في ظل التعداد السكاني الذي تقوم به الدولة حالياً تتفجر قضية ساقطي القيد الذين لم تسمح لهم الظروف باستخراج شهادات ميلاد ليثبتوا مصريتهم فتحولوا إلي خيالات تعيش معنا، وغير معترف رسميا بتواجدهم، فأسماؤهم لم تدرج بالسجلات الحكومية وحرموا من حقوقهم وأصبح مجهولو الهوية دون رقم قومي ليخوضوا بعد ذلك رحله شاقة لإثبات هويتهم واستخراج شهادات ميلاد. وفقاً لإحصائيات المجلس القومي للطفولة والأمومة فإنه لا يوجد تعداد واضح وحقيقي لساقطي القيد بمصر، لكنهم يتعدون مئات الألوف، إلا أن الحملات المكثفة للمجلس منذ 9 أعوام تمكنت حتي أواخر 2015 من استخراج ما يزيد علي 360 ألف ورقة ثبوتية لأشخاص من فاقدي القيد، ودمجهم في الدولة. وغالبا ما تنتج تلك المشكلة من أشكال الزواج التي تعتبر المرأة سلعة تباع وتشتري كزواج القاصرات المعروف بالسنة والمنتشر بشكل كبير بالصعيد والدلتا كذلك زواج إيصالات الأمانة والسياحي فينجم عنه أطفال مشردون يتهرب الأب من تسجيلهم والاعتراف بهم لتتحمل الأم وحدها خطاياهم وتبدأ رحلة العذاب. وإن كان الزواج غير الرسمي مصدراً من مصادر سقوط القيد فإن الأعراف والعادات الاجتماعية هي الأخري سبب أصيل للمشكلة ففي قري الصعيد ونجوعها يتوانون عن تسجيل الإناث خوفا من مطالبتهن بالميراث بعد ذلك وبالطبع يحرمن من كافة حقوقهن في التعليم والعلاج بل والأدهي من ذلك أن تسير تلك الأمهات علي هذا النهج فلا يسجلن مواليدهن لينتج جيل كامل من الجدات والأمهات والحفيدات ساقطات النسب، أما المحافظات الحدودية التي لا يميل أهلها للتعامل بالوثائق الرسمية بسبب الموروثات القديمة لديهم فيتزوجون بدون توثيق ولايسجلون أطفالهم لأنهم ليسوا بحاجة إلي تعليم أو عمل حكومي لاعتمادهم علي مهنة الرعي فمجتمعهم قبلي يسير بحسب قواعدهم وقوانينهم التي وضعوها منذ قديم الأزل وهذا يظهر بالمجتمعات البدوية وبسيناء. وفي حال رغبتهم باستخراج شهادات ميلاد تتم عملية "التسنين" عن طريق أطباء الوحدات الصحية ويتم عقد لجان تشرف عليها وزارة الصحة شهريا ويتم تحديد السن لاستخراج شهادة ميلاد بسن المتقدم وفي حالة وجود شباب من ساقطي القيد يريدون التسجيل يتم تحويلهم إلي منطقة التجنيد لأنها هي الجهة المنوطة بعملية التجنيد لهم وهي التي ستحدد أعمارهم. ولكن اللافت للنظر أن هناك أهالي يقومون بإسقاط قيد أطفالهم عدة شهور رغبة منهم في موافقة ميلاده مع مواعيد الالتحاق بالمدارس مستقبلًا وقد كان مشروع تكافل وكرامة هو الدافع للكثيرين لاستخراج أوراق ثبوتية لهم، والتقدم لذلك المشروع للحصول علي معاش. بإحدي قري بني سويف والتي اشتهرت بزواج السنة أو القاصرات تقف "رشيدة غريب" إحدي السيدات اللائي أوقعها حظها العثر في الزواج من أحد المسجلين خطر بقرية مجاورة وهي بعمر 15 عاما دون وثيقة زواج رسمية علي يد مأذون بل كتبت علي يد محامٍ بإيصال أمانة بعشرين ألف جنيه وبعد حدوث خلافات قام بتطليقها دون أن تدري أنها حامل وحين بحثت عنه كان "فص ملح وداب" وظل الطفل سنة كاملة لا يحمل شهادة ميلاد حتي عرض علي "رشيدة" الزواج مرة ثانية فاشترطت علي العريس تسجيل الطفل باسمه وبالطبع ذهبا لقسم الشرطة بحجة زواجهما عرفيا لمدة سنتين وبعدها تم توثيق الزواج الرسمي وتسجيل الطفل باسم الزوج الجديد. أما "وسيلة حسين" عجوز تعدت الخمسين عاما وتتحدث بلهجة بدوية منمقة، فقد تفتحت عيناها علي صحراء أنشاص الرمل بالشرقية فلا تعرف مكانا أو وطناً غيره وتزوجت من ابن عمها لمدة تزيد علي الثلاثين عاما عن طريق شيخ قبيلتهم "الطحاوية" وأنجبت سبعة رجال ولم تهتم بتسجيلهم فهم يتوارثون مهنة الرعي والزراعة ولا يحتاجون إلي التعليم إلا أن العقبة الكبري كانت عند تزويج ابنتها الصغري من أحد أقاربهم في سيناء فدبت الخلافات منذ الشهر الأول للزواج علي الرغم من وجود حمل بل قام الزوج بالتعنت في تسجيل الطفل فور ولادته رغبة منه في التهرب من الالتزامات الزوجية بل والأدهي من ذلك أنه قام بتطليقها لتضيع عليها حقوقها من نفقة ومؤخر وتلف كعب داير لتضغط عليه ليسجل طفلهما ذا السنتين. وإذا كانت الدولة تقوم بخطط لتسجيل ساقطي القيد فإن منظمات المجتمع المدني تساهم هي الأخري في استقطاب هؤلاء الأفراد لتسجيل بياناتهم ومن أهمها منظمة جمعية حواء المستقبل ومؤسسة قضايا المرأة اللتان تعملان علي تسجيل مجهولي النسب كأطفال الشوارع وعائلات بأكملها تسكن بالمناطق النائية والعشوائية. تقول غادة الحاج إحدي الناشطات بمؤسسة قضايا المرأة: ليس بالضرورة أن يكون كل أطفال الشوارع ضمن أعداد ساقطي القيد، لأن هؤلاء الأطفال قد يكونون لأسر قامت بتسجيل أطفالهم بالفعل واستخرجت لهم شهادات ميلاد، إلا أنه قد تم اختطافهم، أو من المفقودين، أو الذين هربوا من المنزل لأسباب مختلفة. تواصل: لا يمكن إعطاء حصر دقيق لأعداد ساقطي القيد لأنهم لا وجود لهم في سجلات الدولة بل لابد من التوغل بالمناطق النائية والحدودية للوصول لهم ونعمل علي ذلك بل ونساهم في توفير فرص عمل بالاتفاق مع رجال أعمال وفي حال تسجيلهم نقوم بالذهاب معهم إلي قسم الشرطة، وتحرير محضر يفيد سقوط قيد المواطن، ثم يأتي بشهادة ميلاد أحد من أشقائه أو قسيمة زواج الوالدين وعرضه علي لجنة الصحة لتسنينه واستخراج شهادة ميلاد. وعن لجان التسنين التي تعقد في الوحدات الصحية يقول الدكتور رزق الشوا رئيس لجنة التسنين بمنيا القمح بالشرقية: تعقد لجنة شهريا ويتوافد عليها أكثر من خمسين شخصا يرغبون في استخراج شهادات ميلاد والملاحظ أن أغلبهم من السيدات والأطفال وزادت الأعداد بعد معاش كرامة وتكافل وإلغاء العمل ببطاقات التموين الورقية. وحول شروط التسنين يقول: يقوم المتقدم بشراء استمارة ساقط قيد ويضع عليها صورته ومحضر شرطة إذا كان الأب علي قيد الحياة وإذا كان متوفي فيكتفي بشهادة الوفاة ثم تقدر اللجنة سن المتقدم بالمعايير التقديرية، وعن تسنين الفتيات في سن الزواج يتم طريق أشعة إكس علي أصبع البنسر لليد اليسري لأن به غضروفا يغلق عند سن16 سنة أما الذكور فوق 16سنة فيتم تحويلهم إلي منطقة التجنيد لتسنينهم، إضافة لعظام المعصمين كلما التحمت تلك العظام أكثر تقدم العمر، وهي تقنية تتجلي لدي الذكور أفضل من الإناث.. فيما تقول الدكتورة سمية الألفي مدير عام التنمية والنوع بالمجلس القومي للأمومة والطفولة: نظام تسجيل المواليد في أي دولة هو جزء من نظام التسجيل المدني الذي يعترف بوجود الشخص من قبل القانون، لذا فإن الحق في الهوية هو أحد أهم الحقوق الأساسية واللصيقة بالإنسان والتي تمكنه من الحصول علي حقوقه التعليمية والصحية والاجتماعية والسياسية وغيره. وتضيف :هناك عدة أسباب تجعل الأهالي يمتنعون عن تسجيل أبنائهم أهمها عدم تسجيل الذكور للتهرب من أداء الخدمة العسكرية علاوة علي أن هناك ساقطي قيد بالوراثة يجدون معاناة كبيرة في حالة اللجوء إلي التسجيل ولاننسي أن حالات انفصال الزوجين وزواج كل منهما من شخص آخر، علاوة علي وفاة الزوج أو الزوجة مع زواج الطرف المتبقي، وهو ما يصعب مهمة تسجيل الأبناء في حالة كان الأبوان غير مسجلين. أما الدكتور رضا رجب الخبير القانوني فيقول: تتجلي مشكلة سقوط القيد في المناطق النائية والمحافظات الحدودية ويعتمدون علي التقاليد العرفية فيما بينهم بل أغلبهم لايعترف بحق الدولة ووصايتها عليه ولكنهم يعرفون ذلك في وقت متأخر لذا لابد من توعيتهم عن طريق حملات إعلامية وربط إقباله علي إثبات نفسه في سجلات الدولة بحصوله علي الخدمات المختلفة، فسيكون هناك مردود كبير. وأضاف: لا شك أن حملات التعداد السكاني التي انطلقت منذ عدة أشهر يمكن أن تساهم في حصر أعداد الساقطين ولاشك أن المقترح الذي تقدم به بعض أعضاء النواب يساهم في حل المشكلة بشأن تعديل المادة 25 من القانون رقم 143 لسنة 1994 الخاص بالأحوال المدنية بشأن التقدم للجهات المعنية بطلب قيد ساقط قيد الميلاد وهذا المقترح من شأنه تسهيل الإجراءات في المحافظات الحدودية، ذلك بسبب وجود بعض الحالات ليس لدي أولياء أمورهم قسيمة زواج لا سيما أن العادات والأعراف والتقاليد في هذه المناطق البدائية كانت لا تسمح بتوافر المستندات الدالة علي النسب. وتابع: يعد هؤلاء الأفراد خطرا محدقا بالدولة فهم لايحملون أي شهادات رسمية ولذا بمكن استقطابهم من قبل الجهات والمنظمات الإرهابية التي لاهدف لها سوي الإضرار بمصالحنا كما أنه لايكون لديهم أي انتماء للدولة التي تحتضنهم لذا علي الجهات المختصة ضرورة القضاء علي تلك الظاهرة.