في أوروبا يتحدثون الآن عن تجربتين لا ثالثة لهما.. الأولي لدولة احتضنها الاتحاد الأوروبي بقوة وراهن علي اقتصادها الضعيف وضخ في خزائنها مليارات من اليورو.. ورغم ذلك انهارت اليونان أو هكذا سيكون اقتصادها بعد شهور قليلة.. وفي الطريق بلدان أخري علي رأسها: البرتغال وإسبانيا وإيرلندا تنتظر خطط إنعاش فورية لاقتصادها وإلا! والثانية لدولة حاربت دولا أوروبية عظمي انضمامها للاتحاد ومنعت عنها كل المنح السياسية والاقتصادية وراهنت علي انهيار اقتصادها خلال شهور.. ورغم ذلك حققت تركيا مايشبه الأسطورة الاقتصادية في سنوات تعد علي أصابع اليد الواحدة لتعطي المثل لباقي بلدان أوروبا.. ولدول مثل مصر مازالت تتلمس طريقها للمستقبل بعد ثورة 52 يناير وأمامها طريقان: إما التركي أو اليوناني؟! المتغطي بالاتحاد الأوروبي.. عريان! هو أبلغ مايقال حول ماحدث ومازال يحدث في اليونان إحدي دول الاتحاد الأوروبي والتي تواجه شبه الإفلاس والانهيار رغم كل المحاولات لإنعاش اقتصادها وعودتها بقوة للحظيرة الأوروبية.. وأرقام العام الماضي تقول إن اليونان بسكانها الذين تخطوا العشرة ملايين نسمة وصلت نسبة الدين للناتج المحلي لها إلي 511٪ وبلغ حجم الدين العام 7.504 مليار دولار وتصاعدت أرقام البطالة لتصل لأكثر من 51٪ وسجل الاقتصاد لأول مرة العام 9002 انكماشا مسجلا ناقص 2٪ ورغم انضمام اليونان لمنطقة اليورو إلا أن ظروفها الخاصة لم تمكنها من الانضمام بقوة لأوروبا ففيها القطاع العام المترهل بصورة تمثل 04٪ من ناتج اليونان المحلي كله.. وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتضيف هما جديدا للبلد الصغير في قطاعات هامة منه علي رأسها السياحة التي تمثل 57٪ من الناتج المحلي ومع تفاقم الأوضاع اكتشف اليونانيون أنهم لا يملكون ما يكفي من الأموال لتمويل عجز موازنتهم وسداد قروضهم المستحقة عليهم والتي أصبحت تلتهم أكثر من 52٪ من دخلهم السنوي.. وأصبح معها تغطية ذلك صعبا عن طريق القروض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة من الدائنين وهو ما اضطرها للجوء للاقتراض واقتراح خطط إنعاش سريعة لاقتصادها من كل من دول منطقة اليورو بالاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.. ومع ذلك زادت الحكومة من خططها للتقشف وهو مادعا اليونانيين للنزول للشارع والتهديد بالاعتصامات والاضرابات وهو ما ينذر بتحول اليونان قريبا إما لدولة علي شفا الإفلاس أو علي أقل تقدير لاقتصاد ضعيف بسبب فقدان ثقة الأسواق المالية لاقتصادها يوما بعد يوم.. وعلي قرب من اليونان تنتظر 3 دول أخري مصيرها ذاته.. أولها البرتغال التي يعاني نموها الاقتصادي للعام الماضي من هبوط حاد وصل إلي أكثر من ناقص 5.3٪ وحجم البطالة لأكثر من 11٪ والدين العام 5.57٪ من حجم الناتج المحلي الإجمالي وهناك إسبانيا التي لم يشفع لها حجم التدفق الهائل للسائحين سنويا عليها والذي يقدر عددهم بأكثر من عدد سكانها الذين تجاوزوا ال 74 مليونا.. حتي وصل النمو الاقتصادي بناقص 5.3٪.. ومعدل البطالة لأكثر من 02٪ وفي أقصي الشمال الأوروبي تعاني دولة إيرلندا من نمو اقتصادي بلغ ناقص 5.7٪ دفعة واحدة جر معه مشاكل لا تحصي وصلت بمعدلات البطالة لأكثر من 21٪ وبالدين المحلي لنحو 46٪ من الناتج الإجمالي.. ماذا يعني ذلك؟ يعني وببساطة.. أن الاتحاد الأوروبي ودول منطقة اليورو قد تعاني من ضعف محتمل في اقتصادياتها تدفع ببعض بلدانها للانتقال للاقتصاديات الضعيفة وهو ما يعني أعباء جديدة علي باقي دول الاتحاد التي تحاول وبقوة دفع خطط للانعاش والإنقاذ.. لأن فشل سياسات تلك الدول وإعلان إفلاس بعضها كما في حالة اليونان سيضر بمصالح أوروبا الموحدة كلها وبحلم سيادة اليورو كعملة عالمية أولي في مواجهة الدولار. وفي المقابل.. حاربت بلدان كبري في أوروبا وعلي رأسها ألمانيا وفرنسا انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي رغم حصولها علي صفقة دولة مرشحة للانضمام منذ العام 9991 وكانت معظم المبررات واهية من أن تركيا لم تنضج اقتصاديا بعد للانضمام رسميا للاتحاد وأنها في حالة انضمامها ستمثل عبئا كبيرا علي باقي دوله.. أما الحقيقة فهي إن تركيا الدولة يمثل المسلمون فيها أكثر من 59٪ فكيف ستنضم للاتحاد وهو منتدي يطلق عليه الأوربيون "منتدي مسيحي خالص" ؟! ورغم ذلك حققت تركيا بعيداً عن الاتحاد الأوروبي ومشاكله وعن دول منطقة اليورو ما يشبه المعجزة بداية من العام 4002 حينما بدأ اقتصادها في استعادة عافيته وزاد الناتج القومي الإجمالي ودخل المواطن التركي وقلت نسبة الدين للناتج القومي الإجمالي مما وضع البلاد ضمن الأسواق الناشئة باقتصادها المتنوع وسكانها وارتفاع نسبة القوي العاملة فيها.. خاصة بين الشباب. واعتمدت تركيا لتحقيق ذلك علي عدة محاور أهمها موقعها حيث يقع 79٪ منها في آسيا والباقي في أوروبا وتطل علي بحر إيجة والبحرين المتوسط والأسود وتتقاسم حدودها مع 8 دول. ويضاف لذلك.. تنوع مصادر اقتصادها من صناعة ومعادن وزراعة متنوعة بالإضافة إلي نحو 53 مليون سائح الآن سنوياً يشكلون دخلاً سنوياً يزيد علي ال32 مليار دولار أمريكي، ويخدم ذلك كله بنية أساسية من نقل وطرق واتصالات بأنواعها. ويعزز ذلك كله سياسة خارجية ناجحة وعلاقات قوية ومؤثرة بالعالم العربي، فرغم انقسام دول الاتحاد الأوروبي مابين مؤيد ومعارض لانضمامها له علي أساس أنها جزء من الشرق الأوسط وآسيا وأنها قد لا تلبي الشروط المطلوبة للانضمام وستكون عبئاً علي الاتحاد.. إلا أن تجربتها الاقتصادية الناجحة أدت لبعض دول الاتحاد لإعادة التفكير في انضمامها له وفرضها شروطاً جديدة لانضمام تركيا وهو مايعني نجاح التجربة التركية عملياً فوق الأرض في تغيير وجهة النظر الأوروبية الرافضة لكونها دولة أوروبية يحق لها الانضمام للاتحاد الأوروبي. وفي المقابل أصبح لتركيا دورها السياسي الفعال في الشرق الأوسط والمنطقة العربية بعلاقات متوازنة مع البلدان العربية وإسرائيل ودفاعها عن الحقوق العربية المشروعة، وأصبحت علي مسافة واحدة مع أغلب دول المنطقة سياسات جديدة وتوجهات تقوم علي سياسة الند بالند وهو ماقوي من حجم اقتصادها المتبادل مع دول المنطقة يعززها قدرة اقتصادها وسكانها الذين تعدوا ال 57 مليون نسمة يمثلون عشرات الأعراق والقوميات والديانات أيضاً.