أجمل مافي الثورة أنها تفجر فينا القوة فنكسر حاجز خوفنا والأهم أننا نصبح أكثر وعيا وقدرة علي كشف زيف الكاذب والمتواطئ والمنافق والخادم لكل صاحب سلطان . هو وأقرانه أحد هؤلاء .أمام الباب المنيع وقف . كلماته الذليلة جاءت متناقضة مع الرعب الذي ارتبط بالجهاز الذي يعمل فيه . ليرسخ بخوفه الجبان نهاية عهد القهر ويفتح الأمل لنا لنحلم بعهد جديد . تدفعنا كلماته للتوقف تدهشنا نبراتها المختلفة وملامحه التي اختفت منها تلك الشراسة لتحل محلها ملامح خنوع واستعطاف وطلب الرحمة ترجمتها كلماته المتلعثمة المقهورة "إحنا ملناش دعوة بحاجة . إحنا بنفذ أوامرهم ومش حقنا نعترض أونخالف . إحنا مجرد خدامين لمباحث أمن الدولة ". خرجت الكلمات الذليلة بينما يستعطف صاحبها المتظاهرين الذين اقتحموا مقرات أمن الدولة بعدما تسربت رائحة الدخان الواشي بجريمتهم. في محاولتهم الأخيرة وغير البريئة والمتعمدة لإنقاذ مايمكن إنقاذه ومحو ملفات الخزي التي تدين نظاما فاسدا نهب ثروات شعب وتركوه فقيرا لايجد الملايين منه قوت يومهم بينما يكنز حفنة قليلة من الوجهاء المليارات . منظومة فساد شارك فيها الكثيرون ممن ائتمنهم الشعب علي مصالحه فلم يعملوا سوي لكل ما يخدم مصالحهم . وكان لابد للفاسد من يد تبطش وتقهر وتردع من يحاول فضح الجرائم . وكان لابد لهذه اليد أيضا أن تتستروتخفي ولامانع أن ينوبها من المليارات المنهوبة جانب . فكما كان للنظام رجاله كانت له أيضا دروعه التي تحميه وتغطي علي فساده . وكان جهاز أمن الدولة أحد أقذر أدواته للسيطرة والهيمنة ووأد أصوات المعارضة والبطش بأصحاب الرأي المخالف ومحوهم من الوجود إذا لزم الأمربدفنهم في قبورسرية ليختفي أثرهم ويختفي معهم شواهد وأدلة تدين الجهاز الفاسد الذي يحمي نظاما أكثر فسادا . كان الكل يعلم بما وصل إليه الجهاز من تحكم واستقواء لكن أحدا لم يستطع مساءلة القائمين عليه ولامحاسبتهم . بعدما أصبحت لهم الكلمة العليا واليد الطولي في كل أمور حياتنا . هم أصحاب الرأي في تعيين عمداء الكليات وأساتذة الجامعات وقادة الرأي والإعلام ورؤساء تحرير الصحف ومقدمي البرامج فضلا عن رؤساء البنوك والشركات والنقابات ومجالس الأحياء . تحكموا في كل تفاصيل حياتنا ووضعونا تحت رقابتهم . زرعوا عيونهم في كل مكان وجندوا من الخدم الكثير ليكونوا عونا لهم . خدم علي كل شكل ومهنة ومركز . بعضهم ضعيف مجرد عصا أمنية لهم . تضرب المتظاهرين وتسحلهم وتنتهك آدميتهم . كثيرا ماكنا نلمحهم في المظاهرات بوجوههم الغليظة وقلوبهم الميتة . ومع ذلك كانت تأخذنا الشفقة عليهم لأننا نعرف أن لاحول ولاقوة لهم . هم مجرد أدوات جامدة لاتعرف التفكير ولاالتمييز من كثرة ما تعرضت له من عمليات غسيل مخ يجعلها تندفع بدون وعي لتنفذ الأوامر . وإن كانت تعكس أيضا بوحشيتها المفرطة نوعا من الانتقام ومحاولة لتفريغ شحنة القهر والسادية التي مارسها قادتها عليهم . يتعرضون للضرب بالكرباج والتعذيب وامتهان الكرامة يعاملهم ضباط الجهاز علي أنهم مجرد خدم كما اعترف أحدهم . ينفذون أوامر لايفهمون الهدف منها ولايهمهم أن يفهموا. أبرياء هم أم مذنبون. جناة هم أم ضحايا . لانستطيع مهما اختلفنا حولهم سوي التعاطف معهم . تأخذنا الشفقة عليهم بعدما حولهم قادتهم إلي أشباه آدمية لاعقل لها ولاقلب أيضا . يدفعنا حالهم هذا لالتماس العذر لما وصلوا إلي إليه . لكننا لانستطيع أن نفعل ذلك مع نوعية أخري من الخدم . هم أيضا مجرد أداة وعصا ووسيلة لكنهم أكثر وعيا وإدراكا وقدرة علي الاختيار والتمييز . لكنهم آثروا اختيار طريق العار مقابل منصب زائل وأموال ملعونة حصلوا عليها مقابل تقارير احترفوا كتابتها ضد زملائهم ورؤسائهم . تحولت آذانهم لأجهزة رادار وعيونهم لأجهزة رصد تسجل بالصوت والصورة كل مايدور حولهم لينقل بكل دقة إلي أسيادهم في الجهاز الأمني المشبوه . وعليه يتحرك قادته لمحاسبة كل رأي مخالف إما بالإقصاء أو التقزيم وتحجيم دوره أوعزله أو حرمانه من حقوقه أو اعتقاله وإخفائه من الوجود إذا لزم الأمر. هذه النوعية من خدم الأمن أيضا لم تكن خافية علي أحد رغم محاولات الاستذكاء والتخفي. لكنها لم تفلح أبدا في حجب أعمالهم القذرة . كان الجميع يعرفهم من نظرات عيونهم الذليلة رغم محاولات أصحابها إظهار القوة المزيفة المختفية وراء وجاهة المنصب والجاه .نعرفهم من رائحة نفوسهم العطنة التي لاتجدي معها أغلي العطور الباريسية ولاتستطيع إخفاءها . ونعرفهم أيضا من ضعفهم ومواقفهم المهترئة التي لاتفلح ملابسهم الفخمة في سترهاوحجب عورتها .كما لاتفلح سياراتهم الفارهة في محو آثار الدنس العالق بأقدامهم . سقطوا جميعا حتي وإن لم يعترفوا بذلك . حتي وإن لم نسمع أصواتهم تردد بكلمات صريحة ماقاله زميلهم المقهور خادم الأمن الذليل. ويكفينا فقط أن يعرفوا أننا نعرفهم ونعرف أن دورهم انتهي وأن لامكان لهم في زمن جديد أكثر طهرا ونظافة . ولامكان فيه للفاسد والمفسد والمأجور. فلا عزاء »لخدامين« الأمن ولهم منا فائق الاحتقار . آن الأوان أن نعري وجوههم القبيحة ونفضح مواقفهم المزيفة . أن نقول لا قوية أمام أي محاولة لعودة الجهاز المشبوه وأركانه وخدمه . وندعم بنعم قوية كل يد تنصف وتصلح وتعيد كرامة المعذبين وكبرياءهم المجروح . آن الأوان أن يختفي هؤلاء الخدم من حياتنا وأن يبتعدوا عن الصورة . فالصورة الآن كما قال عمنا صلاح جاهين : »مفيهاش إلا الثوري الكامل المصري العربي الإنسان« .