لم يعد بمستغرب ارتفاع نسب الطلاق فى المجتمع المصرى، وكأن الأمر صار تقليدًا اجتماعيًا اعتاد عليه المصريون ولم يعد يثير لديهم أدنى اهتمام. فبحسب إحصائيات مركز معلومات مجلس الوزراء المصرى، تتردد نحو مليون حالة طلاق سنويًا على محاكم الأسرة وتقع 240 حالة طلاق يوميًا بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالى عدد حالات الخلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة على عام 2014، ما جعل مصر تحتل مرتبة متقدمة عالميًا فى نسب الطلاق، بعد أن ارتفعت من 7 إلى 40 بالمئة خلال الخمسين عامًا الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين مطلقة. وتراوحت سنوات الزواج فى الطلاق المبكر بين الزوجين بسبب تمسك كل منهما بما يفعل ورفض التنازل لأجل الطرف الآخر وإكمال الحياة الزوجية، ما بين 3 و12 شهراً، بينما تراوحت السنوات الطويلة قبل الانفصال بين 7 و20 عاماً. الخيانة، سوء المعاملة، البخل، الزواج الثانى، الإهمال، تأخر الإنجاب، البرود الجنسى. كلها أسباب تقليدية ومعروفة لدينا، إلا أن هناك من الأسباب الدافعة للطلاق ما هو أكثر لفتًا للفضول، على غرابة بعضها وبعده عما درج عليه مجتمعنا. وربما كان الإدمان أحد تلك الأسباب، فإدمان أحد الزوجين للتدخين أو المخدرات بأنواعها، يعد دافعًا قويًا للطرف الآخر إلى طلب الانفصال. وقد أظهرت الإحصائيات الصادرة عن محاكم الأسرة فى مصر، خلال النصف الأول من العام 2016، أن دعاوى الطلاق والخلع والنشوز بسبب الإدمان وتناول الخمور والجلوس باستمرار فى المقاهى بلغت 37500 حالة. لكن المثير فى الأمر أن النساء يستحوذن على النسبة الأكبر فى عدد حالات الإدمان وتعاطى المواد المخدرة وهجرة المنزل لساعات طويلة للاستمتاع بتدخين الشيشة فى المقاهى برفقة أصدقائهن. فهناك نسبة كبيرة من عدد حالات طلب الزوج الانفصال عن زوجته، حيث أقام 11 ألف رجل دعاوى قضائية أمام محاكم الأسرة لطلب الطلاق، بسبب تدخين زوجاتهم، بينما وصلت الدعاوى النسائية أمام القضاء إلى 6 آلاف بسبب خلافاتهن مع أزواجهن لرفضهم الإقلاع عن التدخين. بينما وصل عدد الدعاوى بسبب الإدمان إلى 8500 دعوى، كانت نسبة إدمان الزوجات منها 5 آلاف دعوى والأزواج 3500 دعوى، فيما كانت معاقرة الخمور سببًا فى المشكلات الأسرية، وتمثل ذلك فى 12 ألف دعوى، حصد الرجال المدمنون على شرب الخمور 7 آلاف منها وال5 آلاف دعوى المتبقية كان فيها إدمان السيدات على الخمور هو السبب. وربما كان سوء المعاملة الزوجية هو ما يدفع بأحد الزوجين أحيانًا إلى طريق الإدمان هربًا من واقع مؤلم يحياه وندم يسيطر عليه لسوء اختيار شريك الحياة، ومن ثم تصبح المخدرات بمثابة المتنفس الوحيد لإسعاد نفسه بنسيان الواقع. «60% من الدخل القومى المصرى ينفق على الإدمان، لكن حجمه وعلاقته بالطلاق ليست بالضرورة حقيقية». هكذا ابتدرنى د. سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية. فهو يرى مبالغة شديدة فى تلك الأرقام خاصة فيما يتعلق بنسبة إدمان الزوجات، ويؤكد ان معظم ما يقام من دعاوى قضائية بزعم إدمانهن إنما هو من ألاعيب المحامين بغرض الضغط عليها نفسيًا والتهديد بالتشهير بسمعتها مما يضطرها للتنازل عن حقوقها المادية فى سبيل عدم الاستمرار فى تلك الدعوى. إلا أن الجرم الأعظم والأول والذى يلتصق بالمرأة فهو كونها قد تتاجر فى المخدرات وهى رغم ذلك أيضًا تكون مجبرة إما من أسرتها التى تمتهن الاتجار أو أبيها أو زوجها. أما فيما يتعلق بإدمان التدخين فيستطرد د. سعيد فى دفاعه عن المرأة قائلًا إن المرأة المدخنة تمثل 5% فقط من النساء ومعظمهن يتخذن من التدخين وسيلة لمجاراة الموضة وإضفاء نوع من الجاذبية والغموض على شخصيتها، وهن بذلك يقلعن عن التدخين بعد فترة. ويؤكد «د. سعيد» أن الإدمان من أحد الزوجين فى حد ذاته ليس سببًا للطلاق بل نتائج ذلك الإدمان هى الدافع الأساسى للانفصال، فالمدمن الذى يحوله إدمانه لشخص شرس يهين زوجته وأولاده وكثيرًا ما يتحول لسارق أو مختلس وربما قاتل مما يهدد أسرته وينعكس على الزوجة والأبناء بالسلب ويحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، كل ذلك هو ما يدفع الزوجة لاتخاذ قرارها بالانفصال. فيما ترى د. منال عاشور، أستاذ علم النفس بجامعة حلوان، أن المرأة التى تلجأ للإدمان أو التدخين إنما يكون ذلك نتيجة لمشاكل عديدة عجزت عن حلها مما جعلها تقع فريسة لضغوط نفسية ساعدها فى تفاقمها ضعف شخصيتها واستعدادها النفسى لاتخاذ الإدمان وسيلة للهروب من واقع مؤلم تحياه. مؤكدة دور الزوج عندئذ فى الوقوف إلى جانب زوجته ومساعدتها على تخطى تلك الأزمة والعلاج لا أن يسارع برفع دعوى ضدها ومساومتها على التنازل عن حقوقها، وهو ما يتطلب وجود الحب بين الزوجين حتى يتمكن أحدهما سواء كان الزوج أو الزوجة على مساعدة شريك حياته على تخطى تلك الأزمة. وعلى عكس د. سعيد، فإن د. منال ترى واقعية تلك الإحصائيات وإمكانية تحقق أرقام تلك الدعاوى بالفعل، حيث إن عدد الإناث فى المجتمع يتخطى 46% من عدد. السكان، إذن فهى نسبة ليست بالضئيلة ومن المنطقى جدًا أن تقع الكثيرات منهن تحت نير الإدمان والتدخين. وعن تأثير إدمان أحد الزوجين على الأبناء، ترى د. منال، أن الأمر جد خطير وتداعياته على الأبناء قد تعرضهم للتدمير النفسى على أقل تقدير، فإن اهتزاز نموذج الأم والأب وهما القدوة والمثل قد ينتج عنه مشاكل نفسية لدى الأبناء تستمر معهم إلى أن يكبروا، وفى بعض الحالات قد تتشرد الأسرة بأكملها ويصبح الأولاد عرضة للضياع.