غدًا.. انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس| حضور الطلاب تباعا لعدم التكدس.. و25 مليون طالب ينتظمون الأسبوعين المقبلين.. وزير التعليم يستعد لجولات ميدانية تبدأ من سوهاج وقنا    الذهب عند أعلى مستوياته بفعل تزايد الرهانات على مزيد من خفض أسعار الفائدة في 2024    يستهدف إبراهيم عقيل.. تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية ل بيروت    تشييع جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال عدوان الاحتلال على قباطية بالضفة الغربية    إصابة شخصين في حادث تصادم بالفيوم    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    صدور العدد الجديد من جريدة مسرحنا الإلكترونية وملف خاص عن الفنانة عايدة علام    عمرو الفقي ل«أحمد عزمي» بعد تعاقده على عمل درامي بموسم رمضان: نورت المتحدة وربنا يوفقك    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    رئيس الإدارة المركزية لشئون الدعوة وسكرتير عام محافظة البحيرة يشهدان احتفال المحافظة بالعيد القومي    مصدر لبناني: البطاريات التي يستخدمها حزب الله مزجت بمادة شديدة الانفجار    أجندة ساخنة ل«بلينكن» في الأمم المتحدة.. حرب غزة ليست على جدول أعماله    أنشيلوتي: التمريرات الطويلة حل مشكلة برشلونة.. وموعد عودة كامافينجا    خبر في الجول - الإسماعيلي يفاضل بين تامر مصطفى ومؤمن سليمان لتولي تدريبه    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    أرني سلوت يصدم نجم ليفربول    القومي للمرأة بدمياط ينفذ دورات تدريبية للسيدات بمجالات ريادة الأعمال    كوجك: حققنا 6.1% فائضا أوليا متضمنًا عوائد "رأس الحكمة"    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غدا السبت 21 - 9 - 2024    ضوابط شطب المقاول ومهندس التصميم بسبب البناء المخالف    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    «المتحدة» تستجيب للفنان أحمد عزمي وتتعاقد معه على مسلسل في رمضان 2025    وزير العمل: حريصون على سرعة إصدار الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    جامعة عين شمس تعلن إنشاء وحدة لحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    هذا ما يحدث للسكري والقلب والدماغ عند تناول القهوة    الصحة تطلق النسخة الأولى من التطبيق الإلكتروني لمبادرات "100 مليون صحة"    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخي من لبنان    الأزهر للفتوى الإلكترونية: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    معرض «الناس ومكتبة الإسكندرية».. احتفاء بالتأثير الثقافي والاجتماعي لمكتبة الإسكندرية في أوسلو عاصمة النرويج    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    سهر الصايغ تشارك في مهرجان الإسكندرية بدورته ال 40 بفيلم "لعل الله يراني"    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير أعمال تعديل الحركة المرورية بميدان الزراعيين    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    وزير الإسكان يتابع استعدادات أجهزة مدن السويس وأسيوط وبني سويف الجديدة والشيخ زايد لاستقبال الشتاء    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    القوات المسلحة تُنظم جنازة عسكرية لأحد شهداء 1967 بعد العثور على رفاته (صور)    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    لبنان: وصول رسائل مشبوهة مجهولة المصدر إلى عدد كبير من المواطنين    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين حلم الآثاريين .. وضرورات خبراء التخطيط .. وتخوف علماء الاجتماع ..وجرأة الرئيس المقبل ..نقل العاصمة «قرار» بحجم «ثورة» !!

أحمد أمين عرفات
قاهرة الثورة الجديدة، قرار يحتاج إلي بطل يحمل علي عاتقه تلك المهمة الكبيرة ، بعد أن فشلت كل جهود الحلول التي يدمرها دائماً غول الزيادة السكانية، وما يستتبعها من مشكلات، قرار العبور إلى المستقبل كما قلنا يحتاج إلى قائد جسور، فنقل القاهرة فكرة قديمة، بقدم الازدحام والضجيج اللذين يؤثران سلباً على البشر والحجر، فالواقع يقول: إن العاصمة المصرية قد أغرقتها مشكلات الازدحام الذى يحول أجمل مدن الدنيا لكونها متحفاً مفتوحاً يضم آثاراً فرعونية وقبطية وإسلامية، بل ويونانية وإغريقية، إلى مسخ غريب لا يليق بحضارة سبعة آلاف عام. ومنذ عشرات السنين وفكرة نقل العاصمة، حاضرة في أذهان الحكومات المتعاقبة، منذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات عن تلك الرغبة، وأعد لذلك مدينة جديدة قام بإنشائها المهندس حسب الله الكفراوي، وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة آنذاك، إلا أن الفكرة نامت في أدراج النسيان مع تولي الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ونقل العاصمة ليس بدعاً جديداً فقد سبقتنا إليها دول عربية وغربية، بل إن القاهرة نفسها التي أنشأها جوهر الصقلي، قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي كانت نقلاً لعاصمة البلاد التي أرساها الفاتح عمرو بن العاص، وسماها «الفسطاط» التي تحولت إلي مدينة القطائع التي أسسها أحمد بن طولون. الفكرة قدمة جديدة، تحتمها الظروف والمقتضيات كما هي الحال الآن مع القاهرة، وذلك ما دفعنا ب «الأهرام العربي» للأخذ بزمام مبادرة جديدة ربما تفلح هذه المرة وتنقذ أجمل مدن الدنيا مهما آلت إليه، وجعلها مدينة على حافة الانهيار الحضاري، لتعود عاصمة الجمال والتاريخ كما كانت.
استطلعنا آراء المتخصصين في كل المجالات الإنشائية وتخطيط المدن، بل وعلماء الاجتماع والنفس، وانفردنا بحوار مع مؤسس المدينة التي كانت ستنقل إليها العاصمة، وهو المهندس حسب الله الكفراوي، وعرجنا بطبيعة الحال إلى علماء الآثار لتحقيق هذا الحلم الجديد القديم، الذي يبحث عن بطل يحمل على عاتقه أخذ قرار العبور الجديدة للعاصمة الجديدة، مع ثورة جديدة تشكل ميلاداً جديداً للبلاد.
* أساتذة التخطيط العمرانى: ضرورة ملحة ولكنه مشروع ب 7 أرواح
البداية كانت مع صاحب دراسة نقل القاهرة إداريا وهو د. عبد المحسن عبد المنعم برادة أستاذ التخطيط العمراني والذي قال: هناك دراستان أجريتا حول نقل العاصمة إداريا من القاهرة، الأولى وهي التي قمت بها في عام 2008، تحت إشراف كلية التخطيط العمراني جامعة القاهرة، وخرجت من هذه الدراسة بأنه لكي تسترجع القاهرة دورها الثقافي والحضاري وكمركز الدولة، فلابد من تفريغها من الوزرات وما يتبعها من إدارات وهيئات حكومية، مع الإبقاء على المباني والوزارات ذات القيمة، والتي تعد رمزا للعاصمة، مثل مجلس النواب ومجلس الوزراء وجامعة الدول العربية وغيرها، أما المباني ذات القيمة التاريخية التي استولت عليها بعض الوزارات مثل مقر وزارة الإسكان فهو في الأصل قصر للأميرة فوزية، فلابد من استعادة مثل هذا المباني، بعد تفريغها ونقل العاملين بها، كذلك خرجنا من الدراسة بأنه يجب الإسراع بنقل الوزارات والهئيات التي يتردد عليها الجمهور وتتميز بحركة كثيفة مثل القومسيون الطبي العام، ومصلحة السكة الحديد ووزارة الصحة بمرافقها ووزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي.
أما الدراسة الثانية والكلام لا يزال على لسان د. برادة فقد قامت بها الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وأسفر عنها صدور قرار بتخصيص 750 ألف فدان على الطريق الدائري بالقرب من مدينة نصر والمقطم، لإقامة مشروع متكامل للوزارات هناك، وهو ما تحفظت عليه، لأن هذا المكان يبتعد عن خطوط المترو، فمن أبجديات النقل الناجح أن يكون المكان سهل الوصول إليه سواء للعاملين أم المترددين عليه من الجمهور.
مشروع متكامل
وأكد د. برادة على أن نقل العاصمة كلها أمر مستبعد ولا يجب التفكير فيه، فالقاهرة يجب ان تظل بحضارتها وتاريخها وأهراماتها وتراثها الإسلامي ومتاحفها، وأن يقتصر الأمر فقط على نقل المصالح الإدارية مع الإبقاء على رموز العاصمة، كما لابد من التأني في عملية النقل، فقد تعجبت من القرار الذي سبق اتخاذه من قبل في مجلس الوزراء، بأن يتم ذلك خلال عامين، فهذه الفترة غير كافية بالمرة، ولابد أن يسبقها، وقبل إنفاق المليارات علي المكان الجديد وتجهيزه، أن يكون هناك تأهيل للعاملين الذين سيتم نقلهم، حتى لا يتكرر ما حدث مع مدينة السادات عندما أقيم مبني وزارة التعمير، فرفض بعض العاملين الانتقال إليه فأجرى استفتاء خرج برفض الأغلبية فتم إلغاء نقلهم، وتحول المبنى الوزاري ليصبح جامعة المنوفية. كذلك لابد من ربط المكان الجديد بشبكة المواصلات والسكة الحديد، ويفضل أن تكون البداية بالوزارات التي تشهد تعينيات جديدة، حيث يكون من السهل نقلهم لبدء حياة جديدة في هذا المكان .
مواكب الوزراء
ومن جانبها تقول د. سهير حواس أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس الإدارة المركزية لجهاز التنسيق الحضاري سابقا: لقد مللنا من كثرة الكلام في هذا المشروع الذي نتحدث فيه من عام 2005 ، وكم من مناقشات عديدة شاركت فيها حول نقل العاصمة أو نقل مربع الوزارات للخارج، كما ناقشناه كثيرا في التنسيق الحضاري وأقمنا له العديد من الورش ودعونا الخبراء من كلية التخطيط العمراني التى وضعت ملامح المشروع الجديد، وبعدها نسمع عن اتخاذ خطوات فعلية لتنفيذه كالبدء في إخلاء مجمع التحرير، ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد، ليعود مجددا مع كل حكومة جديدة، حتى حكومة الإخوان أحيت هذا المشروع، ثم جمدته، وإذا كانت هناك عودة لهذا المشروع حاليا، فنرجو أن تكون جادة، لأننا بالفعل في حاجة ملحة لنقل العاصمة.
وتطالب د. سهير بأن تكون البداية بالوزارات التي تشغل أماكن تاريخية والتي لا علاقة لها بالجمهور والمواطنين لكي نبدأ بها، ثم يأتي دور الوزرات التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور، مع ضرورة تفكيك المركزية، بجعل أفرع في الأقاليم تقوم بدور الوزارات، كما يجب أن يكون النقل لأماكن بعيدة عن القاهرة لأن قربها منها لا يعد خروجا، فمع الوقت ستتحول إلى ضاحية لها، كذلك لابد أن يأتي نقل القيادات في المقدمة وليس العكس، لأن لديهم الإمكانيات التي تتيح لهم حرية الحركة والتنقل، علاوة على أنهم يمثلون القدوة، فيجب ألا نبدأ بالعاملين البسطاء لكي يعيشوا وحدهم في الأماكن البعيدة، بينما المسئولون يعيشون في راحة ويزاحمون الناس بمواكبهم، وقبل كل ذلك لابد من توفير المواصلات لكي تكون هناك سهولة في انتقال العاملين والمترددين عليهم من الجمهور، فعملية نقل الوزرات دون النظر إلى العاملين فيها والمواطنين المترددين عليهم هي بحق مشكلة كبيرة، أيضا لابد من وضع النقاط على الحروف بالنسبة لأشياء عديدة تتعلق بمصير العاملين الذين سيتم نقلهم، وهل سيتم ذلك في مساكن جديدة يتم بناؤها، أم ماذا؟ وفي كل الأحوال لابد من تحقيق مفهوم ربط السكن بمصدر الرزق، وهو أمر ليس بجديد، فقد كانت هناك مستعمرات سكنية تبني للعاملين كما حدث في مصانع الحوامدية والمحلة الكبري.
وعن الوزارات التي سيتم تفريغها أشارت د. سهير بأنه لابد من إعادة توظيفها بالشكل الذي يخدم الوضع الجديد للعاصمة، خصوصا الوزارات التي كانت تشغل مباني تاريخية كالتربية والتعليم ووزارة الإسكان و الهيئة العامة للتخطيط العمراني، فهي قصور تمثل كنوزا تاريخية لابد من الحفاظ عليها .
كارثة
وبعصبية شديدة يقول د. ممدوح حمزة الخبير الهندسي: أنا ضد نقل العاصمة بكل وزاراتها وصناع القرار بها وعلى رأسهم الوزراء، وإذا حدث ذلك بالفعل ، فنحن سنكون هنا بصدد عودة كاملة لنظام مبارك، ومن يناد بذلك في أى دولة عريقة في العالم يدخلوه على الفور مستشفي الأمراض العقلية، فهذا النقل سيجعلنا نضحي بتاريخ وعراقة الدولة، أما إذا اقتصر الأمر على نقل دواوين عام الوزرات فلا مانع من ذلك، لكن أن يتم نقل الوزير بمستشاريه وإدارته القريبة منه، فهذا يعنى نقل مقر حكم مصر، وهو ما أراه جنونا، لأن القاهرة تمثل مقر الدولة المصرية منذ أن أنشأها إسماعيل باشا، وبالتالي نقل العاصمة سيضرب تاريخ مصر في مقتل، كما أن هذا المشروع يعيدنا لنفس ما كان يخطط فيه نظام مبارك تحت عنوان القاهرة 2050 ،فلم يكن هدفهم إلا تفريغ العاصمة للاستيلاء على مبانيها لمصالحهم الخاصة وتسقيعها لتكون في أيدي البعض من الكبار .
ويؤكد د. حمزة بأنه يقف ضد هذا المشروع منذ كان يخطط له في عهد مبارك ويستكمل قائلا: في 23 يناير أى قبل الثورة بيومين عارضت د. مصطفي مدبولي وزير الإسكان وكان وقتها يشغل منصب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية، عندما عرض خطة نقل الوزارات في اجتماع بنقابة المهندسين ، فقلت له «هذا تخطيط شيطاني وإنكم بذلك تسيرون على تاريخ مصر ولكن بالأستيكة.
وعن جدوى تنفيذ هذا المشروع في الوقت الراهن يقول د. حمزة : إذا كان المسئولون يرون أن هذا المشروع من أولويات هذه المرحلة، فهو أكبر دليل على حالة التخبط التي يعيشون فيها، فالوقت غير مناسب ، ولن يفيد هذا المشروع الاقتصاد الوطني أو ميزان المدفوعات، بل سيؤدي إلى زيادة الدين الداخلى والخارجي، والأفضل تخصيص المبلغ المقرر له للمشروعات ذات الأولوية مثل التعليم من أجل بناء مدارس جديدة.
* علماء الاجتماع وعلم النفس: مطلوب تأهيل المصريين أولاً
بداية تؤكد الدكتورة هبة عيسوي - أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بجامعة عين شمس - أن رفض المواطنين لفكرة نقل العاصمة يرجع بالدرجة الأولي إلي طبيعة الشخصية المصرية والمعروفة بأنها شخصية روتينية، والتغيير بالنسبة لها مثير للقلق والمخاوف من الجديد، فطبيعة الشخصية المصرية أنها تأمن ما تألفه واعتادت عليه ولا تأمن ما هو جديد حتي لو كان أفضل بالنسبة لها كذلك فالإنسان عموما عندما يبدأ التفكير في فكرة الانتقال يبدأ علي الفور في وضع النقاط والأفكار السلبية أمامه قبل وأكثر من الإيجابية في كل شيء، ابتداء من وسائل الانتقال واختلاف المواعيد والإجراءات، لدرجة التفكير أيضا في أنه سيبذل مجهوداً أكبر، وبالتالي ستكون المحصلة النهائية هي رفضه لفكرة الانتقال دون أن يتحري الدقة ويعلم أن هذا أفضل حالا بالنسبة له ولغيره، وهذه هي طبيعتنا كمصريين.
وحول آلية النقل، تري الدكتورة هبة عيسوي، ضرورة أن تكون الحكومة واضحة جدا مع الناس، بحيث تقدم لهم خطة متكاملة شاملة كل النقاط حول كيفية الإنتقال إلي الموقع الجديد وما وسائل المواصلات والاتصال التي سيتم توفيرها، ومواعيد وتواريخ التنفيذ بحيث يمكن إقناع المواطنين بالشكل الصحيح، كذلك يجب أن نعدد لهم المزايا بشكل فردي وليس جماعياً حول مزايا الابتعاد عن زحمة المواصلات والاختناق الذي يعاني منه أهل القاهرة، علي أن الحل الجوهري في هذه القضية هو أن نضعها في شكل قومي فعندها سينصاع الشعب المصري للفكرة وتنفيذها، بمعني أننا عندما نشحن المعنويات ونلهب المشاعر فإن الشعب المصري سيستجيب ويضغط علي نفسه من أجل التغيير، لأنه يفعل ذلك من أجل وطنه وهو حافز كبير له، ولذلك يجب أن يكون الشحن المعنوي للمواطنين إيجابيا نفسيا واجتماعيا بشكل دقيق حتي نحفز المواطنين علي قبول الفكرة والمشاركة في تنفيذها، وهنا أيضا نضمن أن من لم يوافق علي الفكرة فإنه لن يقف ضدها، وبذلك نتفادي الآراء المضادة والتي ترفض لمجرد الرفض بدون حيثيات، ولكن بالطبع عندما تكون هناك أسباب منطقية فلابد من بحثها ودراستها ووضع الحلول لها.
أما الدكتور ناجي جميل - استشاري الطب النفسي - فيري أن هناك العديد من الأسباب وراء رفض الفكرة أو عدم تقبل المواطنين لها، أهم هذه الأسباب عدم الوعي لسبب قلة المعلومات المتوافرة لدي المواطنين عن هذه الفكرة، لأننا يجب في البداية أن نهيئ الناس لهذه النقلة الكبيرة حتي يتقبلوها، أي أننا يجب في البداية أن نوضح الصورة كاملة بإيجابياتها حتي يكون هناك وعي كامل لدي المواطنين بضرورة وأهمية هذه النقلة المنتظرة، خصوصاً أننا نعلم أن المصريين عموما متحفظون جدا بطبيعتهم ولا يميلون إلي التغيير الدراماتيكي إلا في أضيق الحدود، وكما يقال في المثل الشعبي الشائع « اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش «.
وتتضمن أسباب الرفض أيضا ظاهرة الكسل والذي أصبح تيمة عند المصريين، فالمواطن المصري روتيني جدا ولا يريد بذل المزيد من الجهد إلا في أضيق الحدود وغالبا عندما يكون مضطرا لذلك، إلي جانب أن الشخصية المصرية تغيرت بشكل جذري خصوصاً خلال الأربعين عاما الماضية، فالمواطن المصري أصبح لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية فقط للأسف بعيدا عن المصلحة العامة والتي تحتاج منا جميعا لجهد كبير لتربية الأجيال الجديدة علي التفكير أولا في المصلحة العامة، وهذا لن يتأتي إلا بالتوعية عن طريق وسائل الإعلام بالفوائد والإيجابيات التي ستحقق عند تنفيذ المشروع، كما يجب أن يكون هناك توجه عام للدولة المصرية تجاه الفكرة المطروحة ليس بالكلام فقط، ولكن بالأفعال لإعلاء المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة، وتقديم القدوة والمثل للشعب بعيدا عن الشعارات الجوفاء لخلق الثقة بين المواطنين والحكومة.
بينما تري الدكتورة هالة منصور - وكيل المعهد العالي للخدمة الاجتماعية - أنه يجب علي الحكومة أولا إنشاء شبكة طرق حديثة تصل إلي المكان المراد نقل العاصمة إليه حتي يشعر المواطنون بأن هناك توجهاً عاماً للدولة للقضاء علي العديد من المشاكل والأزمات، وأعتقد في هذه الحالة أن 70 % من سكان العاصمة علي الأقل سيرحبون بفكرة نقلها إلي إحدي المدن الجديدة، خصوصاً أننا نعاني أزمة خانقة في الطرق والمرور ووسائل المواصلات وضياع الوقت، ومن هنا يجب علي الحكومة أن تقوم بوضع خطة متكاملة بتوعية المواطنين بأهمية الموضوع حتي يشعروا بأهميته وإيجابياته وأنه سيساعد علي حل العديد من مشاكلهم وأزماتهم.
أيضا تحدثت الدكتورة وفاء إبراهيم - أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - قائلة: بداية يجب أن نعلم أن الشخصية المصرية الحالية تعطلت بها فكرة الإبداع نتيجة انعدام الضمير للأسف، وهي التي كانت تقوم علي أساسها في الماضي، وبالتالي تعطل بها طاقة جميلة ، حيث كان النفق الأخلاقي بها متماسكاً والذي كان ناتجاً عن الإحساس بالمسئولية، كل هذا تعطل وهو نتاج طبيعي لما تعرضت له الشخصية المصرية من تجريف خلال الفترة الماضية، لذا عندما نتحدث عن مدي تقبل المصريين لفكرة النقل، فإننا يجب علينا مناقشة الدور الرئيسي للمسئولين في الدولة والذين يجب عليهم عدم طرح الفكرة علي الناس مجردة من المعطيات الإيجابية حيث يجب عليهم أولا اللجوء للميديا وتذكرة الناس عن طريق الأفلام التسجيلية بمدي صور ومشاهد الجمال الذي كانت تتمتع بها القاهرة في الماضي، ثانيا، عملية النقل لا يجب أن تكون كلها للمدن الجديدة، فالماذا لا ننقل بعض الإدارات إلي المحافظات مثلا، والباقي إلي مدن جديدة تتمتع بشبكة مواصلات علي أعلي مستوي وهذا شرط أساسي، ثالثا، وضع تصور مستقبلي لشكل القاهرة في حالة النقل وعرضه حتي تكون الفكرة واضحة تماما للناس ليعلموا مدي الإستفادة في حالة تنفيذ الفكرة، وأعتقد إذا تمت الفكرة بهذه الطريقة فسوف ترتفع نسب تقبل الناس للفكرة في حد ذاتها.
* «لا تنقلوا عاصمة مصر».. وصية جمال حمدان
المطلوب ليس نقل العاصمة بل ضبط العاصمة
ما تحتاجه مصر ليس عاصمة جديدة بل خريطة جديدة
العواصم لا تنشأ بقرار رئاسى أو فرمان همابونى
القاهرة جزء لا يتجزأ من شخصية مصر
ودعوات نقل العاصمة شطحات مريضة
نقل العاصمة لن يحل المشكلة بل سيضاعفها حيث سيؤدى لإهمال مشاكل القاهرة بأخطبوطها المتمدد
العواصم الجديدة تعانى مشكلات خانقة وصعوبات عديدة
الحل فى خلق «عواصم توازن» وأن تظل القاهرة عاصمة سياسية فقط
وكأننى أطالع صحف اليوم، لا أوراق متآكلة متهالكة باهتة صفراء اللون بأرشيف الأهرام ترجع إلى عام 1976، لكنها تحمل بين طياتها أفكارا براقة لاتزال تصلح لوقتنا الحاضر، شأنها فى ذلك شأن كاتبها المفكر الراحل د. جمال حمدان، فكأنه حى يرزق بيننا، حيث كتب سلسلة مقالات بالأهرام تحت عنوان «لا تنقلوا عاصمة مصر» يهاجم فيها الاقتراح الذى أعلن حينذاك عن عاصمة جديدة لمصر فى شمال الصحراء الغربية بديلا عن القاهرة، معتبر ا ذلك نوعا من الحماقة.
ومن وجهة نظره فإن التفكير فى ترك عاصمة قائمة مهما كانت مرهفة ومحبطة مسألة ليست بالهينة وتحتاج إلى مراجعة معمقة جدا، وإلى ميزانية دقيقة للغاية لحساب الخسائر والأرباح، ليس فقط علميا أو تخيطيا، ولا اقتصاديا أو ماديا وحسب، ولكن أيضا سياسيا وقوميا ومحليا وعالميا، فالعواصم لا تولد بين يوم وليلة، ولا تنشأ بأمر عال أو فرمان همايونى، وإنما هى تنبثق استجابة لضرورات طبيعية وتخضع فى دورة حياتها لقوانين وضوابط طبيعية وإلا فشلت وأفلست والقاهرة لم تنشأ وتزدهر وتتضخم، حيث هى كمجرد نبت شيطانى أو كعش الغراب الطفيلى، ولا لأسباب عشوائية أو لمجرد قرار أو مرسوم بيروقراطى، إنما موقع القاهرة هو المحصلة النهائية لآلاف السنين من التجربة والخطأ، ونتيجة لعملية انتخاب جغرافى وجيوبوليتكى، إنها الخلاصة الصافية لكل تاريخ مصر الألغى وجغرافيتها.
وهى بهذا كله لا تصلح لها «عاصمة اصطناعية» ولا هى تحتاج إليها، فضلا عن هذا فقد أصبحت القاهرة جزءا لا يتجزأ من شخصية مصر، وصارت مصر والقاهرة صنوان لا يفترقان فى الواقع وفى الذهن، وإن من الأجدى لنا أن تختفى هذه النغمة السطحية الكرية نغمة عاصمة جديدة، ذلك أنها ليست تخطيطا منكرا بقدر ما هى انحرافة تخطيطية، ليست مخيلة جريئة بقدر ما هى شطحة مريض ونظرة تقليدية معوجة والمطلوب ليس نقل العاصمة بل ضبط العاصمة، ليس عاصمة جديدة بل عاصمة مغلقة. فالقاهرة على علاتها وعللها وعيوبها ضحية سوء التخطيط أو بالأحرى غيابه، فالعيب ليس فى القاهرة لكن فينا، إنما القاهرة ما نفعل أو ما لا نفعل، ولقد قيل، ربما بكثير من سخرية مريرة ولكن بغير قليل من حق، إنه لو كان فى الإمكان بناء السد العالى عند القاهرة لفعلنا.
ويلفت د. حمدن نظرنا إلى نقطة غاية فى الأهمية تتمثل فى أن نقل العاصمة لن يحل المشكلة وإنما يضاعفها، إذ سيخلق عاصمة هزيلة عاجزة فجة، دون أن يعالج أمراض القاهرة بأخطبوطها المتمدد وسرطانها الزاحف.
هذا عن القاهرة كعاصمة قائمة بالفعل، أما عن فلسفة العاصمة الجديدة، فإن فى العالم عواصم كثيرة أنشئت عمدا لأسباب مختلفة، من ذلك الفلسفة الأمريكية فى «العاصمة الضئيلة» حتى لا تطغى على الاتحاد أو يطغى عليها الاقتصاد، وينبغى أن يكون مفهوما بعد هذا أن معظم هذه العواصم الجديدة تعانى صعوبات خانقة ومشكلات كبرى، فهى باهظة التكاليف بقدر ما هى محدودة الفرص، الحياة فيها صعبة قاسية «خام» واحتمالات فشلها أكبر من نجاحها، كما أن العواصم القديمة تحاربها وترفضها، والكل يصفها بأنها فى الأغلب مصطنعة ملفقة، تعيش على الحقن الدائم من جانب الدولة وعلى عمليات نقل الدم المستمر وتحت خيمة أكسجين أو صوبة زجاجة محمية بلا انقطاع، والواقع أن بعضها لا يعدو الدافع إليه أن يكون نوعا من الترف والأبهة السياسية ومركبات العظمة المظهرية الباذخة، كما أن البعض الآخر يعد مضاربات مدنية فاشلة.
ومشروع نقل جهاز الحكم إلى عاصمة جديدة يخلق انفصالا شبكيا كاملا بين الإدارة والجمهور، وبين الحكومة والشعب، ويترك كليهما فى فراغ وظيفى تام، وهو أشبه ب «حكومة المنفى».
فبدلا من أن تفصل الصناعة عن السكان تريد أن تفصل السكان عن العاصمة، والصحيح هو أن تفرغ العاصمة من الصناعة بدل أن تفرغ الأمة من عاصمتها.
والحل الحقيقى فى تقدير د. حمدان يتمثل فى أن تصبح القاهرة عاصمة مصر السياسية فقط، وأساسا لا عاصمتها السكانية والصناعية والتجارية والإدارية، وأن نحول مدننا وعواصمنا الإقليمية الراهنة إلى ما يسمى «عواصم توازن»، أى توازن نقل العاصمة الوطنية وتحد من هيمنتها المطلقة، وذلك بتحويل تلك المدن إلى أقطاب للتنمية الإقليمية فاعلة ومؤثرة تعمل كمغناطيس مضاد لجاذبية العاصمة، وأن تعلن القاهرة «مدينة مغلقة» للنمو بكل صوره ومظاهره لمدة محدودة كعشر سنوات مثلا لا يضاف فيها أو إليها، أى تنمية جديدة من مبان أو وظائف أو عاملين أو خدمات أو صناعة إلا ما تستلزمه صيانة ما هو قائم بالفعل.
فلا نبالغ كثيرا إذا قلنا إن تاريخ مصر ليس إلا تاريخ العاصمة أو يكاد، حتى لو تحولت القاهرة إلى «الورم الأكبر» وليس «الهرم الأكبر» كما كانت لندن فى القرن قبل الماضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.