مابين المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل » والتعديل الوزاري الذي طال 6 وزراء من حكومة محلب واستحدث وزارتين التعليم الفني والسكان تبرز مصر دولة المؤسسات التي أشرت لها في مقالي الأسبوع الماضي حيث قلت إنني مطمئن للإجراءات التي يتخذها الرئيس السيسي لأنه يثبت دعائم الدولة المصرية ومنها أن تكون دولة مؤسسات لا دولة أشخاص. راهن الجميع في الداخل والخارج علي أنه لن يحدث أي تغيير في أي شيء قبل انتهاء مؤتمر «مصر المستقبل » الذي يعقد في شرم الشيخ، حيث تعوِّل عليه الدولة أملا كبيرا في إنعاش الاقتصاد، وكان هذا هو التفكير القديم لتحليل الأحداث والمواقف وقت أن كانت مصر دولة أشخاص وأقارب ومحاسيب وعائلات وأبناء.. ولكن بعد أن أصبحنا دولة مؤسسات فإن الأشخاص قابلون للتغيير في أي وقت، مع الاطمئنان إلي أن سير العمل لن يتوقف ولن يتأثر، وإن حدث تأثير فسيكون للأفضل، بدأ تغيير الصورة الذهنية للتغيير في مصر مع تغيير المحافظين وإن كان لنا تحفظ علي اختيار محافظ الإسكندرية هاني المسيري، وأدائه وجنسيته المزدوجة ولكن ذلك لن يؤثر علي أهمية تغيير المحافظين. ثم جاء تغيير الوزراء ومن بينهم وزير الداخلية الذي كان هناك مطلب شعبي بتغييره بالإضافة إلي التجاوزات التي حدثت من «قلة» من ضباط وأفراد الشرطة، فكان لابد أن يتحمل وزير الداخلية محمد إبراهيم مسئوليته، تطبيقا لمبدأ أن السلطة تفوض والمسئولية لاتفوض، فرأس أي مؤسسة أو وزارة أو هيئة عليه أن يتحمل مسئوليته كاملة. ورغم أن هناك نقاط تماس كثيرة بين وزير الداخلية، ومؤتمر مصر المستقبل لأنه المسئول الأول عن عملية التأمين وهي المهمة الأصعب والأهم - إلا أن الرئيس لم يتردد في تغييره، وإن كان مع هذا التغيير لم تنس مصر ولا القيادة السياسية دوره البارز والوطني في 30 يونيو، فتم اعتباره مستشارا لرئيس الوزراء بدرجة نائب رئيس وزراء. مع اختيار قيادة بديلة من الداخلية وهو اللواء مجدي عبدالغفار الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز الأمن الوطني عقب ثورة 25 يناير. ومن الوزراء أيضا الذين تم تغييرهم وكان لهم علاقة وثيقة بالمؤتمر لأن وزارته ستطرح مشروعات هو وزير الاتصالات، ولكن ذلك أيضا لم يمنع الرئيس من تغييره طالما كان ذلك في الصالح العام. ولأن المشروعات التي ستطرح باسم مصر وليست باسم وزير أو حكومة، فأي وزير سيقوم بالمهمة طالما أن هناك سياسة واستراتيجية محددة مرسومة ونفس المنطق ينطبق علي وزير السياحة.
ومايميز المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل » هو الرؤية الواضحة له، فهو ليس فقط مؤتمرا لجذب رؤوس الأموال أو لتوقيع اتفاقيات استثمار في أي مجال، أو لاستخدامه في زيادة الناتج القومي وزيادة نسبة النمو، ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت مصر قد وصلت لمعدلات نمو عالية، ولكن هذا النمو لم يصل إلي محدودي الدخل أو المهمشين أو حتي الطبقة الوسطي التي زاد تآكلها بنسبة طردية مع زيادة النمو، رغم أن المنطق يقول إنه كان يجب أن يحدث العكس ولذلك تم تطوير الفكرة والمبادرة التي كان قد طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رحمه الله من مؤتمر المانحين لمصر، إلي مؤتمر أشمل وأعم وأبقي ليكون مؤتمر مصر المستقبل . وتعكس حزمة المشروعات المطروحة رؤية القيادة السياسية في أن تصب أي زيادة للناتج القومي أو معدل النمو لصالح المناطق والمواطنين الأكثر فقراً، فتركزت المشروعات علي مناطق الصعيد والمدن الساحلية، التي كانت تفتقر إلي التنمية ويعزف المستثمرون عن ضخ أموالهم فيها نظرا لاحتياجها تكاليف أكبر ومجهودات أكثر لإقامتها، ولذلك جاءت تعديلات قانون الاستثمار لتعطي مرونة وتسهيلات وإغراءات تشجع المستثمرين علي الهرولة إلي استثمار أموالهم في هذه المناطق، وبالتالي فالعائد الكبير وزيادة معدل النمو سيصل إلي كل فئات المجتمع وسيشعر به كل المواطنين كل حسب دخله بل سيسهم أيضا في تثبيت دعائم الطبقة الوسطي التي هي رمانة ميزان استقرار أي دولة، التي كانت قد تآكلت في عهد ما قبل ثورة 25 يناير، وتكاد تكون تلاشت إبان حكم الاحتلال الإخواني لمصر. وطبقا للأرقام المعلنة، فإن المؤتمر يستهدف إقامة 05 مشروعا قيمتها 53 مليار دولار علي رأسها مشروع تنمية محور قناة السويس الجديد الذي سيقام فيه أكبر منطقة اقتصادية في مصر التي تزيد عن مجموع المناطق الاقتصادية في أكتوبر والعاشر من رمضان والعبور.. وسيصدر قريبا قانون لتنظيم العمل في هذه المنطقة. وقد كشف عدد كبير من المشاركين في المؤتمر - أجانب وعربا - أنهم تلقوا رسائل إلكترونية تحثهم علي عدم المشاركة وترهبهم من القنابل التي تنفجر كل يوم في مصر.. ولكنهم أصروا علي المشاركة والحضور فبلغ عدد المشاركين 800 من الأشقاء في الخليج والأجانب، و600 رجل أعمال من مصر و100 مؤسسة دولية تمثل 60 دولة رغم أنف الإخوان. نحن أمام سيمفونية متناغمة تعزفها كل أجهزة الدولة أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية ويقودها رئيس واع يعرف مايفعله جيدا، لم تمنعه ضوضاء تفجيرات قنابل الإخوان، ولم تعرقله أحجار هدم معاول الإرهابيين، ولم يعرف اليأس، ومؤمن بشعب قادر علي قهر المستحيل يقف وراءه بكل قوة. آخر كلمة «وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم .. وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون» «صدق الله العظيم» نحن مخيرون فيما نعلمه ومسيرون فيما لانعلمه .. فربنا لاتكلنا إلي أنفسنا ولا إلي غيرك طرفة عين.