عرفت نادية لطفي لأول مرة كممثلة منذ بداياتها في أواخر الستينات حينما مثلت لأول مرة في فيلم »سلطان« مع فريد شوقي.. وانبهرت بجمالها.. جمال من النوع الصارخ كنجمات هوليوود.. شقراء.. رشيقة القد.. تتكلم بلكنة أجنبية وتنطق حرف القاف بالكاف، وقلت في نفسي إن شكلها سيحدد أدوارها.. فيمكن أن تؤدي الأدوار التي تحتاج إلي امرأة أجنبية وهو ماحدث في دورها »لويزا« في فيلم صلاح الدين، لكنها أثبتت مع الأيام أنها تستطيع أن تؤدي كل الأدوار الارستقراطية.. الضائعة.. العالمة.. بائعة الهوي.. وبنت البلد.. والجاسوسة. فمن ينسي »ماجي« بطلة النظارة السوداء »ماجي« التي استطاعت فيها أن تحقق المعادلة الصعبة بين الممثلة والنجمة.. و»ريري« في »السمان والخريف« و »شُهرت« في »قاع المدينة« و »زوبة العالمة« في »قصر الشوق« وأيضا »بديعة مصابني« و »لولا« في »الأخوة الأعداء« لا أستطيع أن أتخيل ممثلة أخري تؤدي هذه الأدوار سواها.
بدأت صداقتي بها منذ البداية.. واستمرت صداقتنا حتي الآن.. فقد بدأنا مراحل حياتنا العملية معا.. هي في السينما وأنا في الصحافة.. إنسانة عِشَرية جميلة.. صريحة جدا.. محبة ووفية لأصدقائها.. اسمها الحقيقي »پولا شفيق« لكنها أطلقت اسمها الفني »نادية لطفي« وهو اسم إحدي بطلات إحسان عبدالقدوس وربما تفاءلت بهذا الاسم الذي كان بداية نجاحها كبطلة.. وعرفت امكانياتها الغزيرة في أداء كل الأدوار.. استطاعت أن تغير رأينا فيها.. فإذا مثلت دور بائعة الهوي أو »العالمة« فهي تنسي تماما أنها نادية لطفي.
إن السينما لم تكشف نجومية نادية لطفي بقدر ما استطاعت أن تصنع هي هذه النجومية.. وتبحث لنفسها عن مكانة معينة وأن تطور صورتها علي الشاشة بذكاء وجرأة.. وتتخلي عن قناعها التقليدي.
جسدت نادية لطفي في »صلاح الدين« إخراج يوسف شاهين عام 1963 دور »لويزا« الفتاة الأوروبية التي تصاحب الحملات الصليببية وتقع في حب أحد الرجال الذي يكشف لها زيف الحملات الاستعمارية التي تتستر وراء الدين وتظل إلي جانبه بعد اعتداء المعتدين المقهورين.. ومن قبلها فيلم »الخطايا« الذي يعتبر من أحسن أفلام عبدالحليم حافظ. وفي »النظارة السوداء« لإحسان عبدالقدوس استطاعت أن تحقق المعادلة الصعبة في أن تكون نجمة و ممثلة في آن واحد. فهي بطلة جديدة علي السينما المصرية التي لم تكن تعرف سوي صورتين: الخير والشر.. نراها أحيانا تحب حياة المجون لكنها لم تكن المرأة المستهترة. بل تبحث عن طوق نجاة تجده في حبيب شاب يشعر نحوها بالالتزام. في هذه الفترة أيضا تخصصت نادية التي أثبتت وجودها كنجمة في أدوار بنات الهوي »والعالمة« والعاهرة.. انها لم تحترف الاغراء.. لكنها استطاعت أن تعبر عن الثراء الانساني في »قصر الشوق« في عالم نجيب محفوظ وازدواجية القيم التي تتمثل في مجتمع الطبقة المتوسطة تتمثل في شخصية سيد عبدالجواد المشهور بسي السيد.. لكنها تكتشف في النهاية أنها ضحية هذا المجتمع الذي صنع منها مادة للمتعة فقد كانت تحلم بالزواج والاستقرار وتكوين أسرة.. وتنجح حين تتزوج من ابنه ياسين. أما »ريري« العاهرة فتاة الليل.. في »السمان والخريف« لم تكن العاهرة التقليدية.. التي تلطخ وجهها بالاصباغ وتتحدث بصورة سوقية.. لكنها إنسانة لها أحلامها وأفراحها ومباهجها الصغيرة حين تصدق أن البطل »عيسي الدباغ« يحبها لكنها تستيقظ علي الواقع المرير. أما »شُهرت« في »قاع المدينة« قصة يوسف إدريس من إخراج حسام الدين مصطفي فهي المرأة الفقيرة التي تضطر للعمل كخادمة عند أحد القضاة الذي لايجد متنفسا لغرائزه لأنه يحس بالدونية نحو خطيبته مما يجعله عاجزا.. وبعد أن يحقق القاضي بغيته مع الخادمة الفقيرة يتركها بعد أن ينتهك جسدها وروحها فتتحول إلي فتاة ليل ويحسب لها مشهد النهاية حين يلتقي بها في الطريق مصادفة يبحث عن فتاة ليل ويدور حوار بينهما ينتهي بأن تبصق علي وجهه. أما »فردوس« في »أبي فوق الشجرة« من إخراج حسين كمال بطولة عبدالحليم حافظ فهي الوجه الآخر للحياة التي يعيشها البطل ويلجأ إليها بعد فشله مع خطيبته التي لاتحس به لكي يصبح أكثر إدراكا للحياة.. والاب المتزمت الذي يبحث عن ابنه لينقذه من براثنها فيقع في هواها.
اشتهرت نادية بالعمل الإنساني والوطني ففي أيام الهزيمة 1967 كونت لجنة اسمتها »الفن في خدمة المجتمع«.. ولا ننسي مواقفها مع الجرحي ايضا في حرب الاستنزاف وعملها في الهلال الأحمر وهي أول من فكر في إنشاء صندوق للفنانين وقت الكبر والعوز بعد أن انفضت من حولهم الاضواء وشاركها عبدالحليم في إحياء حفلات لصالحهم.. أيضا وجودها في بيروت المشتعلة لتصوير فيلم تسجيلي يصبح وثيقة تدين إسرائيل.. ولا أنسي حينما اتصلت بي وهي تبكي بعد عودتها من لبنان ودعتني لأشاهد الفيلم الذي صورته ولا ننسي مواقفها من فلسطين وزيارة اللاجئين في مساكن إيوائهم. أيضا السهر ليل نهار مع جرحي أكتوبر.
من أهم أفلامها التي وجدت صدي في العالم وفي المهرجانات الدولية وحصولها علي جوائز عالمية هو فيلم »المومياء« لشادي عبدالسلام التي لم تتكلم فيه نادية كلمة واحدة لكنها عبرت فقط بنظرات عينيها الجميلتين.. ومنذ ذلك الوقت أصبحت نادية صديقة لشادي عبدالسلام الفنان والإنسان.. وحين زرتها مرة قالت لي أن المكان الذي نجلس فيه الآن من تصميم شادي عبدالسلام.. ولا ننسي سفرها إليه حين كان يعالج في أوروبا عندما علمت بمرضه الميئوس منه ووجودها إلي جانبه لرفع حالته المعنوية. ولا أنسي يوم ذهبنا معا لاستقبال جثمان سعاد حسني التي شاركتها في فيلم »للرجال فقط« واصبحتا صديقتين حميمتين.. كيف بكت بحرقة ورافقت الجثمان حتي مثواه الأخير.
وطوال صداقتنا لم يحدث أي خلاف بيننا.. وفي أحد الأيام وأنا ألتقي بها في الاستوديو حيث كانت تصور أحد الأفلام.. كنت مقبلة عليها وإذا بها تستقبلني بفتور شديد عكس عادتها.. سلام بارد خال من الحميمية.. ولم توجه لي كلمة واحدة لدرجة أن يوسف فرنسيس كاتب السيناريو الذي أخرج لها »زهور برية« اندهش لذلك وسألني ماذا حدث بينكما قلت له بأكثر دهشة »لاشيء« بالعكس أنا أحبها كصديقة أكثر من حبي لها كفنانة.. واستنتجت أن البعض وشي بي ربما كنوع من الغيرة لهذه الصداقة التي خصتني بها.. لكني لم أعرف نوع الوشاية.
خصتني »پولا« بمذكراتها التي كتبتها بحب.. فأنا لا أتحدث عن كل من قدمت لهم المذكرات من الفنانين إلا إذا كانوا أصدقاء حميمين.. وحين أعلنت عن نشر المذكرات.. أتصلت پولا برئيس التحرير ليمنع النشر ولم أعرف لماذا.. ربما لأنها لم تقرأه وكانت مفاجأة غريبة بالنسبة لي.. ولم أنشر مذكراتها التي لاتزال في درج مكتبي حتي الآن. لكن حينما يقدم لها برنامج في التليفزيون فهي تطلبني لكي أتحدث عنها.. لأنها تعرف أنني عاصرتها منذ بداياتها.. ولا تنسي إننا مازلنا أصدقاء.