في ميادين مصر وشوارعها قامت ثورة " تريد إسقاط النظام " فسمع العالم صوت المصريين عندما يغضبون. كنت في ميدان التحرير مثل غيري من الآلاف والملايين في هذه الثورة ولاأدعي أني من صناعها أو ممن ساهموا في أحداثها أومنعطفاتها الخطيرة ولكني جئت لهذا المكان بفضل من الله ثم بسبب ثورة 25يناير لشباب وشعب مصر. وأهم ماصنعته هذه الثورة أن المواطن المصري أصبح له صوت يرفعه في وجه الظلم دون خوف، وصوت يضعه في صندوق الاقتراع دون أن يتكفل الآخرون بالتصويت نيابة عنه زورا وبهتانا وأصبح يعرف الطريق رغم وعورته لنيل حقوقه ولن ينجح أحد في إسكاته مرة أخري. لم أكن يوما عضوا في الحزب الوطني ولا من كوادره أو في لجنة أوجنة السياسات ولا كتبت يوما كلمة في صالح النظام الذي عاصرت بداياته كشاب في العشرينيات ويغادرنا الآن وأنا في خمسينيات العمر!! جيل بأكمله دفع الثمن لكنه ربي جيل الأبناء الذين فجروا الثورة وقادوها بجرأة وشجاعة لم يمتلكها الكثيرون منا حتي أطاحت برأس النظام وستمضي لإكمال المهمة بنفس الروح بمساندة الشعب. اختفت في ذلك العهد الكفاءات وتوارت في كل المجالات وحل مكانها الرضا السامي من القصر والولاء للحزب وعدم وجود أي شائبة أمنية وبقدر القرب أو البعد من هذه الدوائر تحددت مكانة ودرجات الناس وتغوّل الأمن في كل مفاصل الحياة وأصبح الجميع تحت رقابة الأعين الساهرة علي حماية النظام »صوتاً وصورة« وزاد الفساد علوا في الأرض بالزواج الكاثوليكي بين السلطة والثروة فأصبح البلد كله بين قوسين (أن تملك كل شيء أو لاتملك شيئا) أن تعيش منعما آمنا في قصور ومنتجعات أو تصبح معدما محاصرا بكل مشاكل الحياة وتعيش في عشوائيتك التي أجبرت عليها !! لكن الأمل يعود أن تصبح كلمة المواطن مرادفة لكلمات العزة والكرامة والاحترام وأن يكون إنسانا كرمه الله عن باقي مخلوقاته لايخاف في الحق لومة لائم ويقول كلمته في وجه سلطان جائر ولايخشي إلا الله سبحانه وتعالي، المواطنة ليست عند حدودها الطائفية الضيقة لكنها شعور المواطن أنه يملك حريته وقراره في أن يعيش علي أرض الوطن آمنا وبكرامة وتحترم حقوقه ولاتسلب منه بقوانين ترزية التشريعات أو بسطوة البطش الأمني. وعندما يتحقق للمواطن هذه الحرية فإنه سيحمل درجة عليا في الإنسانية تجعله لايفضل مرتبة أخري عليها وسأفخر ساعتها وحتي دون بلوغها بأن أحمل درجة مواطن مصري بكل الاعتزاز. و" آخرساعة" التي أفتخر بالعمل بها منذ 35 عاما عاصرت خلالها سبعة رؤساء تحرير- رحل اثنان منهم عن الحياة - احتفلت منذ عامين بيوبيلها الماسي ( 75 عاما) من أقدم المجلات المصرية بعد "المصور" التي سبقتها بعشر سنوات 1924) )مرت بمثل مامرت به الصحافة المصرية من صعود وهبوط في ظل الأنظمة الحاكمة بعد قرار تأميمها عام 1960 فصارت معبرة عن النظام بهامش حريات متواضع أيام عبد الناصر اتسع قليلا في عهد السادات ومبارك وسرعان ماضاق بصورة كبيرة وانتهت إلي صحافة معبرة عن الحزب الوطني ثم لدائرة أضيق عن لجنة السياسات في السنوات القليلة الماضية وتراجع شديد في معدل توزيعها وثقة القراء بها خاصة بعد انتشار الصحف الخاصة والحزبية التي سحبت البساط من تحت أقدامها وسدد انتشار الإنترنت والفضائيات ضربة موجعة لها لكن الدعم الحكومي والتغاضي عن ديونها جعل هذه الصحف تقف علي أقدامها حتي الآن . " آخرساعة " تبدأ صفحة جديدة مع قرائها علي أمل أن تستعيد ثقتهم في أن تكون لسان حال الشعب الذي يملكها مع غيرها من الصحف القومية وليس لأحد في سلطة أو حزب. الوطن يمر بمرحلة صعبة ولابد أن تتكاتف كل القوي الوطنية المخلصة لمواجهة أعداء الثورة من أجل العبور من عنق الزجاجة إلي مصر جديدة يستعيد فيها المواطن حريته وكرامته وتعود هي "تاج العلاء في مفرق الشرق".