تتكدس محاكم الأسرة بالعديد من دعاوي الطلاق، لكن ما يثير الدهشة هو ما كشفت عنه إحصائية لمحاكم الأسرة من أن التدخين وإدمان الخمور يعدان أحد الأسباب المباشرة وراء 17 ألف حالة طلاق، بالإضافة إلي أن نسبة كبيرة من هذه الحالات ترجع إلي الزوجات وليس الأزواج، حيث أكدت الإحصائية أن هناك 11 ألف حالة طلاق بسبب إدمان الزوجة للتدخين، في مقابل 6 آلاف حالة بسبب تدخين الأزواج. وسجلت إحصائيات محاكم الأسرة حقيقة مفادها أن الكيف لم يدمر الصحة فقط، لكن أصبح يهدد الاستقرار الأسري، كما أن السيدات أصبحن يغرقن في بحر التدخين والإدمان، ووضعت بعض حالات الطلاق ذلك في إطار هروب السيدات من الضغط الواقع عليهن، وبوجه عام جاءت الأرقام صادمة، فحسب الإحصائية تسببت الخلافات الزوجية بين الأزواج والزوجات بسبب الإدمان في 8500 دعوي طلاق، وجاءت نسبة إدمان الزوجات في تلك الدعاوي 5 آلاف دعوي والأزواج 3500 دعوي، كما احتلت نسبة الطلاق والخلع من تلك الدعاوي 55%، و25% لدعاوي النشوز والطاعة، والحضانة 10%. أما عن الخمور فأوضحت الإحصائيات أنها سبب قوي في بعض المشاحنات التي نشبت بين الأزواج والزوجات وتمثل ذلك في 12 ألف دعوي، احتل فيها الأزواج المدمنون علي شرب الخمور 7 آلاف دعوي، مقابل 5 آلاف دعوي خاصة بالزوجات المدمنات علي الخمور، وجاءت نسبة الطلاق والخلع جراء ذلك 25%، والنشوز والطاعة 10%، وحق الرؤية20%، وأكدت الإحصائيات أن التدخين أصبح عاملاً أساسياً في زيادة نسب الطلاق والخلع، حيث إن فترة الزواج في الطلاق المبكر تراوحت ما بين 3 إلي 12 شهراً. وبالنظر إلي معظم حالات الطلاق التي جاءت قصصها بمحاكم الأسرة نجد أن الزوج المدمن أو المدخن هو البطل في الكثير منها، حيث تلجأ السيدات إلي الطلاق بعد فشل محاولاتهن في إصلاح الأزواج، خاصة إذا كان الزوج مدمنا علي شيء مما يبدد نفقات الأسرة، فواحدة من تلك القصص كان زوجها يدمن علي تعاطي الحبوب المخدرة، وظلت علي هذا الوضع حتي أنجبت طفلين، وبدأ حال الزوج في التدهور حتي فقد عمله، وأصبحت هي المكلفة بالعمل والإنفاق علي أطفالها وعليه أيضاً، ما اضطرها إلي التخلص منه ومن حمله الزائد برفع قضية طلاق بعد عجزها عن التخلص منه بالطرق الودية. وفي قصة أخري تخلت إحداهن عن زواجها مستعينة برفع قضية خلع ضد زوجها الذي لم يتخل عن إدمانه ومداومته علي التدخين، علي الرغم من وعوده السابقة لها بذلك، ما اضطرها إلي تركه بعد عدة محاولات يائسة منها لمساعدته في الإقلاع عن التدخين دون جدوي، معللة ذلك بأن إدمان زوجها الدائم علي التدخين بشراهة جعلها تتأذي نفسياً وجسدياً. وقد يكون تدخين الأزواج للسجائر أمرا معتادا بعض الشيء، لكن الإحصائيات كشفت عن حالات طلاق بسبب إقبال الزوجات علي التدخين، وإدمان بعضهن للخمور، وفي محاولة لفهم الأسباب التي قد تدفع النساء إلي التدخين وشرب الخمر، استطلعنا آراء بعض السيدات، حيث تقول انتصار أحمد (موظفة) إن هذه النسب تبدو غريبة بعض الشيء، خاصة أننا في مجتمع مازال يحتفظ بطابعه الشرقي المحافظ، لكن يمكن أن تكون هذه النسب نتاج لبعض الزيجات الحديثة، وذلك لتطبع بعض الشباب بالأفكار الغربية، ونسبة كبيرة منهم وخاصة الفتيات قبل الشباب يفكرون أن التدخين نوع من التحضر و»الروشنة» علي حد تعبيرهم، لكن ما إن يتم الزواج يحدث الصدام بين أفكارهم الغربية والفكر الشرقي الذي يظل يلح علي الرجل بأنه لا يجوز للمدام أن تكون مدخنة. توافقها الرأي سحر عبد الله (مُعلمة) قائلة: تدخين السجائر والشيشة أصبح أمراً يعتاده الكثير من الناس علي أنه موضة لابد من اتباعها، وهو ما تثبته الصورة التي نراها يومياً في الكافيهات، فمعظم الفتيات يجلسن بمنتهي الجرأة يدخنّ الشيشة وهو أمر صادم للغاية، فالفتاة ذات يوم ستصبح مسئولة عن أسرة وأطفال، وبالطبع يمكن أن يكون التدخين موضع خلاف مع زوجها في المستقبل. أما هالة حسام (ربة منزل) فتري أن معظم الزوجات يقع علي عاتقهن الكثير من الضغوط اليومية ما بين طلبات الزوج والأبناء ومتطلبات المنزل، فيعتقد البعض أن التدخين هو المتنفس الوحيد لهذه الضغوط، لكن نسبة قليلة من الزوجات تميل إلي هذه العادة، خاصة أن الزوجة قد تكون ملازمة لأطفالها معظم الوقت ما يدفعها إلي عدم التدخين في وجودهم، علي عكس الأزواج الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل وعلي المقاهي، علي حد قولها. من جانبها، تقول شادية القناوي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الأسرة دائماً في حاجة إلي الاستقرار، وهذا الاستقرار ربما يتأثر سلباً ليس بسبب التدخين ولكن بالنتائج المترتبة عليه، موضحة ل»آخرساعة» أن نسب الطلاق بسبب التدخين تعد مرتفعة جداً في حين يجب المحافظة علي كيان الأسرة، فالتدخين له آثار سلبية يعلمها الجميع بداية من أضراره الصحية إلي تأثيره المضر علي جميع المحيطين بالمدخن، لكن يجب أن يكون علي الجانب الآخر هناك احترام لكيان الأسرة وعدم إعطاء الفرصة لمثل هذه العادات الخاطئة أن تهدمها. وأشارت إلي أن معظم هذه الحالات تكون نتيجة لعدم الصراحة بين الطرفين، فأحيانا الزوج يدخن بدون علم الزوجة والعكس، ما يخلق المشاكل بينهما، كما أن كل طرف يحاول خلال فترة الخطوبة إخفاء عيوبه والعادات السيئة التي يمارسها عن الطرف الآخر، وقد يكون من ضمنها التدخين أو شرب الخمور أو غيرها مما يخلق إحساساً بخيبة أمل وصدمة عند علم الطرف الثاني وهو ما يفسر كثرة حالات الطلاق. تضيف: لابد من تنظيم دورات تدريبية للمقبلين علي الزواج حتي لا تقف مثل تلك المشكلات عائقاً أمامهم، والتأكيد علي قدسية الأسرة، لأنه غالباً في حالة الانفصال يكون الأبناء أكثر المتضررين، فالإحصائيات تدق ناقوس الخطر فكم من دعوي رؤية وحضانة جرّاء حالات الطلاق وهو ما يخلق أطفالا مشتتين نفسياً لديهم لا مبالاة بما يحدث حولهم مما يؤثر بالسلب علي المجتمع بأكمله. واستنكرت قناوي بعض الذين يتخذون من قضايا الخلع وسيلة لتدمير الحياة الزوجية، مشيرة إلي أن هناك من يلحق بعريضة الدعوي أي سبب للخلع وهو ما يجب الانتباه له، مؤكدة أن الخلع حق من حقوق المرأة لمن تعاني من الظلم أو استحالة إقامة الحياة الزوجية، لكنه ليس وسيلة لهدم وتشتيت الأسرة. في حين، يشير الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع، إلي أن مشكلة الإدمان موجودة بكثرة بالمجتمع، كما كنا نجدها سببا مباشرا سواء للسرقة أو وقوع الجرائم، والإحصائيات تكشف الآن أنها سبب في ضياع استقرار الأسرة وارتفاع نسب الطلاق، وإذا نظرنا في تلك المشكلة نجد أنها ربما أدت لهذه النسبة المرتفعة من الطلاق لأن التدخين أو الإدمان لديه عدة تأثيرات سلبية علي الأسرة فنجد علي سبيل المثال أنه يؤثر علي حجم إنفاق الأسرة، كما أنه يخلق جوا من المشاحنات بداخلها، بالإضافة إلي أنه يخلق جوا وصورة سلبية لدي الأطفال عن آبائهم. ينصح بالأخذ في الأهمية نشر الوعي بين الأزواج من خلال وسائل الإعلام المختلفة بأهمية البعد عن العادات السلبية التي تؤثر بدورها علي الاستقرار الأسري، والعمل من قبل المسئولين للقضاء علي الإدمان. يري هاشم بحري أستاذ علم النفس جامعة الأزهر أن الطبيعة الشخصية بالنسبة للسيدات تختلف عن الرجال وذلك فإن تحمل كل منهم للضغوط مختلف، وبذلك قد تلجأ بعض الزوجات إلي التدخين أو استسلامها للإدمان هروباً من الواقع مما يخلق خللا نفسيا للأسرة بأكملها وتأتي النهاية بالطلاق . في حين نجد أن هناك كثرة من السيدات يتأذين من التدخين وطبيعة الزوج المضطرب النفسية المدمن فتبدأ في الخوف منه علي نفسها وعلي أبنائها وتختلف ردود الفعل علي هذه المشكلات حيث إن طبيعة النفس البشرية تختلف من شخص لآخر فنجد من يجيد التعامل مع المشكلات وحلها، ونجد من يلجأ إلي أقصر الطرق، وقد يكون الطلاق هو الحل الأمثل في نظر البعض بعد استحالة استمرار الزواج في نظرهم . يضيف أنه لابد من التهيئة النفسية لكل من الزوجين قبل الزواج، والأخذ في الاعتبار أن أي عادة سلبية لدي أي من الطرفين الزوج أو الزوجة لابد من العمل علي الابتعاد عنها في مقابل استقرار الأسرة ، مشيراً إلي أن الإدمان أو التدخين ليس وحدهم الأسباب وراء حالات الطلاق ولكن يمكن أن يكون هناك أسباب أخري غير معلنة وراءهم وهو ما يفسر الأرقام الكبيرة المعلنة لحالات الطلاق بسبب التدخين وإدمان الخمور .