في الوقت الذي اختارت فيه مجلة »الإيكونوميست» العالمية المتخصصة في الاقتصاد مصر من أفضل 12 وجهة استثمارية في العالم، فضلا عن احتلال مصر كأفضل 20 وجهة سياحية في العالم بحسب تصنيف مؤسسة » بلومبرج العالمية ، يستعد البرلمان لمناقشة قانون الاستثمار الجديد الذي بحسب الخبراء سيضع قدم مصر علي الخريطة العالمية للاستثمار، حيث يهدف القانون لتشجيع الاستثمارات وجذب المستثمرين وتهيئة المناخ للاستثمار حيث يتيح الحق للمستثمر في إقامة المشروع والتوسع فيه وتصفيته بما لا يضر بحقوق الغير. ونصت المادة 19 من القانون للمستثمر الحق في إنشاء وإقامة وتوسيع المشروع الاستثماري، وتمويله، وتملكه، وإدارته، واستخدامه، والتصرف فيه، وجني أرباحه وتحويلها للخارج وتصفية المشروع وتحويل كل أو بعض ناتج هذه التصفية، وذلك دون الإخلال بحقوق الغير». كما تلتزم الجهات الإدارية المختصة بإخطار الشركة تحت التصفية ببيان ما عليها من التزامات خلال مدة أقصاها 120 يوماً تبدأ من تاريخ تقديم المصفي طلبا مرفقاً به المستندات اللازمة لذلك، ويعتبر انقضاء هذه المدة دون بيان تلك الالتزامات إبراء لذمة الشركة تحت التصفية، وذلك دون الإخلال بالمسئولية التأديبية والجنائية للمسؤول عن إصدار بيان علي خلاف الواقع أو من تسبب في فوات الميعاد المشار إليه دون الرد علي الطلب. كما نص القانون علي أن لكل منشأة أو شركة، أياً كان شكلها القانوني، رقما موحدا معتمدا لكافة معاملات المستثمر مع كافة أجهزة وجهات الدولة المختلفة، فور تفعيله. وتقوم الهيئة بوضع نظام يتيح إصدار شهادة للمشروع الاستثماري، وذلك من خلال قاعدة بيانات يصدر بتنظيمها قرار من الرئيس التنفيذي للهيئة، كما أعفي القانون الآلات والمعدات والسلع الرأسمالية للمشروعات من كافة الرسوم والجمارك والضرائب وألزمت الجهة الإدارية البت بسرعة في طلبات المستثمرين في مدة أقصاها 30 يوما، إضافة إلي منح القانون جميع مشروعات الاستثمار الداخلي بالمناطق التنموية الأرض بالمجان وتخفيض نحو50% في أسعار الطاقة إضافة إلي الإعفاء من الضرائب لمدة 10 سنوات، وتتحمل الدولة نسبة صاحب العمل في التأمينات علي العمالة لمدة 10 سنوات فضلا عن الإعفاء الكامل من الجمارك والضرائب للشركات المصدرة كليا لإنتاجها، والإعفاء من ضريبة الدخل بنسبة 50% من الضرائب المقررة علي الأفراد والشركات لمدة 10 سنوات، كما نص قانون الاستثمار الجديد علي مزايا وحوافز أخري بهدف جذب المستثمرين. تؤكد داليا خورشيد وزيرة الاستثمار، أن القانون الجديد يقدم حوافز للاستثمار بدلا من الضرائب حيث يمنح خصم ضريبي للمستثمر بنسب تتراوح ما بين 30 إلي 40% من التكلفة الاستثمارية للمشروع الجديد بحسب المنطقة التي يقام فيها وبحد أقصي 80% من رأس المال المدفوع علي مدار سنوات من بدء الإنتاج، لافتة إلي أن من أهم ملامح قانون الاستثمار أنه تطرق إلي تسهيل وتيسيرات الإجراءات التي تحتوي النافذة الاستثمارية والوقت المحدد لمنح التراخيص إضافة إلي ضمانات الاستثمارات التي يتم وضعها بعد التشاور مع مؤسسات عالمية والتجارب الدولية في هذا الشأن. أوضحت أن مسودة قانون الاستثمار النهائية والتي عرضت علي مجلس الوزراء ووافق عليها جاءت من خلال التشاور مع العديد من الجهات المعنية كوزارة الصناعة والتجارة حيث تم مراعاة احتياجات المستثمرين عن طريق التواصل مع مجتمع الأعمال سواء صناعي أو تجاري، مشيرة إلي أن المسودة تضمنت حوافز ومزايا للقطاعات المستهدفة والتي يتم منحها وفقا لقطاعات ومناطق جغرافية محددة وصناعات ترغب الحكومة في إقامتها والتوسع فيها كالمناطق التكنولوجية والجاذبة للاستثمارت الكبيرة خلال المرحلة المقبلة. أشارت خورشيد إلي وجود تعاون وتنسيق بين وزارة الاستثمار ووزارات الصناعة والمالية والعدل لتسهيل إجراءات الاستثمار ووجود مناخ مناسب، موضحة أن الحكومة تهتم اهتماما كبيرا بالاستثمار وتذليل أي معوقات تقف أمام المستثمر فقد تم مراعاة مشكلات التصفية والإفلاس، لافتة إلي أن وزارة الاستثمار تقوم بإعداد خطط ترويجية للفرص الاستثمارية التي تقع في مختلف المناطق في المحافظات المختلفة حيث تتضمن زيارات ترويجية للاستثمار سواء المباشر أو غير المباشر. يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور زياد بهاء الدين: »مع تقديري للجهد المبذول في مشروع مسودة القانون إلا أنني أجد نفسي مضطرا للتحفظ علي أربعة جوانب محددة من مشروع القانون هي أولًا، أن التمسك بفكرة أن »القانون هو الحل» وأن إصدار تشريع جديد للاستثمار يمكن أن يحدث الطفرة المطلوبة، لا يخاطب طبيعة الأزمة الراهنة، لأن الواقع أن مشاكل المستثمرين تتعلق بمجالات أخري، علي رأسها عدم وضوح التوجه الاقتصادي والاجتماعي للدولة، ومنافستها للقطاع الخاص في كل المجالات، وانتشار الفساد، وبطء التقاضي، بجانب الأوضاع الأمنية والسياسية. وهذه كلها عوائق حقيقية للاستثمار لن يحلها تشريع جديد مهما كان جيدا. ثانيًا، أن القانون المعروض يعود مرة أخري إلي تقرير حوافز وإعفاءات مالية في شكل استرداد المشروع لجانب من تكلفته الاستثمارية من الدولة، وذلك بعدما كانت مصر قد أغلقت هذا الباب منذ عام 2005، ورغم أن النص الجديد يقيد منح الإعفاءات بأنشطة معينة وبشروط محددة، إلا أنني أخشي أن نفتح بذلك بابا واسعا للفساد، ونضيع علي الاقتصاد القومي موارد يحتاجها للإنفاق علي التنمية، ونقحم الدولة في تحديد أولويات ومجالات الاستثمار دون داع، ونتجاهل الرسالة السياسية السلبية لإعفاء المستثمرين الجدد من الضريبة في وقت تتزايد فيه الأعباء والضرائب والأسعار علي المواطنين بلا هوادة. ثالثًا، أن القانون الجديد يسعي لمنح جميع التراخيص والموافقات للمشروعات وكذلك الأراضي المتاحة للاستثمار من خلال منافذ هيئة الاستثمار، وهذه فكرة نبيلة، ولكن لا أظنها قابلة للتطبيق، وبالذات خلال مدة التسعين يوما الواردة في القانون، والإخفاق فيها سوف يؤدي إلي مزيد من التضارب بين الجهات الحكومية المختلفة، بما يضيع مصداقية البلد مرة أخري كما حدث في أعقاب مؤتمر مارس 2015. ورابعًا، أن نص القانون المعروض علي مجلس النواب يعطي هيئة الاستثمار سلطات وصلاحيات إدارية شديدة الاتساع في كل ما يتعلق بمختلف مراحل حياة الشركات والمشروعات الاستثمارية، كما يمنحها سلطات رقابية كبيرة، وهو ما قد يزيد من ثقل وتكلفة البيروقراطية التي يعاني منها المستثمرون بالفعل خاصة أن المزايا والإعفاءات الممنوحة في القانون شديدة التعقيد وقد تفتح أبوابا واسعة لتحكم الجهاز الإداري في تطبيق القانون. واختتم: »الواقع أن الدراسات المعاصرة في هذا المجال، تؤكد أن أكثر ما يشجع المستثمر الأجنبي علي الإقدام في بلد غريب هو أن يكون هذا البلد حريصا علي مصالح كل المستثمرين لديه أيا كانت جنسياتهم أو مصادر أموالهم أو طبيعة وحجم أعمالهم». ويري المهندس طارق زيدان، خبير تطوير وإدارة المشروعات، أن مشروع القانون جيد ويودي الي إحداث تغير اقتصادي حقيقي، فهو يحتوي علي العديد من الجوانب الإيجابية، ولكنه في نفس الوقت يتضمن بعض العيوب، .لافتا إلي أهم ما يميزه قانون الاستثمار الجديد التسهيلات التي أتاحها للمستثمرين، حيث إن المناخ والوضع الاقتصادي الحالي يحتاج إلي مرونة مقدمة للمستثمرين حتي يتم تشجعيهم علي التواجد في مصر، ومن هنا فنظام »الشباك الواحد» جيد لتيسير الأمر علي المستثمر سواء محلي أو أجنبي والمتعلق بمنح وإنهاء التراخيص الخاصة بهم، إضافة إلي حماية المستثمر من التأميم والمصادرة وهذا البند يعد من أبرز ما تضمنه القانون لما سيتيحه من ضمانات للمستثمرين للتواجد دون خوف. يضيف زيدان، إن المادة الخاصة والتي تفرض علي المستثمر القيام بتخصيص جزء من الربح للتدريبات البشرية، ودعم التعليم الفني، وتحسين البيئة، مما سيضمن تحسين مناخ العمل وضمان تحسين المهارات الفنية للعاملين، الأمر الذي سينعكس علي المناخ الاقتصادي كافة. مشيرًا إلي أن فكرة إلغاء إنشاء المناطق الحرة والممارسات الخاصة بتلك المناطق بعد ماثبت أنها لن تحقق سوي أرباح للمستثمر وتحمل الدولة خسائر أكبر، حيث شهد العامان الماليان الماضيان أعلي معدلات خسائر من عمل المناطق الحرة خلال 5 سنوات، فوفقًا لبيانات هيئة الاستثمار فقد ثبت أن المناطق الحرة تحولت من مناطق جاذبة للاستثمار لملاذات ضريبية تلجأ لها الشركات لما تتيحه من إعفاءات ضريبية وجمركية كاملة، بالإضافة إلي انسحاب المستثمر من المناطق الحرة، وكذلك فشلها في زيادة الصادرات للخارج، مما يعني أنها لن تحقق الهدف من وجودها. ويشير زيدان، إلي أنه من الجوانب السلبية التي جاءت في مشروع القانون التمييز الذي أقره للمستثمر الأجنبي علي حساب المستثمر المحلي خاصة فيما يتعلق بإنشاء مشروعات بالنقد الأجنبي، بالإضافة إلي التوسع في الإعفاءات الضريبية، وكذلك السماح للمستثمر الأجنبي بتحويل أرباحه دون ضوابط بدلًا من إقرارها بفترة زمنية محددة، مطالبا الحكومة بألا يتم الاكتفاء بإصدار التشريعات والقوانين، ولكن عليها أن تخلق مناخا مرنا لتطبيقه، وخلق مناخ اقتصادي عام يسمح بخلق فرص جديدة وضخ حجم استثمارات أكبر، والاستفادة مما تمتلكه مصر من موارد علي جميع المستويات.