بعد قرابة الستة أشهر من استقبالها مؤتمرا دوليا يدعو للتدخل العسكري في ليبيا ضد نظام العقيد معمر القذافي تشهد العاصمة الفرنسية باريس تشهد مؤتمرا آخر يضم ما عرف "بمجموعة دول الاتصال" المشتملة علي 30 دولة، التي ساندت هذا التدخل، غير أن أهم ما يميز المؤتمر الذي عقد مطلع الشهر الجاري، تزامنا مع الذكري الثانية والأربعين لبلوغ القذافي السلطة إثر انقلاب عسكري علي الملك إدريس السنوسي، عرف بثورة الفاتح من سبتمبر، هو حضور 30 دولة أخري ليصبح إجمالي المؤتمرين في باريس 60 دولة يناقشون جميعا مستقبل ليبيا ما بعد العقيد. روسيا والصين اللتان عارضتا العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلنطي في ليبيا كانتا أبرز الوجوه الجدد، وبينما اعترفت موسكو بالمجلس الوطني الانتقالي، بقيادة مصطفي عبد الجليل، ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، وذلك عقب سويعات من انتهاء فاعليات المؤتمر، فقد فضلت بكين التشديد علي أهمية ما أسمته"الدور الاعتباري" الذي يقوم به المجلس الانتقالي في إدارة شئون البلاد دون الاعتراف به صراحة، كما كان لافتا أيضا حضور وفد ممثلا للجزائر أبرز الدول العربية التي لم تعترف بالمجلس الانتقالي والتي أرجأت الاعتراف به لحين تشكيل حكومة انتقالية. ولقد ركز كل من مصطفي عبد الجليل ومحمود جبريل الممثلين الرئيسين للمجلس الانتقالي الليبي في مؤتمر باريس، علي الحاجة الماسة للأموال الليبية المجمدة بالخارج لإعادة إعمار ما خلفته 6 أشهر من الحرب، كما عرضا "خارطة طريق نحو ليبيا الديموقراطية"، والتي تقضي بتشكيل حكومة انتقالية وإنشاء جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في فترة زمنية لا تتجاوز العشرين شهرا. الرد الدولي علي المطالب المالية جاء سريعا حيث أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن "إفراج فوري عما يقرب من خمسة عشر مليار دولار من الأرصدة الليبية المجمدة في باريس" لصالح السلطة الجديدة في ليبيا، وفي نفس الاتجاه أعلن ساركوزي أن بلاده كانت قد أفرجت أيضا في ذلك اليوم نفسه (أي الأول من سبتمبر) وبشكل عاجل، عن مليار ونصف المليار يورو، وهو ما تبعته كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا بإعلان مماثل ولكن بقيمة مليار ونصف المليار دولار وذلك من إجمالي خمسين مليار دولار تمتلكها طرابلس في كل من باريس ولندن وواشنطن ، و ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن تحويل مبلغ مليار يورو من الأرصدة الليبية المجمدة لدي برلين لحساب "الانتقالي الليبي"، أما هولندا فقد أعلنت عزمها تحويل مبلغ 2مليار يورو فيما أكدت سويسرا أنها ستحول 240 مليون دولار لطرابلس، وفي تصريح خاص من بني غازي لآخر ساعة قال عبد الحفيظ غوقة المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي أن الأموال التي تم تحويلها من العواصمالغربية لأرصدة المجلس الانتقالي الليبي تعد بداية مبشرة ومطمئنة ومقبولة جدا كي تدور عجلة إعمار ليبيا ولدفع رواتب الموظفين المتوقفة منذ عدة أشهر ولبث انتعاشة حقيقية في الاقتصاد الليبي المنهار نظرا لتوقف الأنشطة البترولية مصدر الدخل الخارجي الوحيد لليبيا. في نهاية المؤتمر دعا ساركوزي كل أطياف المجتمع الليبي إلي "العفو والمصالحة"، مشيرا إلي أنه "لا شيء سيمكن إنجازه في ليبيا دون عفو ومصالحة"، وبالنسبة لمصير العقيد المختفي عن الأنظار قال ساركوزي"يجب القبض علي القذافي وسيكون لليبيين مطلق الحرية في تقرير إذا ما كان سيحاكم وأين سيحاكم"، وهو ما رأي فيه كثير من المراقبين مخاوف دولية من أن تتحول ليبيا إلي عراق آخر ومن موجات عنف انتقامية إذا ما تم توقيف القذافي ومن ثم محاكمته وربما إعدامه، و هو ما رفضه "غوقة" تماما مشددا علي وجوب عدم عقد أي مقارنات بين ليبيا والعراق إذ إن ما فجر العنف في الأخير، علي حد وصف غوقه، هو وجود قوات احتلال أجنبية علي الأرض والحال ليس كذلك في ليبيا، موضحا أن الأمر مسألة وقت ليس أكثر وأن الذين مازالوا يحملون السلاح ويدافعون عن القذافي إنما هم مجموعة من المرتزقة سواء من، خارج ليبيا أو من داخلها، والذين لا يملكون مبدأ أو عقيدة للدفاع عنهما وإنما هم يحملون السلاح فقط من أجل المال وبمجرد انتهاء أموال العقيد الهارب سيكون هؤلاء مجبرين علي القاء السلاح.