رحل عن دنيانا المفكر الفيلسوف الدكتور فؤاد زكريا الذي قدم للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الهامة التي تعتبر علامة طريق في حياتنا الثقافية. ولن أنسي ماحبيت محاضراته لنافي فلسفة الأخلاق، وكيف كنت أنتظره بعد انتهاء محاضراته لأسأله عن النظريات النقدية، وكان يجيبني غير متبرم بأني أسأله في الأدب لا في الفلسفة. وقد كانت مؤلفاته من العمق والفائدة مايجعلها باقية بقاء الفكر.. ومن مؤلفاته تلك.. آراء نقدية في مشكلة الفكر والثقافة، اسبينوزا، نيتشه، مع الموسيقي، الإنسان والحضارة في العصر الصناعي، عبد الناصر واليسار المصري، خطاب إلي العقل العربي، وغير ذلك من المؤلفات، بجانب ترجماته وآخرها ترجمته لكتاب حكمة الغرب الذي يتحدث عن الفلسفة الحديثة والمعاصرة ومن تأليف الفيلسوف الشهير برتراند راسل، وفيه يقدم الدكتور فؤاد زكريا دراسة رائعة عن هذا الكتاب وعن مؤلفه، ويري أن راسل لم يكن فيلسوفا من أولئك الذين يقضون حياتهم متأملين في عزلة باردة في قمة برجهم العاجي، بل كان فيلسوفا يحمل موقفا اجتماعيا عظيما مساندا للسلام العالمي، وقد ظل يدافع عن موقفه هذا ويضحي من أجله طوال حياته. وكان الدكتور فؤاد زكريا هو الآخر لايعيش في برج عاج بعيدا عن الأحداث، بل ظل طوال حياته يشارك بفاعلية في الشأن العام، موضحا وجهة نظره حول مايجري من أحداث في وطنه ووطنه العربي.. يقول مايعتقد أنه الحق.. والحقيقة وحدها هو ماينشده. وكان الدكتور فؤاد زكريا بجانب دراساته وأبحاثه الفلسفية له شغف بالموسيقي، وقد قرأت له كتابا رائعا عن (ريتشارد فاجنر) الموسيقار الألماني الشهير، حيث ألقي الضوء علي حياته ورؤاه السياسية والفنية.. والذين أيدوه والذين عارضوه، إلا أن أعماله الفنية من وجهة النظر الموسيقية الخالصة، تقف شامخة لاتتأثر إلا بشخصية مبدعها الجبارة، بحيث لايكاد المرء يشعر إذا استمع إلي النغم الرائع الذي تكونه مؤلفاته من البداية إلي النهاية بما كان يدور من وراء النغم من البداية إلي النهاية يدور من أحداث هائلة وتقلبات عنيفة في نفس صاحبه أو في المجتمع الذي عاش فيه وإلي هذا العنصر ترجع عظمة فاجنر.