تحول الثأر من ظاهرة إلي ثقافة في الصعيد، نزيف الدماء لا يتوقف منذ عشرات السنين، الأمر الذي جعل وزير الداخلية يجتمع بمديري الأمن وكبار مساعديه ويشدد عليهم باستنفار كل الجهود لوقف سلسال الدم، وإنهاء جميع الخصومات الثأرية وتفعيل عمل لجان المصالحات، مع تنشيط عمل رجال الشرطة بتكثيف حملات جمع السلاح. وشهدت محافظات الصعيد عقد العديد من جلسات الصلح الشهر الماضي وعلي رأسها محافظتي سوهاجوقنا. مساعد أول وزير الداخلية لمنطقة وسط الصعيد اللواء أحمد عبدالغفار، أكد أن هناك اهتماماً كبيراً من قبل وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بإنهاء الخصومات الثأرية في الصعيد، لتوفير مناخ آمن للمواطنين ولما في ذلك من مردود إيجابي علي وقف سوق تجارة السلاح لأنه في حالة وجود خصومات فإن الطرفين يقوموا بشراء الأسلحة وتخزينها، موضحاً أن مديرية أمن سوهاج وتحديداً مركز دار السلام أجري أكبر عدد مصالحات علي مستوي الجمهورية الشهر الماضي، واستبعد عدم التزام الأهالي بالصلح قائلاً "الصعايدة كلمتهم واحدة"، لكن في حالة عدم الالتزام فإنه يتم اتخاذ إجراءات قانونية حاسمة تجاه المخالفين، ونادراً ما يحدث ذلك لأن من يفعل هذا الأمر في الصعيد يعد خائناً لكلمة الصلح. من جانبه كشف مساعد وزير الداخلية مدير أمن سوهاج اللواء عمر عبدالعال، أن إنهاء الخصومات الثأرية بجميع محافظات الصعيد يتصدر اهتمامات وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، الذي يتابع بنفسه جهود مديريات الأمن في هذا الشأن يومياً، مشيراً في تصريحات خاصة ل"آخرساعة" إلي أن وزير الداخلية شدد في أحد اجتماعاته الأخيرة مع مديري الأمن بتفعيل دور لجان المصالحات وإنهاء جميع الخصومات الثأرية لما لذلك من مردود إيجابي في رفع مستوي الأداء الأمني وبث الطمأنينة في نفوس أهالي الصعيد، مشدداً علي أن هذا الأمر يحظي باهتمام الوزير شخصياً، وفي استجابة سريعة لهذه التعليمات نجحت مديرية أمن سوهاج في إنهاء العديد من الخصومات الثأرية وتسعي لتحقيق شعارها (سوهاج بلا خصومات ثأرية)، حيث تمكنت من إقامة 20 جلسة صلح خلال شهر سبتمبر الماضي فقط، وهذا رقم قياسي لم تحققه أي مديرية أمن أخري مما يجعل سوهاج تحتل المركز الأول في عقد جلسات الصلح وإنهاء الخصومات الثأرية. وأكد عبدالعال، أن مركز دار السلام بسوهاج يحتل المرتبة الأولي علي مستوي الجمهورية في إنهاء الخصومات الثأرية حيث تم إنهاء العديد من الخصومات فيه في الشهر الماضي وعقدت جلسات المصالحات بحضور محافظ الإقليم الدكتور أيمن عبدالمنعم الذي يصر علي الحضور بنفسه ويهدي طرفي الصلح مكافأة تتمثل في أي طلب يريدونه لتنمية بلدهم وذلك تشجيعاً لهم لقبولهم الصلح، كما أن المصالحات تتم بفضل طيبة أبناء سوهاج وتدخل كبار العائلات وأعضاء البرلمان والجهود الأمنية بقيادة مدير المباحث الجنائية بسوهاج اللواء خالد الشاذلي ورئيس فرع الأمن العام بسوهاج العميد منتصر عبدالنعيم، ومساعد مدير الأمن لفرقة الشرق اللواء جلال أبوسحلي، ونجحت جهود رئيس فرع البحث لفرقة الشرق العقيد أحمد شوقي ومأمور مركز ساقلتة العقيد سعيد رضوان ورئيس مباحث ساقلتة الرائد حلمي حليم في إنهاء العديد من الخصومات الثأرية بدائرة المركز آخرها كان الصلح بين أبناء العمومة من عائلة الكريمات بقرية الرياينة الحاجر، كما إن قطار المصالحات مستمر ويتم التجهيز للعديد من الجلسات الأخري قريباً، مشيراً إلي أن معظم الخصومات تعود لأسباب تافهة ومن أغرب الأسباب دهس سيارة لكلب قتل علي إثرها اثنان وأصبحت خصومة بدار السلام!.. في السياق ذاته يكشف مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية اللواء علاء سليم، ل"آخرساعة" عن السر وراء حجم المصالحات الذي تم في الشهر الماضي في الصعيد قائلاً: تم إنهاء تلك الخصومات بفضل الجهود الأمنية المتمثلة في ضبط القاتل الحقيقي في كل واقعة وتقديمه للمحكمة وذلك بعد تحريات مكثفة وبالتعاون مع الأهالي بحيث يتم ضبطه بالسلاح المستخدم في الحادث ليكون دليلاً قاطعاً علي ارتكابه الجريمة وذلك يبرد شدة الخلاف بين العائلات، لأن المتعارف عليه أن العائلة المجني عليها تقوم باتهام شخص آخر غير القاتل الحقيقي وعادة يقومون باتهام أحد المتعلمين واتهامه بحيث يتم حبسه ويبقي الجاني الحقيقي طليقاً فيتربصون له ويقومون بقتله أخذاً بالثأر لكننا منتبهون لذلك جيدًا. ويضيف قائلاً: "وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار مهتم بشكل كبير بإنهاء الخصومات الثأرية، وقطاع الأمن العام برئاسة مساعد أول الوزير للقطاع اللواء جمال عبدالباري حقق مجهوداً كبيراً علي مستوي الجمهورية في هذا الشأن حيث تم إنهاء عدد كبير من الخصومات وباقي عدد قليل منها يجري الإعداد لإنهائه"، موضحاً أن خريطة الخصومات تتربع عليها محافظة قنا يليها محافظة أسيوط ثم محافظة سوهاج، بينما أكثر مديريات الأمن التي تم إجراء مصالحات بها هي قنا ثم سوهاج يليها أسيوط، موضحاً أن أبرز أسباب جلوس أطراف الخصومة للتفاوض وإنهاء الخصومة هي الإجراءات الأمنية المنصفة التي ترضي الطرفين وتحقق الاستقرار والأمان لهما المتمثلة في ضبط كل من ارتكب القتل وشارك بالتحريض والإعداد والتحريات الجيدة. بينما يقول الباحث في العلوم الاجتماعية فتحي عبدالسميع، إن الثأر في الصعيد نظام اجتماعي متوارث عبر قرون طويلة وهو مرتبط بالثقافة القبلية، وينقسم إلي قسمين الأول هو القتل الثأري والآخر هو المصالحة الثأرية التي تسمي ردم حفرة الدم، والمصالحة جزء أساسي من النظام وإذا تمت وفق المعايير الخاصة بالعادات والتقاليد المتوارثة فهي تنجح بكفاءة كبيرة في ردم حفرة الدم، لأن المصالحة تتبع جذور المشكلة وتقوم بحلها وتوريط المجتمع ككل في حلها، حيث تقضي تماماً علي فكرة العار التي تعتبر أكبر حافز للقتل الثأري، لكن عندما يدخل في المصالحات أصحاب الرغبات الخاصة كتحقيق الذيوع والانتشار في المجتمع كخطوة في طريق الترشح والنجاح في البرلمان فهؤلاء يفسدون عملية المصالحة، ورغم أنه مطلوب من الدولة سرعة التحرك لإنهاء الخصومات إلا أنها أحياناً تتدخل بشكل سريع دون أن تنضج جيداً وفق الأعراف والتقاليد المتوارثة وهذا يؤدي إلي فشلها أيضاً. ويوضح عبدالسميع، أن جميع الحوادث الثأرية تنتج لأسباب صغيرة جداً ولعلاج الثأر لابد من علاج تلك المشاكل الصغيرة، وينقسم العلاج إلي قسم ثقافي يتمثل في التوعية ورفع العقل والوجدان بالتعامل مع العنف بشكل سليم، والقسم الآخر يتمثل في عدم استهانة الدولة بالمشكلات الصغيرة. ويبدأ أمين عام لجنة المصالحات علي مستوي الجمهورية الشيخ محمد زكي كلامه بقول الله تعالي: "فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً"، إيماناً من الأزهر برسالته العالمية ووفاءً لدينه ووطنه فإنه يعمل بجانب مؤسسات الدولة علي تحقيق وحفظ المصالح العليا للوطن نحو تنميته وأمنه وسلامه المجتمعي والقومي من خلال اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف والتي يرعاها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ويشرف عليها ويشارك فيها فضيلة وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، حيث تسخر كل الإمكانات المتاحة للحفاظ علي أمن الوطن واستقراره ورأب الصدع وتوحيد الصف، وإنهاء كل الخصومات الثأرية والقبلية صلحاً، من خلال آلية علمية ممنهجة بالتنسيق الكامل مع رجال الأمن الساهرين علي حماية المجتمع واستقراره، حتي يتم بفضل الله عز وجل بمعاونة حكماء البلاد ووجهائهم وعقلائهم إنهاء الخصومة نهائياً دون أن يكون لها آثار جانبية أو تبعات سيئة، ومصر محظوظة بأهل الخير. ويشير الشيخ زكي إلي أنه ليس من حق المواطن أن يثأر لنفسه أو ينتقم من خصمه بيده وبمعاونة أهله، حيث إن هذا الحق ليس له وإنما هو لولي الأمر الشرعي من خلال الأجهزة والمؤسسات المنوط بها تحقيق القصاص والانتصار للحق، حيث إنه من يقوم بأخذ حقه بنفسه حرام شرعاً لأنه تخطي دوره وحقه واعتدي علي الشرع والقانون الذي يضبط حركة الحياة وتتفاعل المؤسسات من خلاله مع العلم بأن هناك فرقاً بين القصاص والثأر، فالقصاص معناه انتصار ولي الأمر بأجهزته المنوط بها القيام بهذا الأمر من خلال التحقيقات الشرعية والتي تصل إلي حد اليقين ويكون القصاص من خلالها تحقيقاً وتفعيلاً لقول الله تعالي: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".