»12 عاما من العبودية».. قصة تروي السيرة الذاتية للفتي الأمريكي سولمون نورثورب، المولود عام 1808 في مينرفا الواقعة في مدينة إسيكس بولاية نيويورك، والمتوفي في تاريخ غير معلوم عام 1857.. كان الفتي مزارعًا، وعازف كمان، وولد حرًا لأب كان عبدًا ثم أُعتق، وفي عام 1841 تعرض سولمون لخديعة كبري، حيث أغواه تجار رقيق بأن قدموا له عرضًا للعمل عازفا، فسافر معهم إلي العاصمة واشنطن، وهناك خدّروه وباعوه لصاحب مزرعة في نيو أورليانز، بولاية لويزيانا، واحتُجز من قبل عدّة ملّاك، اشتروه الواحد من الآخر. في تلك الفترة، انقطعت أخباره عن عائلته وأصدقائه، وحاول أكثر من مرة الهرب، والاتصال بأسرته، لكن دون جدوي، إلي أن نال حريته في يناير عام 1853، وفي نفس السنة كتب مذكراته، التي حققت لقب best-seller في الولاياتالمتحدة، وفي عام 2013 نقل المخرج البريطاني ستيف ماكوين قصته إلي شاشات السينما، وجسّد دور البطولة، الممثل البريطاني أيضًا شيواتال إيجيوفور، ليحصل الفيلم علي جائزة الأوسكار عن جدارة واستحقاق. قصة سولمون نورثورب، تدرّس للطلبة الأمريكيين، مع التأكيد علي أن العبودية ألغيت عام 1865 باعتبارها شرًا لا يتفق مع روح ومبادئ إعلان الاستقلال الأمريكي، لكن فتاة واحدة يمكنها القول عكس ذلك، الفتاة الكاميرونية إيفيلين شومبو، التي أمضت من سن التاسعة وحتي السابعة عشرة من عمرها في أغلال العبودية، ليس في جنوب الولاياتالمتحدة كما حدث مع سولمون نورثورب ولكن في شمالها هذه المرة، ولم يحدث ذلك في القرن التاسع عشر، بل في القرن الحادي والعشرين. إيفيلين أحدث الناجين من عبودية العصر الحديث، التي مازال يعاني منها 35 مليونا و800 ألف شخص، علي سطح الكوكب، وهو نفس تعداد سكان كندا أو الجزائر، طبقًا لتقرير أصدرته منظمة Walk Free »»مشِ حرًا»، في السابع عشر من نوفمبر 2015، وهو ما يمكن نشره تحت عنوان »صدّق أو لا تصدّق». في سن التاسعة، عهدت والدة إيفيلين بابنتها لامرأة، كي تحصل علي تعليم جيد في الولاياتالمتحدة، ولكن واقع مدرّسة إيفيلين كان عبارة عن الحبس والعمل كخادمة في شقة لدي إحدي الأسر الأمريكية، التي اعتاد أفرادها ضربها، وإهانتها، لأنها لم تكن تتقن الأعمال المنزلية. في سن السابعة عشرة، تمكّنت إيفيلين من الهرب، حيث تجاوزت أسوار البيت، وعندما وجدت نفسها في الشارع، أطلقت ساقيها للريح، باتجاه كنيسة لمحت قبتها وصلبانها عن بُعد، فسلمتها الكنيسة بدورها لإحدي المنظمات الإنسانية غير الحكومية، حيث بدأت تتعرف علي الحياة الطبيعية للبشر. وبعد كل هذه السنوات من الغياب، عادت إيفيلين إلي المدرسة مرة أخري، ولاحقت صديقة أمها قضائيًا ليتم الحكم عليها ب 17 عامًا في السجن، ثم أرادت أن تري أسرتها مرة أخري، فالتحقت بوظيفتين في وقت واحد، كي تتمكن من دفع 2000 دولار، ثمنا لتذكرة الطائرة التي أقلتها لتري أمها في الكاميرون، وتمكنت إيفيلين أخيرًا من رؤيتها، وكان أول ما قالته لها بمجرد أن وقعت عيناها عليها: »كيف وثقتِ في تلك المرأة يا أمي، وعهدتِ بي إليها، بينما معرفتك بها لم تكن تتجاوز عدة أسابيع؟!». لم تتلق إيفيلين إجابة عن سؤالها، سوي دموع قهر ونحيب مكتوم من أمها، فعادت للولايات المتحدة مرة أخري لتمارس حياتها، وهي الآن في التاسعة والعشرين من عمرها، وأم لطفل عمره 22 شهرًا. وتقول إيفيلين إنها ما زالت تكافح للتخلص من آثار التجربة التي مرّت بها، وترتجف رعبًا حينما تتخيل أن ابنها يمكن أن يتعرض للخطف. مكافحة العبودية في العصر الحديث، هي المعركة التي تخوضها إيفيلين الآن، وفي هذا الإطار، ذهبت للعاصمة البريطانية لندن، لتتحدث عن تجربتها في مؤتمر، نظمته مؤسسة تومسون رويترز الخيرية. ظهرت إيفيلين بابتسامة مشرقة وضحكة مطمئنة، ولفتت كل الأنظار بجاذبيتها وطلاء أظافرها الأزرق بلون السماء، المتناسق مع قميص نيون شفاف، وفي كواليس المؤتمر، لم تكن إيفيلين تفارق أبدًا مارسيلا لويزا، فتاة كولومبية وقعت هي الأخري في فخ العبودية، بينما كانت تبحث عن وظيفة، حيث ذهبت إلي اليابان تحت إغراء المال، وهناك وجدت نفسها أسيرة لإحدي العصابات، التي أجبرتها علي العمل في الدعارة، قبل أن يتعاطف معها أحد الزبائن، ويساعدها علي الهرب. شيء واحد يتقاسمه الناجون من العبودية، ولا يمكن أن يفهمه الآخرون، تشرحه إيفيلين بقولها: »لقد بدأت أتعافي نفسيًا حينما التقيت بآخرين مروا بنفس التجربة». عدّة أوجه العبودية الحديثة لها عدة أوجه، منها عبودية الأطفال الذين فقدوا أسرهم وأجبروا علي العمل، والنساء المختطفات، أو اللائي يقعن في فخ الوظائف الوهمية، ثم يُجبرن علي ممارسة الدعارة، وكذلك العمال الذين يعملون في ظروف لا إنسانية، كما في دول: لاوس وبورما وتايلاند وبنجلادش، حيث يعملون في مصانع تصدير الملابس علي غرار مصنع رنا بلازا في العاصمة البنجالية دكار، الذي انهار عام 2013 مخلفًا 1200 قتيل. وكانت منظمة العفو الدولية أكدت أن قطاع البناء في قطر، مليء بانتهاكات حقوق العمال، خلال تقرير عن بناء ملاعب كأس العالم الذي تستضيفه الدوحة في 2022. وكشف التقرير، الذي نشر تحت عنوان »الجانب المظلم لهجرة العمال.. أضواء علي قطاع البناء في قطر»، النقاب، عما يتعرض له العمال الأجانب من انتهاكات، قال إنها تتم بشكل ممنهج وواسع النطاق، ما يجعل عملهم في بعض الحالات يماثل العمل بالسُخرة. وذكرت المنظمة الدولية أن أحد المديرين أشار إلي العمال لديه بأنهم »حيوانات»، وتعهدت السلطات القطرية بتوفير المناخ الملائم للعمال الذين سيعملون في تشييد ملاعب كأس العالم، لكنها لم تصدر أي تعليق بشأن هذا التقرير. واشتمل التقرير علي شهادات عمال من آسيا، ذكر فيها أحدهم، وهو من نيبال، أنهم يعملون 7 أيام أسبوعيا، لمدد تتجاوز ال 12 ساعة يوميًا، وفي درجات حرارة مرتفعة. وأضاف التقرير أن الانتهاكات بلغت في بعض الأحيان حدّ »العمالة القسرية»، مشيرا إلي أن بعض العمال تعرضوا للتهديد بدفع غرامات أو الترحيل، حال الاعتراض علي العمل، دون الحصول علي أجر في بعض الأحيان. وقال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، إنه »من غير المقبول علي الإطلاق، في بلد من أغني بلدان العالم، أن يتعرض هذا العدد الكبير من العمال الأجانب لاستغلال وحشي، وأن يُحرموا تقاضي أجورهم، وأن يُتركوا ليعانوا أشد المعاناة في تدبير أمور معيشتهم». وباء وطبقاً لتقرير نشرته منظمة Walk Free، فإن عدد الناس الذين يعيشون كالعبيد في قارتي أفريقيا وآسيا هو الأكبر في العالم، إذ جاءت الهندوالصين وباكستان ونيجيريا علي رأس القائمة، لكن روسيا أيضا مازالت بين الدول العشر الأولي، ويؤكد التقرير أنه ليست هناك قارة أو دولة في العالم خالية تماماً من »العبيد». وتعتبر نسبة العبودية في موريتانيا، من حيث عدد السكان، هي الأعلي في العالم، ويليها هايتي ثم باكستان. أما أشكال العبودية الحديثة وأساليب ممارستها فهي مختلفة ومتعددة، إذ يشير كيفن بيلز، الذي ساهم في كتابة تقرير »المؤشر العالمي للعبودية 2013»، في حوار مع صحيفة دي فيلت الألمانية إلي الاستغلال الجنسي في روسيا وتجارة البشر في جمهورية مولدافيا واستغلال عاملات البيوت في البرازيل والأعمال الشاقة في الصين والعبودية الوراثية في الهند، ويقول بيلز »ليس هناك حل واحد لكل أشكال العبودية ولكل حالاتها، إذ يجب دراسة كل شكل وفي كل بلد بشكل خاص». وجاء في التقرير أن هناك نحو عشرة آلاف وخمسمائة شخص يعيشون في ألمانيا في ظروف كالعبيد، ويشير بيلز إلي أنه من الصعب معرفة الرقم الحقيقي »لأن الأمر غالباً ما يتعلق بالجريمة المنظمة السرية»، واعتمدت Walk Freeتفي بحثها وإحصائياتها علي وسائل تقوم علي استقصاء المعلومات والأرقام من مصادرها مباشرة وتدوين الحالات المعروفة، وإذا كانت الأرقام التي أوردتها ليست دقيقة تماماً ولكنها جيدة بالنسبة لتقرير هو الأول من نوعه عبر العالم، ويشير بيلز إلي صعوبة الإحصاء الدقيق بقوله: »العبودية مثل الوباء، فإذا كنا سننتظر الأرقام الدقيقة، فإنه خلال ذلك سيموت ويعيش أناس في العبودية من دون أن يتلقوا مساعدة من أحد». وأعربت منظمة Terre des Hommes »أرض الإنسان» الفرنسية لحماية الطفولة، عن سعادتها بالتقرير، إذ أثنت باربارا كوبيرس، الخبيرة في حقوق الطفل، في حديث لها مع دي فيلت علي ما جاء في التقرير حول عبودية الأطفال لقولها »إنهم ينظرون إلي كل ما يمارسه الإنسان مكرهاً كعبودية، مثل زواج الأطفال مثلاً.. إننا نقيِّم ذلك بإيجابية كبيرة». وتجدر الإشارة إلي أن الأرقام التي أوردها »المؤشر العالمي للعبودية 2013» أكبر من المعتمدة لدي منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية.