اشتهرت مصر تاريخياً بأنها بلد زراعي، وكانت أرضها من أجود الاراضي خصوبة وإنتاجاَ للمحاصيل، حتي لقبت بسلة غذاء العالم القديم، لكن دوام الحال من المحال في ظل التقدم التكنولوجي الحالي في مجال الزراعة، وتخلف مصر عن استخدام تقنيات حديثة في استنباط أنواع جديدة من التقاوي والبذور قادرة علي تأمين محاصيل نباتية عالية الإنتاج، لتصبح رهينة الاستيراد عبر الشركات الزراعية الخاصة التي فضلت عدم الدخول في مجال إنتاج وصناعة تقاوي الحاصلات الزراعية. "آخرساعة" حاورت الدكتور محمد محمود مدير معهد بحوث البساتين لإلقاء الضوء علي العقبات التي تواجه إنتاج البذور وتقاوي الحاصلات الزراعية محلياَ. • ما مراحل إنتاج التقاوي الزراعية؟ - إنتاج التقاوي يبدأ من خلال جمع بذور النواة الناتجة عن التهجين في كميات صغيرة، ولمضاعفتها نبدأ في تخليق ما يسمي بتقاوي الأساس التي تُستخلص من تقاوي النواة وزراعتها بناء علي الكمية التي يحتاجها الفدان، لكي نستخلص منها بعد ذلك ما يعرف بالتقاوي المعتمدة أي التي تم اعتمادها من الإدارة المركزية للفحص، تمهيدا لنقلها للمزارع، ومن جانبنا لا نواجه أي مشاكل في إنتاج الحاصلات البستانية داخل مصر فهي تغطي الاستهلاك المحلي بل يتم تصدير 70٪ منها إلي الخارج مثل محصول البرتقال الذي يتم إنتاجه بكمية تقارب مليون ونصف المليون طن سنويا، يليه محصول البصل ثم البطاطس، أما النباتات العطرية فيتم تصدير نحو 90٪ من حجم إنتاجها. حدثني عن مشروعات إنتاج التقاوي والبذور داخل المعهد. - معهد بحوث البساتين يضم قسم تربية الخضر وهو من الأقسام الحديثة في المعهد أنشئ عام 2004، وخلال هذه الفترة القصيرة نجح في إنتاج أصناف جديدة من المحاصيل علي رأسها نوعين من التقاوي الهجينة للطماطم "جاد 7، وجاد 16"، وكذلك أنتج بذور وتقاوي الفلفل الملون، فضلا عن إنتاج صنفين من تقاوي البازلاء أحدهما يعد من الأصناف النباتية المبكرة ويُسمي "انتصار1" والآخر صنف متأخر يناسب الأراضي الجديدة ويُسمي "انتصار2". ما العائق أمام إنتاج تقاوي وبذور المحاصيل الزراعية محلياً؟ - تجارة التقاوي والبذور تعتبر تجارة مربحة للغاية ولا توجد أي مشاكل في استيرادها وهذا الأمر خلق حالة من الكسل لدي القطاع الخاص جعلته عازفاً عن الدخول في مجال الإنتاج فهو في النهاية يريد استثمار أمواله بطريقة مضمونة الربحية والجهة الوحيدة القادرة علي الدخول في مجال الإنتاج هي مراكز البحث العلمي، نظرا إلي أن إنتاج تقاوي المحاصيل يحتاج لفترة طويلة تصل أحياناً إلي 10 سنوات حتي يمكن إنتاج صنف هجين يمكن للمزارع الاستفادة منه، بجانب الحاجة لضخ استثمارات ضخمة حتي يمكن تسويق المنتج وعمل دعاية له من خلال عرض الأصناف التي تم النجاح في استزراعها علي التجار والمزارعين في المعارض الحقلية. كيف يمكن أن تساهم زراعة الأنسجة في حل مشكلة إنتاج تقاوي الحاصلات الزراعية؟ - حجم إنتاج النباتات عن طريق الزراعة بالأنسجة في مصر يصل إلي 250 ألف نبات سنوياً، ونحن نمتلك معملا بحثيا متخصصا في الزراعة بالأنسجة ينتج العديد من المحاصيل الزراعية، منها الفراولة والموز وكذلك نباتات الزينة، وهناك أبحاث تتم حالياً علي إكثار النخيل خلال الدورة الزهرية. ما خطة المعهد لسد الفجوة في إنتاج التقاوي والبذور؟ - الخطة تعتمد علي معرفة أسباب مشكلة نقص إنتاج التقاوي والبذور والحلول التي يمكن إتباعها لمواجهتها وحجم التكلفة حتي يمكن سد الفجوة في الإنتاج، فنحن لا نغطي في إنتاج تقاوي الخضر في بعض المحاصيل سوي 1٪ فقط من الاحتياجات، وأبرز مثال علي ذلك هو أن معظم تقاوي الطماطم التي يتم استخدامها في الزراعة هي عبارة عن تقاوي مستوردة من الخراج والجزء الذي ينتجه المعهد قليل للغاية بالرغم من أنه يعتبر الجهة الوحيدة في مصر المنتجة لتقاوي الخضر، لذا وضعنا خطة لإنتاج التقاوي علي المدي القصير تم التركيز فيها علي الوصول للاكتفاء الذاتي في 4 محاصيل وهي الفاصوليا والبازلاء واللوبيا والثوم حتي نستطيع تغطية احتياجاتنا منها بحلول عام 2022، وعلي المدي الطويل نعمل علي إنتاج التقاوي الخاصة بالمحاصيل التي تحتاج إلي تهجين مثل الطماطم والفلفل والباذنجان من خلال العمل علي محورين، المحور الأول يعتمد علي استغلال أباء البذور الموجودة لدينا بالفعل في زيادة إنتاجية النباتات الهجينة، والمحور الثاني هو البدء في جلب آباء البذور من البنوك الزراعية بكل من إنجلترا ويوغوسلافيا وفرنسا والبرتغال وإدخالها في برامج تربية محلية حتي نستطيع إنتاج هجن زراعية جديدة وهي تعتبر من البرامج الممتدة لفترات طويلة التي تحتاج إلي تمويل، ونحن من جانبنا تلقينا وعودا بالدعم من وزارة الزراعة في هذه الصدد علي أساس التوسع في إنتاج المحاصيل الهجينة، خاصة أنها تلقي استحسانا وقبولا في السوق المصري وكذلك في المزارع الأفريقية المشتركة. لاحظنا ارتفاع أسعار الطماطم بصورة ملحوظة في الفترة الماضية، فهل يرجع السبب لارتفاع أسعار التقاوي والبذور؟ - الأمر ليس له علاقة بأسعار التقاوي ولكن يتعلق بالاختلاف بين فترات العروة الزراعية الخاصة بالطماطم، فهذا النوع من المحاصيل تتم زراعته علي خمس عروات زراعية منها العروة الصيفية المتأخرة والعروة الشتوية المبكرة، والتوقيت الذي حدث به الارتفاع في أسعار الطماطم سبقه موجة برد تسببت في توقف نمو النبات وهو ما ظهر أثره لاحقا في إنتاجية المحصول، ومن المعلوم أن زراعة محصول الطماطم خلال الفترة الشتوية تتم في أنفاق مغطاة بالبلاستيك، ومن ثم يقوم المزارع برفع الغطاء البلاستيكي من علي النبات بحلول شهر فبراير ليبدأ في الإنتاج في منتصف شهر أبريل. هل انضمام مصر لاتفاقية حماية الأصناف النباتية يسهم في الارتقاء بمجال إنتاج التقاوي والبذور محليا؟ - في حال موافقة رئيس الجمهورية والبرلمان علي انضمام مصر لاتفاقية "اليوبوف" - حماية الأصناف النباتية - فإن هذا من شأنه نقل صناعة التقاوي في مصر نقلة كبري وسيجعلنا قبلة الشركات المتخصصة في إنتاج البذور الزراعية وحينها سيصبح من حقنا إدخال تلك البذور ضمن برامج تربية وتهجين خاصة بنا. بعض الجامعات مثل جامعة جنت في بلجيكا تنتج عشرة ملايين شتلة سنويا وتقوم بتصديرها للخارج، ما مدي إمكانية تكرار التجربة في مصر؟ - معهد البحوث ينتج بالفعل حوالي 120 ألف شتلة زيتون سنويا وهي شتلات مضمونة الإنتاج خالية من الأمراض الحشرية فضلاً عن إنتاج 100 الف شتلة عنب ذات أصول مقاومة للنيماتودا ، كما أننا نقوم بإنتاج شتلات لأصناف جديدة من المانجو قادرة علي مقاومة الملوحة والظروف البيئية غير المناسبة. لماذا لا يتم تخصيص مساحات زراعية واسعة لإنتاج التقاوي الهجينة من محاصيل الخضر والمحاصيل الحقلية؟ - في مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان سيتم زراعة المحاصيل النباتية وفق الخريطة الصنفية لكل نوع بحيث تعطي أفضل إنتاجية للمحصول مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الظروف المناخية في كل منطقة، فعملية إنتاج بذور المحاصيل الهجينة مثلاً تتم داخل الصوب ولا يمكن أن تنجح في الأراضي المكشوفة إلا مع بعض المحاصيل ذاتية التلقيح مثل اللوبيا والفاصوليا شريطة وجود مسافات العزل المطلوبة بينها، وتُزرع بطريقة تشمل وضع أمهات التقاوي بنسبة 75٪ داخل الصوبة وبعد تفتح الزهرة يتم تلقيحها ثم تغلف لتبدأ عملية تكوُّن النبات الهجين. وزارة الزراعة أعلنت في وقت سابق عن مشروع إنشاء مائة ألف صوبة زراعية، ما الدور المنتظر من المعهد في هذا المشروع؟ - دور المعهد إشرافي بحت يشمل تدريب القائمين علي المشروع من مشرفين ومرشدين زراعيين علي العمليات الزراعية بالأسلوب الأمثل وذلك بالتعاون مع أكثر من دولة مثل هولندا وأسبانيا لنقل أحدث ما لديها من خبرات وتقنيات، وفي ذات الوقت يتم نقل خبراتنا من خلال "قسم الزراعات الجوية المعدلة" وهو مختص بنوع من الزراعات إما أن يتم من خلال الزراعة المباشرة في التربة أو يتم الاستعاضة عن ذلك بطريقة أخري تسمي "الهيدروبوليك" أي الزراعة في محلول مائي، وهناك طريقة أخري تسمي "الأكوابوليك" يتم فيها تربية الأسماك في مجري مائي أسفل جذور النباتات المعلقة، وعند إمدادها بالغذاء تبدأ أجسامها في إنتاج مركبات نيتروجينية تغذي النبات بشكل طبيعي دون الحاجة إلي أسمدة، ومن ضمن الخطط الموضوعة في مشروع إنشاء الصوب أن يكون جزء منها مخصصا لإنتاج التقاوي والبذور ونباتات الزينة وزهور القطف ولن يقتصر علي إنتاج الخضر فقط.