القادة والزعماء العرب هل تحتاج قراءة المعطيات والنتائج المرتقبة لقمة قادة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنتظرة في منتجع «كامب ديفيد» منتصف هذا الشهر إلي أنماط جديدة من الخيال السياسي لتصور ما يمكن أن يسفر عنه هذا اللقاء الذي سيكون بحسب التوقعات مؤسسا لشكل جديد من العلاقة بين الولاياتالمتحدة والمنطقة.. بل ولنظام إقليمي مختلف من حيث الهيكلية والأداء.. لا شك أن اللقاء جاء في نهاية سياق جهد أمريكي طويل لإعادة ترتيب المنطقة وإعادة تحديد ملامحها الحيوية لأعوام طويلة.. وإن كان هذا ما تريده وتعمل عليه الولاياتالمتحدة منذ فترة فماذا يريد القادة الخليجيون من قمتهم التي يصفها المراقبون بالتاريخية؟ بغض النظر عن الفجوة بين ما يريده كل طرف من الآخر.. فإن نجاح أو نسبة نجاح هذه القمة سيقاس حتما بمدي تقليل هذه الهوة ومدي وكيفية مقاربة الأطراف للملفات السياسية المطروحة. فإذا كان اللقاء هو بداية تشكيل للمنطقة العربية في إطار المنظومة الجيواستراتيجية الأمريكية المعاد تعريفها والمحددة في وظائفها وأهدافها.. إلا أن ذلك يعني أن واشنطن مازالت تعتبر النظام العربي جزءا من بنيانها الاستراتيجي في العالم بعكس مادرجت التحليلات في فترة سابقة عن تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة في الرؤي والتقديرات الأمريكية. وعلي الرغم من أن القمة تعقد في ظروف استثنائية تمر بها دول مجلس التعاون الخليجي من مستجدات وتطورات متسارعة.. نجد أن الجانب الأمريكي وبحسب مسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية سيعمل علي طمأنة القادة الخليجيين حول فوائد السياسة التي يتبعها الرئيس باراك أوباما تجاه إيران وكانت الرسالة واضحة خلال اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في باريس مع نظرائه الخليجيين عندما رافقته خلال المحادثات «ويندي شيرمان» رئيسة الوفد الأمريكي إلي مفاوضات 5+1 مع إيران حول برنامجها النووي.. وهي رسالة واضحة حاولت واشنطن خلالها أن تؤكد التزامها بأمن حلفائها.. وأن أي اتفاق نووي مع إيران لا يأتي في إطار تغيير تحالفاتها أو ابتعادها عن الشرق الأوسط.. وإن كانت وجهة نظر الخليجيين ومن خلال دعمهم الفاتر للاتفاق المحتمل المدعوم دوليا مع إيران يأتي في سياق مخاوفهم المتزايدة من سلوك إيران في المنطقة كما تخشي دول الخليج أن تواصل إيران السعي لامتلاك القنبلة النووية وتدفق المال عليها نتيجة رفع العقوبات وتحرير الأرصدة المجمدة بما سوف يسمح لها بتمويل منظمات تعمل لحسابها وتوسعة نفوذها في سوريا واليمن ولبنان.. وهو ما يجعل أوباما في مواجهة تحد هائل في محاولة إقناع زعماء الخليج في أولويات سياسته الخارجية بالتوصل لاتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي في موعد أقصاه 30يونيو.. وهو ما جعل الحديث يتجه قبيل انعقاد القمة نحو مساع للرئيس أوباما لمساعدة حلفائه في منطقة الخليج علي نشر منظومة دفاعية تغطي المنطقة لحمايتها من الصواريخ الإيرانية وبحسب مسئولين أمريكيين فإن العرض قد تصحبه التزامات أمنية متطورة ومبيعات أسلحة جديدة ومزيد من المناورات العسكرية المشتركة.. كما تشير تقارير إعلامية أن مساعدي الرئيس أوباما يبحثون الخيارات المتاحة في لقاءات تنسيق القمة مع الدبلوماسيين العرب وإن كان لم ترشح عن تلك المباحثات أي مؤشرات لقرارات نهائية بشأن الاقتراحات الأمريكية المحتملة.. إلا أن مصادر أمريكية رفيعة تحدثت في لقاءات صحفية عن سير المناقشات بأنه من المرجح أن يحث أوباما دول الخليج علي بذل المزيد لتحقيق التكامل بين جيوشها المتباينة والعمل من أجل إقامة درع مضادة للصواريخ طرحت فكرتها منذ فترة طويلة للتصدي لخطر الصواريخ البالستية الإيرانية.. وهذه الفكرة قد تبلورت في صورة مجموعة عمل مشتركة جديدة علي مستوي عال تحت قيادة وزارة الدفاع الأمريكية. وكانت دول الخليج قد اشترت سابقا نظما دفاعية صاروخية أمريكية مثل نظام صواريخ باتريوت وكذلك نظام تي. اتش. إيه. إيه. دي.. غير أنه من المتوقع الآن أن تطالب إدارة أوباما دول الخليج العربية بتنفيذ المبادرة التي طرحها وزير الدفاع السابق «تشاك هاجل» في أواخر 2013 ويسمح هذا البرنامج لمجلس التعاون الخليجي بشراء عتاد كتكتل واحد والبدء في ربط شبكات الرادار وأجهزة الاستشعار وشبكات الإنذار المبكر بمساعدة أمريكية إلا أن أسبابا ورؤي خليجية عرقلت هذا البرنامج.. ويبدو أنه غير واضح علي وجه التحديد حتي الآن ما ستعرضه واشنطن علي دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إقناعها بالدرع الصاروخية. أما المشهد اليمني الذي كانت الإطلالة عليه من باريس تبدو مختلفة.. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المواجهات العسكرية علي الأراضي اليمنية خاصة مدينة صعدة.. أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من باريس الجمعة الماضي في مؤتمر صحفي أن هدنة إنسانية ستبدأ عشية انعقاد القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد.. وأقر نظيره الأمريكي جون كيري خلال نفس المؤتمر أن الهدنة هي التزام قابل للتجديد في حال صموده فإنه يفتح الباب أمام احتمال تمديده.. وتحدث عن مؤشرات تظهر أن «أنصار الله» ستوافق علي وقف إطلاق النار ولكنه قال «ليس هناك شيء مؤكد».. من جانبها دعت قوي وأحزاب سياسية يمنية من بينها المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح في رسالة موجهة إلي الرئيس الأمريكي بعثت بها إلي القمة الأمريكية الخليجية.. دعت إلي إنهاء الانقلاب وتطبيق عقوبات ضد داعميه وأكدت الرسالة أن «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» التي يقودها التحالف العربي جاءت تلبية لطلب القيادة الشرعية والمنتخبة وطالبت بسرعة إدراج الأفراد والشركات والهيئات السياسية والدولية والمنظمات الأجنبية المساندة للانقلاب وللتمرد ضمن لائحة العقوبات التي نص عليها القرار الدولي 2216. أما علي صعيد الملف السوري فيسعي القادة الخليجيون إلي إيجاد أرضية مشتركة علي خطة عمل في سوريا خلال اجتماعهم مع الرئيس أوباما.. وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تطالب بخريطة طريق واضحة المعالم للسير في هذا الاتجاه وما يمكن أن يحصل في اليوم التالي لسقوط الأسد.. وقد كان لدعوة دول الخليج المعارضة السورية للاجتماع في الرياض قبل أسبوع من القمة الأمريكية الخليجية هو أكبر دليل علي رغبة حقيقية في وضع خطة كاملة المعالم ودقيقة لما سيتم فعله في المرحلة الزمنية التي ستلي سقوط بشار الأسد مباشرة.. وبحسب مصادر فإن واشنطن قد طلبت فعليا من القادة الخليجيين نظرة واضحة لخطة سياسية وعسكرية لسوريا بعد سقوط النظام في سوريا وعلي هذه الخطة أن توضح وضع الأقليات ومحاربة الإرهاب والمحافظة علي ما بقي من البنية التحتية للدولة التي دمرت في معظمها.. وبحسب نفس المصادر فإن البيت الأبيض منفتح علي هذه الخطة إن هي قدمت لهم لكنها تصر علي الإطار السياسي لها لضمان عدم تكرار الفوضي التي سقطت فيها العراق.. أما ما يحاول الجميع إقناع واشنطن به فهو جدوي إقامة مناطق حظر طيران.. وهو ما ناقشه وزير الخارجية التركي مع الإدارة الأمريكية قبل أسبوعين وسبل توفير مظلة جوية للقوات التي تدربها لحظة دخولهم الأراضي السورية.. وكان «خالد خوجة» رئيس الائتلاف السوري لقوي المعارضة قد صرح في جريدة «الحياة» أن هناك مؤشرات إيجابية قوية علي توجه واشنطن نحو رفع الحظر عن وصول السلاح المضاد للطيران إلي أيدي الثوار وقد كانت الإدارة الأمريكية ترفض هذا علي مدي السنوات الأربع الماضية. أما القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي فإن كل المؤشرات والتحضيرات للقمة ورغم كل التصريحات المعلنة فيبدو أن الأمريكيين سوف يستمعون إليه من باب التنفيس العربي المعتاد. وبحسب الترتيبات فإن الرئيس أوباما يستقبل قادة الدول الست في البيت الأبيض الأربعاء قبل أن يلتقيهم الخميس في المقر الرئاسي في كامب ديفيد التي تبتعد نحو مائة كيلومتر في الشمال من واشنطن.. فهل استخلص العرب الدروس المستفادة من القمم الأمريكية العربية السابقة في كامب ديفيد من قمة «السادات مع كارتر» إلي قمة «عرفات مع كلينتون».. وهي دروس علي قادة الخليج أن يتدارسوها لتعظيم فرص تحقق الأهداف الاستراتيجية. فهل حققت المحادثات المصرية الإسرائيلية التي تمخض عنها اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.. أهدافها كاملة.. بعد أن قتل السادات؟ وهل أصاب الرئيس عرفات الهدف في اجتماعه مع كلينتون حين أراد أن يحتفظ بالسر لنفسه ولم يرد أن يطلع عليه مستشاروه إلا علي طاولة المفاوضات وهو ما أفقده التنسيق وكانت النتيجة عودة عرفات إلي غزة رافضا مبادرة كلينتون؟ السؤال الأهم هل العرب علي أعتاب هذه القمة المرتقبة أمام فرصة تاريخية؟ أم في مواجهة خطر كبير جراء التغييرات في البيئة الأمنية العالمية؟