عاد التواصل مجدداً بين المؤسسات التعليمية والقضايا القومية التي تمس مصر والأمة العربية، بعد أن وجه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي بالتوسع في الأنشطة التي تركز علي مسألة التوعية المدرسية بخصوص قضية القدس، والتأكيد علي أنها عاصمة أبدية لدولة فلسطينالمحتلة، وأن القرار الأمريكي بشأنها مجافٍ للحقيقة ولا يمكن أن يستمر. ما إن أصدر الوزير تعليماته التي أعلن عنها مطلع الأسبوع الجاري - خلال تكريم طلاب مدينة بئر العبد في سيناء التي شهدت حادثا إرهابيا أليما قبل أسبوعين، حتي بدأت استعدادات المدارس لتكثيف الأنشطة والمعارف المتعلقة بالقدس، وأصدرت المديريات التعليمية بالمحافظات تعليماتها إلي موجهي مادتي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالتعريف بالقضية خلال الحصة الأولي. علي الفور تجاوبت مع الوزير غالبية المدارس الحكومية والخاصة والدولية علي مستوي الجمهورية، بل إن حالة الغضب الشعبية التي انتابت الملايين من المواطنين في مختلف الأقطار العربية انعكست علي اهتمام المدارس بالمسألة، فخرجت الخطب الرنانة من خلال الإذاعة المدرسية لتؤكد علي عروبة القدس، وكذلك فإن طابور الصباح داخل العديد من المدارس تحول إلي هتافات مناهضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل. وقالت مصادر خاصة بوزارة التربية والتعليم ل"آخرساعة"، إن وزارة التربية والتعليم أرسلت تعليمات إلي المديريات التعليمية للتعريف بالقضية الفلسطينية والتأكيد علي عروبة القدس، وأن التعليمات شملت تخصيص إدارة الأنشطة الطلابية والإذاعة المدرسية والحصة الأولي للقضية الفلسطينية علي أن تتناول بالشرح القيمة التاريخية للقدس وقيمتها الدينية الكبري للمسلمين والمسيحيين والتأكيد علي أنها عربية. وقال وزير التربية والتعليم طارق شوقي، إنه حتي نهاية الأسبوع الجاري ستكون هناك حصص خاصة بالتوعية بهوية القدس بجميع مدارس الجمهورية وفي كل المراحل الدراسية، علي أن يكون العنوان الأبرز "القدس عاصمة فلسطين الأبدية". وأوضح أنه سيتم التشاور مع المسئولين بالوزارة لعمل أنشطة طلابية بالمدارس تبرز هوية القدس وقيمتها وعروبتها وتاريخها، وسنعمل علي مد الفترة التي يتحدث فيها المعلمون عن القدس والقضية الفلسطينية حتي لا نعطي الفرصة لأي جهة كانت أن تزرع في عقول طلابنا أشياء ومعلومات مزيفة تتعلق بهوية القدس، وسوف نكون حائط صد منيعا لحماية الطلاب من تحريف التاريخ القدسي. ولفت شوقي إلي أن الوزارة ستركز علي الأنشطة الدراسية لتوعية الطلاب، وأن وزارته تؤمن بأن التعليم والتنوير وتدريس الدين السمح الصحيح في المدارس هو السبيل الوحيد لمواجهة الأفكار المتطرفة وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدي الطلاب تجاه العديد من القضايا ومنها قضية القدس، وأن الأشهر والسنوات القادمة سيركز التعليم بشكل أساسي علي بناء الشخصية وتوعية الطلاب بقضايا المجتمع المحيط بهم. وفي مدرسة العجمي الثانوية بنات، التابعة لإدارة العجمي التعليمية بالإسكندرية، قامت الطالبات بكتابة كلمة القدس بأجسادهن، ورفعن لافتات تحمل عنوان "القدس عربية"، وهتفت أخريات "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين - بالروح بالدم نفديك يا قدس". أصدر محمد سعد محمد، وكيل وزارة التربية والتعليم بالبحيرة، تعليمات لجميع المدارس بالإدارات التعليمية بالمحافظة بتخصيص الحصة الأولي بجميع المدارس لجميع المراحل التعليمية، والتأكيد علي أن القدس عربية وأنها عاصمة دولة فلسطين، كما وجه جميع مديري عموم الإدارات التعليمية الثمانية بممارسة مهامهم الرسمية بتوجيه مديري المدارس كلٌ في نطاقه بتخصيص الحصة الأولي من اليوم الدراسي السبت بالحديث عن القضية الفلسطينية والتأكيد علي عروبة القدس، وتأييد موقف مصر برفضها للقرار الأمريكي بنقل سفارتها للقدس. وأشار إلي أن تعليماته شملت ضرورة تعريف الطلاب بتاريخ القدس، والتأكيد علي أن القرار الأمريكي باعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة إليها، يعتبر تعدياً علي حق الشرعية الدولية، ويعد مساساً بوضع القدس وتعديا علي جميع القرارات الدولية، وأن مصر تتحرك في ضوء موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية. ما حدث داخل المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم انتقل أيضا إلي المعاهد الأزهرية، ففي معهد الأندلس الأزهري التابع للمنطقة الأزهرية بمحافظة الجيزة، نظم عدد من معلمي الدراسات الاجتماعية محاضرات عامة للطلاب أثناء اليوم الدراسي يومي الخميس والأحد الماضي للتعريف بالقضية الفلسطينية. وقال شعبان أحمد، أحد المعلمين بالمعهد، إن إدارة المعهد بدأت التجهيز لسلسلة من الحلقات التاريخية لتعريف الطلاب بالقدس والقضية الفلسطينية، وأن تلك السلسلة سيتم إلقاؤها تباعا من علي منصة الإذاعة المدرسية بصفة يومية حتي بدء امتحانات الفصل الدراسي الأول. وأضاف أن معلمي الأنشطة بالمعهد قاموا بتصميم لوحات مرسوم عليها المسجد الأقصي ومسجد قبة الصخرة للتفرقة بين المسجدين والتأكيد علي قدسية المسجد الأقصي وأن تلك اللوحات تعد تعريفية بالأساس وتم وضعها أعلي السبورات أمام الطلاب، مطالبا بزيادة المناهج الدراسية التي تعرِّف بالقدس والقضية الفلسطينية، إذ إن المناهج تعدُّ غير كافية بالمرة لتعريف الطلاب بتاريخ قضيتهم الأولي. وفي مدرسة بريتنش كولومبيا الكندية الدولية، يدرس معلمو اللغة العربية تنظيم مناظرة بين الطلاب للتأكيد علي عروبة القدس وذلك من خلال تبني أحدهم وجهة النظر الإسرائيلية المغتصبة للأرض والآخر وجهة النظر الفلسطينية التي تؤكد علي الأحقية التاريخية والدينية للمدينة القديمة والمسجد الأقصي. وقال وليد علي محمد، مدرس اللغة العربية بالمدرسة، إن المدرسة استغلت قاعات الفيديو الموجودة داخل المدرسة لعرض أفلام تاريخية تؤكد علي عروبة القدس وذلك علي مدار ثلث ساعة من الحصة الأولي، مشددا علي أنه كلف طلاب الصف الثالث الإعدادي بإعداد بحث يتناول أدلة عروبة القدس، وأن ذلك يتواكب مع ما سيدرسه الطلاب بالفصل الدراسي الثاني، وأن المدرسة تنتظر تثقيف الطلاب سياسيا بالقضية قبل تنظيم المناظرة التي تستهدف إقناعهم بجميع الأسانيد القانونية والتاريخية. وأضاف أن المدرسة استغلت وجود أحد الطلاب الفلسطينيين الدارسين بها وذلك لتعريف زملائه بالمسجد الأقصي، وأنه ركز تحديدا علي ترجمة مقولة (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، وتعريفهم بالأبعاد التاريخية بتلك المقولة، مشيرا إلي أن طلاب المدرسة سيقومون بإعداد ماكيت عن المسجد الأقصي وما يحيط به من آثار إسلامية ومسيحية، كما أن المدرسة تفكر في إعداد مجلة تعريفية للطلاب الصغار تحديدا في المرحلة الابتدائية عن القدس والقضية الفلسطينية. ومن جانبه قال عبدالناصر إسماعيل، رئيس اتحاد المعلمين المصريين، إن المناهج المصرية تعاني قصورا في التعريف بالقضية الفلسطينية وبالتالي فإن ثقافة الطلاب عن القضية تكون سطحية في مجملها، مطالبا بضرورة إعادة النظر في مناهج التاريخ وإضافة أجزاء تاريخية عن مدينة القدس والمواجهات التاريخية التي قادتها الأنظمة العربية ضد العدو الإسرائيلي. وأضاف أن تكليف وزير التربية والتعليم المدارس للتعريف بالقضية الفلسطينية يعد تطورا ملحوظا في توعية الطلاب وأن العديد من الأحداث التي شهدها المسجد الأقصي في السابق لم تشهد اهتماما واسعا بها داخل المدارس، وبالتالي فإن قراره يجب أن يقابل بترحيب شديد من قبل جميع القائمين علي العملية التعليمية، وأن القادم ينبغي أن يركز علي الخلفية التاريخية للقدس بما تحمله من اعتبارات سياسية وجغرافية وربطها بمناهج التعليم. وأشار إلي أن الأنظمة السياسية التي حكمت مصر في السابق لم تكن تهتم بوضع تلك القضايا بالمناهج الدراسية، وأن البعض كان يري أن التوسع في تدريس قضية القدس يتعارض مع اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل، وبالتالي فإن ذلك انعكس علي المناهج المصرية في مختلف مراحل التعليم. وأوضح أنه فوجئ بتفاعل الطلاب مع القضية الفلسطينية عند إثارتها داخل المدارس خلال الأسبوع الجاري، إلا أنه أرجع ذلك لكونها قضية دينية بالأساس وبالتالي فهي تجد اهتماما متزايدا من الجميع سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، مشددا علي ضرورة إتاحة مناقشة القضايا العامة التي تواجه المجتمع داخل المدرسة وذلك لتوعية الطلاب سياسيا واجتماعيا، علي أن يكون ذلك بعيدا عن الحزبية بكل أشكالها وأن تخدم تلك المناقشات المصلحة الوطنية المصرية وكافة القضايا العربية في محيطنا الإقليمي.