الرئيس بشار الأسد يلقى خطابه ستبقي سورية خالدة في سفر زماني، فهي أحد بلدين أقضي فيهما أجازتي، والتي يسطع اسم عاصمتها في تاريخ المدن العربية، ولها من المكانة التاريخية والسياحية والدينية ما يجعلها محببة إلي نفسي، فعندما استنفر ذاكرتي أجد كماً هائلا من ذكريات تربطني بمعالمها، ومؤتمراتها التي شاركت فيها، وصداقتي بأهلها الطيبين الذين تسكن مصر بين ضلوعهم.. ومن حوالي 51 عاما ربطتني صداقة بهذا الإعلامي القدير الذي تعرفت عليه عن طريق الشاعر والسياسي الكبير علي عبدالكريم (سفير سورية الحالي في لبنان) وكان يشغل مديرا لمكتب وكالة الأنباء السورية بالقاهرة. إنه صديقي الدكتور عدنان محمود، الذي كان مراسلا للتليفزيون السوري في مصر، وانفرد بلقاءات كثيرة ومتميزة مع النخبة السياسية والثقافية والاجتماعية، ثم حصل علي درجة »الدكتوراه« بامتيار من جامعة القاهرة، وتابعت نجاحاته المتواصلة، ومواقعه الوظيفية البالغة الأهمية، إلي أن أصبح اليوم وزيرا للإعلام السوري.. وعلي ضوء ذلك كله، ومايجري علي أرض بلاده منذ مارس الماضي، ليسمح لي أن أطرح عليه هذه التساؤلات: ماذا يجري في سورية الشقيقة؟.. وأيهما نصدق مانراه علي الفضائيات العربية.. أو علي شاشة التليفزيون العربي السوري؟! عندما أتابع أحداث سورية عبر »الجزيرة« أو »العربية« أشاهد مظاهرات طالت عددا كبيرا من المدن السورية تطالب بالحرية، وهتافات غاضبة ضد حزب البعث، وأخري ضد »ماهر الأسد« شقيق الرئيس بشار الأسد ورئيس الحرس الجمهوري في الميادين الرئيسية، وأعداد غفيرة أخري تطالب بالقضاء علي الفساد وقد صب المتظاهرون جام غضبهم علي شخصيات بعينها. عبر الشاشات العربية أشاهد أيضا »جنازات« لمتظاهرين قتلتهم قوات الأمن السورية في أكثر من مدينة ومواجهات عنيفة ضد المعتصمين وضرب المتظاهرين بكل وسائل العنف التي يلفظها أي إنسان متحضر، علاوة علي مشاهد الدماء، وأعمال الفوضي وإحراق وتكسير السيارات، وسماع إطلاق النار، والأهالي يستنجدون ويحاولون إسعاف المصابين.. عبر هذه الشاشات أشاهد أيضا قوات الجيش بالدبابات، وأسمع طلعات جوية ومروحيات المفروض أن تدافع عن البلاد وتصد الهجمات الخارجية وتحمي الحدود وتسحق المحتلين، لكنها تفرغت الآن لحماية النظام الحاكم!!! وعلي الجانب الآخر، عندما أشاهد التليفزيون العربي السوري أري مسيرات تأييد للرئيس بشار الأسد، وأبرزها تلك »المليونية« من جماهير الشعب التي احتشدت في طريق »أوتوستراد المزة« تحت علم سورية بطول 3.2 كيلو متر ويرمز إلي تعداد الشعب السوري الذي يبلغ 32 مليون نسمة! عبر التليفزيون الرسمي تابعت ثلاث خطب للرئيس السوري بشار الأسد لتعلن حزمة من القرارات بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وكان آخرها خطابه الأخير في الاسبوع الماضي والذي أعلن فيه أنه سيشكل لجنة لدراسة تعديل الدستور السوري، وستطرح هذه اللجنة توصياتها خلال شهر من الآن، وبأن الانتخابات البرلمانية ستجري في شهر أغسطس، وإكمال الإصلاحات في سبتمبر، وبأن سيادة الرئيس بشار الأسد سيبدأ عما قريب في إجراء حوار وطني، وأكد ضرورة الإصلاح والتطوير والتطلع إلي المستقبل، وتوعد فيه بملاحقة ومحاسبة كل من أراق الدماء أو سعي إلي إراقتها، وأنه سيطلب من وزارة العدل دراسة توسيع نطاق العفو الحالي، وأكد في هذا الخطاب أيضا ضرورة التفرقة بين من سماهم »المخربين« وبين أصحاب المطالب المشروعة. وكان الرئيس بشار الأسد وفيا فعلا لما أعلنه في خطابه بالنسبة لتوسيع نطاق العفو، فقد أعقب خطابه إصدارمرسوم بالعفو العام هو الثاني من نوعه في غضون ثلاثة أسابيع شمل جميع من ارتكبوا جرائم! ورغم أهمية خطاب الرئيس بشار الأسد تباينت المواقف وردود الأفعال فقد تابعت علي الفضائيات »إياها« خروج تظاهرات معارضة في عدد من المدن السورية ضد النظام واحتجاجات غاضبة رافضة للخطاب في دمشق وحمص وحماة وإدلب، ووقعت اشتباكات بمحافظة »دير الزور« بين موالين للرئيس ومحتجين! في حين علي شاشة التليفزيون العربي السوري »الرسمي« رأيت الآلاف من السوريين المؤيدين للرئيس ويتقدم هذه المظاهرات الحاشدة جموع من قيادات وكوادر حزب البعث الحاكم، وقد رفعوا الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد، وسمعت عبر النشرة الإخبارية (الساعة الثانية عشرة والنصف مساء بتوقيت القاهرة) الهتافات المدوية بحياة الرئيس.. فأيهما نصدق ياسيادة الوزير: هذه الفضائيات.. أم التليفزيون العربي السوري؟! ثم لنأت إلي قضية أخري هامة: مامعني أن يحتشد هذا الكم الكبير (11 ألف نازح سوري) إلي الحدود التركية، ويسعون للإقامة في هذه المرحلة بالذات بدولة أخري ليتم استيعابهم في مخيمات أقامها الهلال الأحمر التركي؟ أما القضية الأخري الأكثر خطورة فهي اللهجة الرسمية التي تصف كل أعمال الشغب والسلب والترهيب بأن أبطالها »مخربون« و»إرهابيون« و»شبيحة« أي باللهجة المصرية »بلطجية«، وأتعجب من ذلك تماما، وأسأل: هل الأجهزة الأمنية عاجزة عن رصد أسماء هؤلاء »الشبيحة«؟ لقد زرت سورية كما تعلم ياسيادة الوزير مرات عديدة، ولمست بنفسي مدي قبضة يد الأمن علي الشارع السوري تماما، عندكم لا يستطيع أي تاجر أن يبيع سلعة بأكثر من ثمنها الحقيقي المعلن، ولا يجرؤ سائق تاكسي أن يطلب أكثر ما يعلنه »العداد« وليس عندكم مضاربات أو سوق سوداء للعملة بأكثر ما تعلن عنه البنوك الرسمية، وأشهد أن إيقاع الحياة اليومية يسير بانضباط كامل بسبب قوة أجهزة الأمن وبسط نفوذها علي أي موقع في سورية، وهذا في الحقيقة يحسب لكم.. وبعد كل ذلك أجد مسمي جديدا تتناوله وسائل الإعلام السورية وهو »الشبيحة«.. فأين كانوا طوال السنوات الماضية، وهل تعجز أجهزة المخابرات والأمن والمعروف لها بالمهارة من رصد كل هؤلاء؟! الصديق العزيز الدكتور عدنان محمود (وزير الإعلام السوري): أتمني أن أجد علي هذه التساؤلات الحائرة إجابات شافية منكم تعبر عن الحقيقة والواقع الصحيح لبلد أحبه كثيرا، فكل أمنياتي أن يعود الهدوء لربوع سورية الجميلة.. ولكم صادق تحياتي.