الضحك احتياج إنساني، يتصاعد في أوقات الخوف والاضطراب والتوتر، وبنظرة علي خريطة الكوميديا بمصر مثلا، ستجد أن ظهور مسرح الريحاني جاء في الفترة بين نهاية الحرب العالمية الأولي وبداية الثانية، وهي نفس الفترة التي شهدت بزوغ نجم شارلي شابلن في السينما العالمية، وكان ظهور عادل إمام في أعقاب نكسة يونيه بالمسرح ثم السينما ثم ازداد تألقه وتدعيم مكانته في السبعينيات من القرن العشرين »زوجتي اليونانية« فيلم كوميدي بسيط يتصدر شباك التذاكر في أمريكا ولاشك أن السينما المصرية تعاني من قلة وندرة الأفلام الكوميدية، ونقصد الأفلام التي ينطبق عليها وصف الفيلم، وليست تلك الاسكتشات المفتعلة التي تعتمد علي التهريج والشقلبة كما يفعل مهرجو السيرك، ويبدو أن منتجي السينما اكتشفوا مؤخرا أن كلا من محمد سعد ومحمد هنيدي قد احترقا، وأن أحمد مكي استنفد مرات رسوبه، فجري البحث عن وجه جديد يصلح لبطولة أفلام الكوميديا، وقد وجدوا ضالتهم في علي ربيع، الذي بدأ يلفت النظر من خلال مشروع مسرح مصر مع أشرف عبد الباقي، وساهم المناخ العام في لفت الأنظار إلي قدرته علي التقليد، وفقرته المسرحية التي يسخر فيها من حسني مبارك أصبحت الأكثر انتشارا علي اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وربما كانت مواصفاته الشكلية تثير أو تلفت الاهتمام فهو طويل ونحيف، وضخم الملامح ويترك شعره المشعث دون أن يحاول أن يهذبه، فينضم إلي هؤلاء الذين يثيرون الضحك من خلال هيئتهم مضافة لنوعية الملابس،الغريبة والتشبه بأسلوب أبناء العشوائيات، فهو يبدو في حالة توهان، وكأنه لايفيق من المخدر، مع بعض نظرات عدم الفهم أو ادعاء الغباء، باختصار هو تنويعة لاتختلف كثيرا عن اللمبي، وإن كان محمد سعد يتفوق طبعا في قدراته الحركية،وموهبته التي بددها بإصراره علي التدخل في تفاصيل كل عمل يقدمه سواء كان للسينما أو للتليفزيون،فكانت النتيجة الحتمية انصراف الناس عنه! الأعمال التي شارك فيها "علي ربيع" تشهد وتؤكد أنه لايمتلك غير ماقدمه فعلا، ولذلك لم يضف وجوده لمسلسل "لهفة" الذي لعبت بطولته دنيا سمير غانم، وتم عرضه في رمضان الماضي، أي جديد، بل كان أقل عناصر الضحك والبهجة في المسلسل، وفي مجال الارتجال مثلا، ممكن أن تلحظ الفارق الضخم جدا بين قدرة سمير غانم علي الارتجال وقد اقترب من الثمانين وربنا يمنحه المزيد من الصحة، وبين قدرة علي ربيع، وطبعا الثبات وعدم القدرة علي التنوع أو الدخول في إطار شخصية من أول مقومات انهيار أي فنان حتي لو كان يمتلك موهبة كبيرة فما بالك لو كان حظه قليلا منها! فيلم "حسن وبقلظ" ربما يكون أول اختبار لشعبية علي ربيع،لأن الجمهور هنا يدخل علي اسمه، بعكس فيلم" كابتن مصر" مثلا الذي كان يتصدر أفيشه اسم محمد عادل إمام وكان الشخصية المحورية ومركز الثقل، أما هنا فرغم أن المؤلف كريم فهمي وهو البطل الرومانسي، ولكن مهمة الضحك ملقاة علي عاتق علي ربيع، والفيلم الذي أخرجه وائل إحسان ولم يقدم من خلاله أي إبداع يذكر، مقتبس برداءة من فيلم STUCK ON ME الذي لعب بطولته من أكثر من عشر سنوات النجم الأمريكي مات ديمون بمشاركة كريج كينير والمطربة شير، وتدور قصته حول توءم ملتصق، يمران بمواقف حرجه تحد من انطلاق كل منهما لحياته دون أن يكون نصفه الآخر عائقا له، وخاصه عندما يريد أحدهما ان ينفرد بحبيبته، أو أن يمارس الآخر رياضة لايريد توءمه أن يمارسها، في أوقات النوم، والحركة ودخول الحمام وخلافه، وتصبح فكرة فصلهما جراحيا مسيطرة علي واحد منهما بينما الآخر يخشي تبعات الجراحة، التي تصل نسبه خطورتها لدرجه تحتم إعادة التفكير مرات، ولكن رغم ذلك يقدمان علي إجراء الجراحة، ويحدث رد فعل نفسي عنيف لمات ديمون الذي لايستطيع أن يتعايش مع وضعه الجديد، بينما ينطلق توءمه لحياة النجومية وينجح في مجال التمثيل ولكن بلحظة ما، يكتشف أنه فقد نصفه الذي كان يشكل له الحماية النفسية والجسدية أيضا، طبعا لا مانع من أن يلجأ الاقتباس إلي إضافة أو حذف ما يناسب المجتمع الموجه له الفيلم، ولكن كريم فهمي كاتب السيناريو لم يجد ما يضيفه من مواقف وتفاصيل للقصه الأصلية، فأراد أن يضع التاتش المصري، واختلق حكاية فتاة "يسرا اللوزي" تعيش في رعاية رجل غريب الأطوار "أحمد فؤاد سليم"، يقوم برعايتها وشقيقها المتخلف عقليا، ثم يتضح أن هذا الرجل مريض نفسيا وسيكوباتي سبق له قتل زوجته، ثم فجأه كده بعد أن كان طوال الفيلم يبدو طبيعيا، انقلب حاله قبل النهاية بربع ساعة، في محاولة بائسة في تسخين الأحداث وفكر في اغتصاب يسرا اللوزي وقتلها، وطبعا يقوم حسن "كريم فهمي " وبقلظ "علي ربيع" بتخليصها من براثنه والتصدي للعصابة،نعم عصابة فقد اكتشفنا فجأه أن أحمد فؤاد سليم يعمل ضمن عصابة لا نعرف تخصصها، وقبل هذا التصعيد المفاجئ كان السيناريو قد اختلق نوعا من التحدي بين التوءمين،وصراع وهمي حول حب نفس الفتاه! لقد ذهبت إلي فيلم حسن وبقلظ بنية البحث عن متعة وشوية مرح، ولكن لم أجد غير حالة هائلة من الافتعال، ولكن يبدو أن الفيلم حقق في أسبوعه الأول بعض الإيرادات، ولكن لا أعتقد أنه سوف يستمر في ذلك! كتابه فيلم كوميدي متماسك القوام من أصعب الأشياء، وسينما العالم تنتج أفلاما كوميدية متباينة الموضوعات تحمل قدرا من الطرافة والابتكار، وأعتقد أن أجمل أفلام الكوميديا هي التي تدور في إطار رومانسي أو اجتماعي، ومن هذه النوعية فيلم "عروستي اليونانية الضخمة " ME BIG FAT GREEK WEDDING2 وهو إنتاج أمريكي كندي، ومن بين منتجي الفيلم النجم الأمريكي الكبير توم هانكس، ويحقق الفيلم موقعا متقدما في شباك التذاكر، في شمال أمريكا، وبلغت ميزانيته 18 مليون دولار، وحقق ثلاثة أضعافها في الأسابيع الأولي، رغم أنه لايعتمد علي أي من الأسماء اللامعة المعروفة، والفيلم هو الجزء الثاني، من فيلم يحمل نفس الاسم تم إنتاجه 2004 وتدور أحداثه داخل عائلة يونانية مهاجرة، يعيش أفرادها ضمن شبه مستعمرة تضم مجموعة من العائلات الأمريكية التي تعيش في أمريكا، وتحافظ علي تقاليدها وعاداتها، ولاتسمح بزواج أي من أفرادها من خارج العائلة، ولكن يحدث في الجزء الأول أن تقع ابنة العائلة في حب شاب أمريكي، وتكون الطامة أن العائلة اليونانية، ترفض هذه العلاقة تماما وتسعي إلي عرقلتها، ولكن الحب ينتصر ويعد الشاب الأمريكي عميد العائلة أنه سوف يكون واحدا منهم وأنه سوف يحافظ علي التقاليد اليونانية وسوف يربي أولاده عليها، وفي الجزء الثاني الذي تدور أحداثه بعد أن أنجبت الابنة طفلة أصبحت في سن الشباب، ويسعي جدها المتعصب أن يبحث لها عن صديق يوناني، يصلح للزواج بعد أن تتم الفتاة دراستها الجامعية، ولكنه يجد صعوبة في ذلك، وتكون أزمة الفيلم، أن هذا كبير العائلة الجد الأكبر يكتشف أن عقد زواجه الذي مضي عليه أكثر من نصف قرن، لم يتم توثيقه وامضائه من القس، ويحاول أن يقنع أحد القساوسة بوضع امضائه علي عقد الزواج حتي يصبح رسميا وشرعيا ولكن القسيس يرفض وينصحه أن يعيد زواجه من زوجته مره أخري، وهنا تتذكر الزوجة أنه في المرة الأولي أي من نصف قرن لم يتصرف بلباقة ورومانسية عندما طلب منها الزواج، ولكن أخبرها أنه مهاجر إلي أمريكا فلو أرادت أن تصحبه فعليها أن تقبل الزواج منه، وتدور الأحداث في محاولة الجد أن يقنع زوجته بضرورة إجراء عقد زواج جديد، في الكنيسة ويمر بكل ماسبق أن مر به من إجراءات زواج وإعداد للزواج حسب التقاليد اليونانية،الفيلم مليء بالتفاصيل المضحكة بدون افتعال ولا استظراف وتنبعث الكوميديا من طرافة المواقف ومن الحوار الذكي وتنويعات الشخصيات المكملة للحدث، الفيلم من تأليف بطلة الفيلم نيافاردالوس، وجون لوربيت وإخراج الأمريكي كيرك جونز الذي حافظ علي تفاصيل الحياة داخل مستعمرة من العائلات اليونانية، وكأنه واحد منهم! صناعة فيلم كوميدي تحتاج إلي ذكاء وعناية بالتفاصيل وقدرة علي الإبداع والابتكار بدون افتعال، أما التهريج فمكانه السيرك الشعبي الذي يتواجد في الموالد أحياناَ.