون بأمان "علي وعلي وعلي الصوت" و"ماتعبناش ماتعبناش الحرية مش ببلاش"، "حق القبطي لازم يرجع".. باطمئنان ينادون "يا أهالينا انضموا لينا".. فيتسابق المصريون لنوال شرف المشاركة في مظاهرات سلمية كانت محرمة علينا دهورا.. وليؤكدوا أن الثورة قتلت الخوف، وحررت العقل والإرادة.. وفي غفلة الأبرياء سقطوا في حصار أول كمين في النفق.. لكن واصلوا فاصطادهم القناصة وسحقتهم المدرعات أمام ماسبيرو بدعوة مباشرة من رشا مجدي مذيعة تليفزيون الفقي وصفوت الشريف وأسامة هيكل .. وألقوهم كالغنم في المستشفيات .. وأسرعوا بغسل الأسفلت من الأشلاء والدماء قبل استدعاء النيابة. المشهد التالي.. اتصلت بي صديقة مسلمة تصرخ بفزع الحقوا الشرطة العسكرية بتطارد المسيحيين جوه العمارات لكن ماتخافيش هانخبيهم ونهربهم، إدينالهم هدوم نضيفة من غير دم وبطاقاتنا وهانوديهم الجامع.. ومن داخل المستشفي القبطي صديقة أخري تصرخ بهيستيريا.. الجثث علي الأرض، ولايوجد أي طبيب أو ممرضة لأخذ دماء منا للمصابين، مقصود ان ينزفوا حتي الموت.. دقائق وهاجم البلطجية المستشفي لطرد الموجودين ومنع توافد المزيد من المتبرعين بالدم أو الأطباء ..وانتهت المجزرة الوحشية بوفاة 27 شهيدا للحق.. وبتفاقم الغضب، والعزم علي استكمال مسيرة الحرية. وبدا التحضير لليوم العظيم في تاريخ ثورة يناير .. يوم الجمعة 11/11 انطلقت من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أروع مسيرة حضارية تشهدها مصر منذ ثورة 19.. حوالي 15 ألف مصري يسيرون في مهابة وصمت علي نغمات مارش جنائزي هادر بالحزن النبيل والتحدي والتكريم - علي لحن "الجلجثة" حيث صلب اليهود السيد المسيح بعد تعذيبه.. يتقدمهم نعش رمزي من الزهور مع صور شهداء ماسبيرو العزل المسالمين .. توقفت الأنفاس والسيارات أربع ساعات علي طول الطريق للتحرير .. ونثر الشعب المصري الزهور من النوافذ والكباري علي المسيرة يباركونها.. ويلتحمون بها في نظام ورقي حتي وصلوا الي ساحة الكرامة أكثر من مائة وأربعين ألفا.. وعلت القلوب والحناجر بالغناء:- "اسلمي يامصر إنا للفدا"، "يارب نحن في آلام، كل يوم في اضطهاد، وفي حماك محروسين"، ورددوا خلف عزة بلبع "نحلم سوا نفرح سوا صوت الجرس صوت الأذان وناس بتعبد ربها".. ثم ألقي اتحاد شباب ماسبيرو بيانه:-"إن دماء الشهداء سفكت لأجل العدل، الحرية، المساواة، المواطنة واحترام الرموز الدينية.. ونطالب المجلس العسكري بمحاكمة المحرضين علي الفتنة وعلي رأسهم وزير الإعلام .. والقبض علي جناة ماسبيرو، والإفراج عن المحبوسين وأولهم علاء عبد الفتاح ومايكل نبيل وتاسوني مريم.. ونؤكد استمرار عزمنا علي انتزاع الحق في الحياة". اما أسوأ مشاهد اليوم الجليل، فكان مشهد تمادي التليفزيون المصري والصحافة والإعلام المستقل في التغابي.. بتجاهل مسيرة التأبين !!! لكن أروع المشاهد، هي الصلاة الجماعية العالمية التي انطلقت من فوق جبل المقطم مع غروب شمس نفس اليوم، وتواصلت حتي شروق شمس فجر السبت .. فجر النور بإذن الله.. حوالي مائتي ألف مصري زينوا كنيسة سمعان الخراز وفاضوا، يرتلون ويبتهلون طالبين السلامة لمصر والحكمة لحكامها.. يارب بارك بلادي.