تشهد أوساط قطاع التأمين الصحي حالة من الشد والجذب علي إثر الاحتجاجات الأخيرة لأطباء التأمين المطالبة بالمساواة مع نظرائهم من أطباء وزارة الصحة، حيث قام العديد من الأطباء والعاملين بقطاع التأمين بتنظيم وقفات احتجاجية علي مستوي المحافظات للمطالبة بضمهم للقانون 14 لعام 2014 الخاص بتنظيم شؤون أعضاء المهن الطبية. مطالبات أطباء التأمين الصحي تأتي في سياق معاملتهم أسوة بباقي القطاعات الطبية، ومن بينها مستشفيات وزارة الصحة والمديريات الصحية، حيث ينص القانون 14 لعام 2014، علي منح بدل المهن الطبية للأعضاء المخاطبين به، وتضمين حافز الطوارئ للأطباء البشريين داخل الكادر. وكانت نقابة الأطباء العامة دعت إلي تنظيم وقفة احتجاجية أمام "دار الحكمة" علي إثر أزمة أطباء التأمين الصحي، كما طالبت بلقاء رئيس الوزراء شريف إسماعيل، لطرح مشاكل أطباء التأمين الصحي للوصول إلي حل يضمن حقوقهم المشروعة. "آخرساعة" استعرضت حالات متعددة لمشاكل الأطباء داخل التأمين الصحي للوقوف علي أبعاد الأزمة من جميع جوانبها، حيث كانت البداية لدي الدكتورة عبور خيري سلام، الطبيبة بالتأمين الصحي بالأقصر التي انتقدت عدم المساواة في الأجور بين قطاع التأمين الصحي والقطاعات الطبية الأخري، فبعد عملها لمدة 14 عاما في مجال التأمين الصحي، لم يتعد راتبها 2800 جنيه شاملاَ الحوافز والإصلاحات. تتابع: لا يعقل أن يكون هناك تباين في المستوي المادي للأطباء لمجرد اختلاف مكان العمل وتقديم الخدمة الصحية، فطبيب التأمين الصحي في الدرجة الأولي أو الثانية يجد فارقا في قيمة الأجر عن نظيره بوزارة الصحة، رغم أنه يحمل ذات المؤهل ولديه نفس الدرجة المالية. وأشارت إلي أن التأمين الصحي يعاني ندرة في الأطباء نتيجة عدم توزيع تكليفات جديدة علي قطاعاته، فعيادات التأمين الشاملة في مدينة الأقصر التي تضم كافة التخصصات، تعتمد علي الأطباء المتعاقدين، أي الذين يتم التعاقد معهم من خارج قطاع التأمين بعد مواعيد العمل الرسمية، وليس علي الأطباء المعينين بالفعل داخل التأمين الصحي، لذلك يضطر المرضي والمنتفعون من الخدمة الصحية للانتظار لحين جلب أطباء من مستشفي الأقصر العام، وهذا بالطبع يمثل ضغطا كبيرا علي تقديم الخدمات التي تتعرض للتأخير والتعطيل. تضيف: التأمين الصحي أصبح قطاعا طاردا للأطباء نظراَ لعدم وجود حوافز أو مميزات مالية به، فالطبيب يجد أنه يعمل داخل قطاع التأمين بصورة فردية، ولا أحد يتحمل العبء معه، ما يترتب عليه تسرب الكثير من الأطباء من قطاع التأمين الصحي الذي يوجد لديه بالفعل نقص عددي ليبحثوا عن مستوي دخل أعلي من خلال التحاقهم بوزارة الصحة لكي يستطيعوا صرف الكادر الطبي. الدكتور محمد نبيل خريج دفعة 2004 ويعمل صيدلانياً بقطاع التأمين الصحي بإحدي محافظات الدلتا، أكد أن فارق الحوافز وبدل المهن الطبية الذي يحصل عليه زميله من نفس الدرجة المالية بوزارة الصحة بلغ 1300 جنيه، ما يقطع بالتمييز بين العاملين بوزارة الصحة علي أقرانهم من العاملين بهيئة التأمين الصحي رغم أن كليهما يؤدي ذات الخدمة الطبية. كما أشار إلي أن طلبات التجديد السنوي للأطباء المنتدبين لهيئة التأمين الصحي قد تقابل في بعض الأحيان بالرفض، مستدلا علي ذلك بحالة زميلته التي تعمل في القطاع الصيدلي بوزارة الصحة وتم انتدابها لهيئة التأمين بالدلتا، وعند التجديد السنوي لعقد العمل الخاص بها في الهيئة تم رفض طلبها، بدعوي تقليل النفقات رغم حاجة العمل إليها لقلة عدد الأطباء بالتأمين. في السياق أوضح الدكتور يحيي عبدالراضي مدير التموين الطبي بسوهاج أن مستويات التأمين الصحي كانت جيدة في السابق، وكان العديد من الأطباء العاملين في وزارة الصحة يأملون في انتدابهم بهيئة التأمين الصحي، لأنهم يتعاملون مع حالات مرضية متعددة قد لا يتعاملون معها في مستشفيات وزارة الصحة, علاوة علي وجود تجهيزات وإمكانات تتيح فرص للتعلم والممارسة الطبية بصورة أكبر، فكانت استفادتهم مزدوجة من الناحيتين، المادية والتعليمية، لكن الآن بات الطبيب أو الصيدلاني في التأمين الصحي يعمل بصورة مضاعفة وفي النهاية يجد أنه يتقاضي راتباً أقل، فما الذي سيحفزه علي البقاء! وبالتالي يعود مجدداً لوزارة الصحة عبر إلغاء انتدابه. من جانبه أكد الدكتور أيمن خضاري نقيب أطباء قنا أن مطالبات أطباء التأمين الصحي بالانضمام للقانون رقم 14 تأتي في إطار رؤيتهم للائحة الخاصة بمديريات الشئون الصحية داخل الكادر والتي من الممكن أن تسهم في تلبية مطالبهم، معتبراَ هذا الأمر حقا مشروعا لهم في أن يكونوا تابعين للمنظومة الطبية لوزارة الصحة. كما أشار إلي أنه في حال تطبيق القرار رقم 12 لسنة 2015 والذي يقضي بفرض ضريبة مبيعات علي السجائر لصالح مستشفيات التأمين الصحي سيكون النصيب الأكبر فيها لعلاج المرضي المنتفعين بالتأمين الصحي وليس زيادة مرتبات العاملين والأطباء فقط. يضيف: نأمل في الفترة القادمة أن يكون هناك زيادة في عدد أطباء التكليف في محافظة قنا كما وعدت وزارة الصحة سابقاَ، بحيث يكون هناك زيادة نوعية لبعض التخصصات الدقيقة مثل الأوعية الدموية وجراحات الأورام والمخ والأعصاب وكذلك القلب والصدر علي أساس تغطية كافة احتياجات المستشفيات بصورة عامة وليس فقط مستشفيات التأمين الصحي التي تعاني من نقص في التخصصات. أما الدكتور أحمد حمزة عبدالله نقيب أطباء الأقصر فأشار إلي أن النقابة نظمت ورش عمل متعددة بهدف توحيد الخدمة الصحية علي مستوي الجمهورية، مشدداَ علي أن مصر هي البلد الوحيد الذي تتعدد فيه الجهات التي تتبعها المؤسسات الطبية. يواصل: منذ توليت منصب نقيب أطباء الأقصر عام 2011 أطالب بكادر للأطباء عموماَ، فما حصلنا عليه حتي الآن هو قانون المهن الطبية رقم 14 لعام 2014 وهو لا يعبر عن الكادر الكامل الذي نطالب به، فبرغم أنه ساهم بتحسين أوضاع الأطباء عبر زيادة بدل المهن الطبية بمستشفيات وزارة الصحة، وكذلك تحسين بدل نوبات العمل، وتضمين حافز للطوارئ داخل الكادر، لكن يظل به بعض المشكلات ومن ضمنها استثناء الجهات التي لديها لائحات خاصة مثل التأمين الصحي فأصبحت خارج التغطية. ويوضح أن الأطباء الذين يعملون في مجال التأمين الصحي، ينقسمون إلي أطباء أساسيين معينين بالفعل في قطاع التأمين الصحي، بعضهم يقدم طلبات نقل إلي مستشفيات وزارة الصحة أو طلبات إجازة بدون مرتب لأنهم لايجدون مقابلا ماديا مثل الأطباء في وزارة الصحة، وهناك نوع آخر من الأطباء الذين يعملون بنظام الانتداب الصحي من وزارة الصحة لقطاع التأمين، ومعظمهم يتقدم بطلب للعودة مرة أخري إلي الوزارة، وهكذا تفقد مستشفيات التأمين ثلث أعداد الأطباء بها، وهناك نوع ثالث يعمل عبر التعاقد نظير جلسات التأمين أو الالتحاق بعيادة خارجية خلال فترة محددة. في حين يلفت الدكتور هشام عبدالحفيظ مدير فرع التأمين الصحي بالشرقية إلي وجود مشكلة تتمثل في قلة عدد الأطباء العاملين بالتأمين الصحي، ما يترتب عليه مضاعفة نوبات العمل علي كل طبيب، وفي ذات الوقت هناك فارق كبير ما بين أجور أطباء التأمين الصحي الذين يتقاضون حوالي 50% مما يتقاضاه نظراؤهم في نفس الدرجة بوزارة الصحة، فمتوسط أجر الطبيب حديث التخرج في التأمين الصحي حوالي 900 جنيه، وفي المقابل يتقاضي الطبيب الذي يعمل في وزارة الصحة حوالي 1900جنيه . كما أكد أن هيئة التأمين الصحي لا تتبع ميزانية الدولة ولاتخضع لقوانين الكادر الطبي أو الحد الأدني للأجور، وهنا يبرز عامل نقص التمويل لضعف ميزانيتها، فالأطباء والعاملون بالتأمين الصحي لاتشملهم مميزات القانون رقم 14 لسنة 2014 وهذا يرجع الي تبعية الهيئة إلي قانون الهيئات المستقل رقم 61 والذي يعود إلي فترة إنشاء قطاع التأمين الصحي عام 1964 من خلال القرار رقم 1209، ولذلك فالقرارات التي تأتي من وزارة الصحة لا تنطبق علي التأمين الصح، فلكي يتم سريانها علي هذا القطاع لابد لها من دعم تشريعي من وزارة المالية لكي يتم تنفيذها. يتابع: هناك مجهودات حثيثة من قبل رئيس هيئة التأمين الصحي الدكتور علي حجازي لزيادة موارد الهيئة عبر تعديل بعض القوانين الموجودة حالياَ، حيث تم إصدار قرار بالاسترشاد بقانون 14 وهو قانون المهن الطبية لرفع مستوي العاملين في التأمين الصحي، وتم خوض شوط كبير بالفعل في الحصول علي موافقات وزارة المالية ورئيس الوزراء ومجلس الدولة في هذا الصدد، وهو علي مكتب رئيس الجمهورية بانتظار الموافقة، وعند وصول التمويل إلي هيئة التأمين الصحي سيتم تطبيق مشروع قانون 14 لسنة 2014 علي مستوي كل العاملين بالهيئة وليس الأطباء فقط.