أي خير في الانتخابات؟ إن الذي يفتي بالانتخابات ويرضي بها نخشي عليه من فتنة في دينه واستقامته. بهذه الكلمات النارية افتتح أحد شيوخ السلفية هجومه الساحق علي الانتخابات والمجالس التشريعية رغم أن حزب النور السلفي وعدد آخر من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تنافس بقوة في الانتخابات البرلمانية القادمة وفق فتاوي هدفها المعلن الوقوف ضد علمانية الدولة أو هكذا يصورون سبب المشاركة وليس المشاركة في العملية الديمقراطية باعتبار الانتخابات وسيلة تداول السلطة ومشاركة المواطنين في الشأن العام فهم ضد هذا أيضا ! المتابع للمواقع والمنتديات السلفية علي الإنترنت سيجد معركة شرسة ما بين مؤيد للمشاركة السياسية معارض لما يرونه مخالفا للشريعة الإسلامية وتقليدا أعمي لأحد منتجات اليهود والنصاري وهي الديمقراطية والانتخابات. ذلك علي الرغم من أن التيار السلفي قطع شوطا كبيرا في المشاركة السياسية بعد تأسيسه لعدد من الأحزاب السياسية مثل حزبي النور السلفي والفضيلة وبعد التطور الكبير الذي شهدته مؤتمرات قادة التيار السلفي بقيادة الشيخ محمد حسان الذي طالب في أبريل الماضي بدعوة السلفيين للتفكير الجدي في الدخول لمعترك السياسة في مصر"، متشبهين في مؤتمرهم من الناحية التنظيمية والشكلية بالإخوان المسلمين مطالبا شيوخ السلفية بمراجعة الترشح لمجلسي الشعب والشوري وللرئاسة وللحكومة وللنظام، والعمل علي إخراج شباب السلفيين من الفتنة والبلبلة بسبب الرؤي المختلفة حول جواز المشاركة السياسية. ورغم كل هذه الاجتهادات صدر كتاب البيان في حكم الانتخابات للإمام الزعكري والذي يؤكد فيه بالنص "إن الانتخابات ليست من الدين في شيء، وأنها من طرق الكافرين، وأن الانتخابات فيها تشبه بالكفار، وأن الانتخابات قائمة علي المساواة، وهو أهم عيوبها، كما اعتبر الانتخابات خروجا علي الحاكم"! وهاجم شيوخ السلفية الذين أفتوا بجواز الانتخابات مثل الشيخ محمد حسان الذي وصفه بأنه لا يمثل السلفيين وليس من السلفيين!. هذه المحاولة لرفض السلفية للانتخابات وفق آراء شرعية ليست جديدة فمنذ حوالي سنة وقبل ثورة 25 يناير ظهرت أبحاث لمشايخ السلفية مثل كتاب »تنوير الظلمات لكشف مفاسد وشبهات الانتخابات« لأبي نصرمحمد الإمام، وكتاب »إسعاف أولي الألباب بما في الانتخابات من مفاسد وأضرار وأتعاب« لأبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي والتي تتحدث عن عدم جواز الخروج علي الحاكم حتي لو كان ظالما وهي الفتاوي التي ظهرت لمنع السلفيين من المشاركة في الثورة وكذلك تحريم قيام الشعب باختيار ولاة أمره، أو اختيار نوابه، وفق الأدلة التالية: أولاً: نهي الشرع عن طلب الإمارة أو السعي إليها، وثانيًا أن الانتخابات بدعة غربية وأصل حزبي، هي من سنن اليهود والنصاري! وأن "حكم الشعب بالشعب"، أو حكم الأغلبية، وهي قاعدة باطلة مناقضة للشرع بل مناقضةلأصل الدين وهو التوحيد، حيث إن الحكم في الإسلام هو لله وحده، وليس للشعب أوللأغلبية، واختيار الحاكم يكون بالسبل الشرعية، أو اختيار أهل الحل والعقد، أو العهد، وكذلك اختيار من دون الحاكم من الوزراء والنواب والعمال يكون بإذن الإمام أو من يوكله لا باختيار الأغلبية! أن الانتخابات فيها تزكية للنفس، حيث إن الناخب يجب عليه أن يظهر محاسنه أمام ناخبيه حتي يختاروه كما يصحب الانتخابات التمادح بالباطل من أجل تحسين صورة الناخب في أعين الناخبين بالإضافة إلي أن الانتخابات لا تخلو من الرشاوي وأكل الأموال بالباطل وإهدار الأوقات فيما لا نفع فيه.. وقيام الناخبين بإظهار التعظيم للنعرات الجاهلية من "ديموقراطية واشتراكية وقومية ووطنية"! وانتشار الأخلاق المذمومة بين المتنافسين علي المقعد البرلماني أو المحلي من غل وحقد وتحاسد وتباغض وتدابر وتجسس وتنافس علي الدنيا وكذب ومداهنة وظن سيئ، وهذه الأمور محرمة شرعًا بالنصوص المحكمة. ثم فتوي الشيخ عبيد الجابري حول حكم الانتخابات في العراق: والذي أكد أن الانتخابات دخيلة علي أهل الإسلام ووافدة وليست هي من شرع محمد صلي الله عليه وسلم، ولهذا فإنه يقتصر في دخولها والتصويت فيها علي حد ما تقتضيه الضرورة فإذا خشي أهل الإسلام والسنة أن يفوز علماني أو رافضي أو شيوعي بمنصب رئاسي تترتب عليه مصالح للمسلمين وكان ينافسه رجل آخر يأمل فيه منفعة الإسلام وأهله فإنهم يصوتون لصالح هذا الذي يغلب علي ظنهم أو يتيقنون أنه ينفع الإسلام و أهل الإسلام. ويري هؤلاء الشيوخ أن الصورة المثلي لاختيار الحاكم في الدولة الإسلامية هي أن يكون أعضاء مجلسي الشعب والشوري مؤلفين من علماء الشرع وأمراء الأجناد وأولي النهي- ويقومون هم باختيار الرئيس ثم يعرضون هذا الاختيار علي عامة المسلمين لتأكيده، لا أن يتنافس اثنان أو ثلاثة أوأكثر حول مقعد الملك والرئاسة. الاخطر أن الكتب أجازت المشاركة في حالة واحدة وهي أن الانتخابات صارت "أمرًا واقعًا لا قدرة لنا علي منعه، وخشينا من تنافس نصراني أو شيوعي أو رافضي أو بهائي ونحوهم أمام أحد المسلمين –ولو كان فاسقًا-، فقد أفتي العلماء بانتخاب الرجل المسلم –ولو كان فاسقًا-؛ لأن شره أخف من هؤلاء بكثير . هذه الفتاوي رصدها عدد من الخبراء السياسيين مثل الدكتور خالد منتصر الذي يري أن مشاركة السلفيين مجرد تكتيك مرحلي لتدمير وإحراق سلم الديمقراطية بعد استخدامه في الصعود. أما عصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد فيري أن هجوم السلفيين علي الليبرالية غير مبرر طالما دخلوا في معترك السياسية التي تتنافس فيها برامج وأحزاب وأفكار ولا يجوز لأي طرف أن يكفر الآخر من منطلق ديني وإلا انتهت السياسة، وأن حزب الوفد أول من وضع نصا يؤكد علي أن دين الدولة هو الإسلام في دستور 3291م. ويؤكد الدكتور عمار علي حسن الخبير في الحركات الإسلامية أن الانقسام سوف يصبح مصير هذه الجماعات والذي ظهر عقب دخولهم السياسة. وقال "إن السلفيين علمانيون في طرحهم السياسي من حيث الشكل لأنهم يريدون الحصول علي أكبر عدد من المقاعد في البرلمان والذي معناه الديمقراطية، بينما يتبني مشروعا فقهيا قائما علي المبايعة، بمعني أنهم يتعاملون مع الديمقراطية استخدام المرة الواحدة مثل المناديل الورقية ثم سرعان ما سيقومون برميه لأنه يأمل في الحصول علي الحكم ثم لا يريد ديمقراطية أخري".