أحد شوارع القاهرة المزدحمة أطل سائق من نافذة سيارته بعد أن تمكن منه اليأس يرجو صاحب السيارة التي أمامه أن يتحرك عجلة واحدة إلي الأمام فرد عليه الأخير قائلا: وهتفرق أيه ما أنت شايف الطريق واقف قدامك؟.. فقال له: يا سيدي.. أهو شويّة أمل! الكثير من الأمل والتفاؤل هو ما أحس به المواطنون في القاهرة بعدما شاهدوا «ماكيت» العاصمة الجديدة، المقرر الانتهاء من تشييدها بعد خمس سنوات لتصبح جاهزة لاستقبال حياة جديدة بحلول العام 2020.. قفزت إلي أحلامهم مفاتيح الحلول لمشاكل صعبة تخنق العاصمة الحالية وتجعلها كابوسا لمن يعيشون فيها مثل تكدس السيارات في الشوارع وأسعار العقارات المرتفعة.. ووجدوا في نزوح خمسة ملايين نسمة إلي العاصمة الجديدة فرصة لتسكين الأكسچين في القاهرة. بعد أعوام قليلة تصبح «القاهرة 20» بدون وزارات يتدفق عليها ملايين البشر من الداخل والخارج، بدون طرق تعطل مصالح العباد انتظارا لمرور تشريفات أصحاب المعالي، بدون تجار جشعين يشترون العقارات السكنية ويرفعون سعرها أضعافا مضاعفة بحجة أنها (فقط) داخل العاصمة. وإذا كان أساتذة الاقتصاد يرون في العاصمة الجديدة وسيلة إنقاذ عاجلة للقاهرة التي تئن من وطأة الزحام، فإن خبراء العمارة والتنسيق الحضاري يقولون إن العاصمة الجديدة تطيل من عمر القاهرة 500 عام أخري، بينما يرسل خبراء المرور ببرقيات طمأنينة إلي السكان يبشرونهم من خلالها بسيولة في شرايين الطرق المصابة بالانسداد. يصف الدكتور فرج عبد الفتاح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والخبير بمعهد الدراسات الأفريقية إنشاء العاصمة الجديدة بأنه يساير الواقع الذي نعيشه، ويشير إلي القاهرة بأنها وصلت إلي مرحلة لا يمكن السكوت عليها من التكدس السكاني والإداري. يقول: إن افتتاح العاصمة الجديدة يترتب عليه سحب كثافة سكانية كبيرة من القاهرة لتسكينها هناك، لافتا إلي أن إقامة العاملين بالجهاز الإداري في العاصمة الجديدة يحتاج بجانبه إلي كثافة أخري تتمثل في إقامة مجتمعات جديدة تلبي احتياجاته المعيشية. ويري أن عوامل الجذب في العاصمة الجديدة تساهم في تحريك كتل سكانية أخري إليها، كما أن نقل الوزارات وما يتطلبه من خدمات تسهل من العمل الإداري تفتح العديد من فرص العمل أمام المواطنين في العاصمة الجديدة. يثمن عبدالفتاح اختيار مكان العاصمة الجديدة التي لا تبعد كثيرا عن القاهرة وهو ما يجعلها مع مرور الوقت المقر الرئيسي للحكم موضحا أن ذلك هو التطور الطبيعي والتاريخي. ويستطرد: لنا في التاريخ عبر فعندما نرجع إلي الوراء نعرف أن القاهرة الفاطمية وما تحتويه كانت العاصمة للبلاد وكان يطلق عليها قاهرة المعز، وكذلك مدينة الفسطاط فلا غرابة أن نشهد اليوم نقلا للعاصمة إلي مكان آخر، لافتا أن هذا النقل جاء متأخرا عن موعده وتمني سرعة الانتهاء من خطوات العمل داخل العاصمة الجديدة. ولا يتوقع أستاذ الاقتصاد انخفاضا في أسعار العقارات داخل القاهرة، في الوقت الذي يشير فيه إلي أن المسألة ستكون أهدأ قليلا عن الآن. ويضيف عمرو الشمندي صاحب شركة مقاولات إن أسعار العقارات محكومة بثمن الأرض والأسمنت والحديد كما أن الزيادة السكانية في القاهرة وهو ما يجعل الحكومة تعمل علي إنشاء تجمعات سكانية في أكتوبر وغيرها. ويقدم اللواء كامل ياسين مدير الإدارة العامة لمرور الجيزة الأسبق دفقة أمل للمقيمين في القاهرة وهو يبشرهم بسيولة مرورية من المتوقع حدوثها في شوارع القاهرة بعد نقل الوزارات إلي العاصمة الجديدة. يحصي كامل ملايين الرحلات اليومية القادمة إلي القاهرة من الأقاليم لقضاء مصالحها في العاصمة، وهو ما سيجعلها تغير من خطوط سيرها إلي العاصمة الجديدة ويترتب علي ذلك تطورا وصفه بالإيجابي علي الحركة المرورية في القاهرة، وشدد علي أهمية ربط القاهرة بالعاصمة الجديدة عن طريق خطوط مواصلات متعددة أهمها مترو الأنفاق، ونفي أن تصبح القاهرة طاردة للسكان لما تحتويه من مناطق جذب لا تتوفر للكثير من المدن في مصر. وتؤكد الدكتورة سهير حواس أستاذ العمارة بجامعة القاهرة وعضو مجلس التنسيق الحضاري علي أن إقامة العاصمة الجديدة يجعل القاهرة تعيش مدة أطول لا تقل عن 500 عام من الأداء والكفاءة، فضلا عن أن نقل الوزارات والمؤسسات الإدارية سيصنع خلخلة تسمح للسكان بالتجوال في المدينة التاريخية وقالت إن نقل وزارات مثل الداخلية وغيرها من وسط البلد سيساهم في تخفيف الأحمال علي القاهرة. ولفتت حواس إلي أن جهاز التنسيق الحضاري لم ينتظر بناء العاصمة الجديدة وبدأ بالفعل في تطوير القاهرة الخديوية واستعادة الوجه الحضاري للمدينة العامرة بالتحف المعمارية والمزارات السياحية وشرحت أن العمل يجري علي قدم وساق لتطوير ميادين وسط البلد المختلفة مثل: طلعت حرب، وعرابي، والألفي، وعابدين، وقالت إن القاهرة تعد متحفا مفتوحا وما حدث من افتتاح جراج التحرير وإلزام أصحاب السيارت بعد الركن داخل شوارع وسط البلد يعني أننا نستعيد الرصيف ونعمل علي إعادة صياغة هذا المتحف بما يتوافق مع صياغة العرض المتحفي للعقارات والمباني التي بنيت علي أحدث الطرز العالمية. وينصح الدكتور محمد عبد الباقي إبراهيم رئيس قسم التخطيط العمراني بكلية الهندسة بجامعة عين شمس الحكومة بعد نقل الوزارات إلي العاصمة الجديدة العمل علي تفعيل الحكومة الإلكترونية بهدف تمكين المواطن في أي بقعة داخل البلاد علي مستوي الجمهورية من إجراء التعاملات الإدارية دون أن ينتقل إلي تلك الوزارات. ويقول: إن نقل الوزارات من وسط المدينة إلي مكان آخر سيجلب نفس المشاكل إذا لم تعمل الدولة علي تفعيل الحكومة الإلكترونية التي تأتي بالعديد من الفوائد مثل انعدام الرشوة نتجية عدم المواجهة بين الموظف والمواطن، كما أن جميع المستندات ستكون محفوظة إلكترونيا وغير معرضة للسرقة أو التلف أو حوادث الحرائق. ويأسف رئيس قسم التخطيط العمراني بكلية الهندسة عن نقص المعلومات حول الوزارات والمقار الحكومية التي ستنقل إلي العاصمة الجديدة ويتهم الحكومة بأنها تحجم عن إتاحة المعلومات (عكس المتوقع منها) لافتا إلي أنه بالدخول إلي المواقع الإلكترونية لأجهزة الدولة لا نجد إلا تصريحات صحفية للمتحدث الرسمي عن الوزراء لا تسمن من جوع مطالبا أجهزة الدولة بإتاحة المعلومات وتحقيق الشفافية مالم تتعارض مع الأمن القومي في حين أن العاصمة الجديدة لا تدخل ضمن نطاق الأمن القومي. ويستطرد: إن إتاحة المعلومات يحقق أهمية مشاركة المجتمع بالفكر والرأي والنقد البناء وبدون تلك المعلومات سيكون هناك تخبطا ونقدا سلبيا لأداء الدولة لأن الحقيقة غير معلومة. ويواصل: لا يصح باعتباره متخصصا أن يستقي معلوماته من الصحفيين لأنهم غير متخصصين في هذا المجال، وينقلون فقط ما يملي عليهم وهو الخطأ الذي يجب تداركه، في حين أن التقارير والمعلومات الجدية إن وجدت لابد أن توضع علي الشبكة العنكبوتية ليطلع عليها الجميع فيتمكن المجتمع من محاسبة المسئولين ومراقبة الأداء وبالتالي إمكانية تكرار التجارب الناجحة.