حزب "نداء تونس" الذي يعتبر امتداداً لنظام بن علي بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية التونسية في حين جاء حزب النهضة الإخواني في المركز الثاني، لتبدأ لعبة التحالفات السياسية لتشكيل الحكومة التونسية، ويحاول حزب النداء استرضاء الأحزاب الثورية للمشاركة في الحكومة بدلاً من التحالف مع النهضة التي تختلف معه في الأيديولوجية.. فبرغم فوزه بالصدارة.. لن يتمكن حزب «نداء تونس» من تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده وسيحتاج إلي التحالف مع أكثر من حزبين من الأحزاب المشاركة في البرلمان الجديد، إذ إن عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب لا تحقق 51% من إجمالي مقاعد البرلمان، لذلك سيحتاج للتحالف مع أكثر من حزب حتي ينجح في الحصول علي نسبة ال51% لتزكية حكومته من البرلمان. وإذا ما افترضنا أن يتجه الحزب بتحالفاته نحو الأحزاب الأقرب إليه أيديولوجيا، وهما حزب الوفاق التونسي وهو «يمين وسط والأقرب إلي النداء» والذي حصد 9 مقاعد، وكذلك حزب الجبهة الشعبية، المقربة أيضا إلي النداء رغم توجهها اليساري إلا أنها تلتقي معه في رؤيتها في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة التي حصدت 21مقعدا، فإن هذه التركيبة من التحالفات الأيديولوجية لم تساو شيئا لنداء تونس حيث إن الأحزاب الثلاثة مجتمعة لم تحصل علي مجموعة النصف زائد واحد والمقدر ب 109 مقاعد حيث حصلوا مجتمعين علي 104 مقاعد فقط. فهل يضطر «نداء تونس» لاسترضاء الأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة مما قد يؤدي إلي حكومة هشة أمام معارضة شرسة تتصدرها النهضة، وباقي الأحزاب الثورية التي تنظر لنداء تونس علي أنه امتداد لنظام زين العابدين بن علي، أم سيحتاج «نداء تونس» إلي الجلوس علي طاولة الحوار مع حركة النهضة وباقي الأحزاب للوصول إلي صيغة تفاهم قد تكون في شكل حكومة تحالف حزبي أو حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الأحزاب؟. في حين يري، أنصار حزب النداء التونسي، أن تحالفه مع النهضة هو خيانة لأصواتهم التي أوصلت الحزب للفوز بالانتخابات التشريعية، يري أنصار حركة النهضة أن عدد المقاعد التي حصلوا عليها 69 مقعداً، تجعلهم يمتلكون الثلث المعطل وهو ما يمكنهم من تكوين معارضة قوية والبعد عن إدارة الحكم في البلاد بعد ثلاث سنوات من صدارة المشهد بكل مصاعبه الأمنية والاقتصادية وأن يتركوا مواجهة هذه الملفات الصعبة بكاملها لنداء تونس وحلفائه. في هذه الحالة وإذا قررت النهضة رفض المشاركة في حكومة وحدة وطنية فليس أمام «نداء تونس» سوي التحالف مع الحزب الوطني الحر الذي فاز بالمرتبة الثالثة في هذه الانتخابات حتي يحصل علي أغلبية مريحة تمكنه من تسمية رئيس الحكومة. كلمة السر الحقيقية في كل المساومات والمفاوضات والتحالفات في تونس التي مازالت تدار حتي الآن من تحت الطاولة هي الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 23 نوفمبر الجاري، التي باتت تفرض إيقاعها علي جميع التيارات السياسية في تونس. ورغم تصريح الباجي قائد السبسي رئيس «نداء تونس» والمرشح الرئاسي الأوفر حظا في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بأن حزبه لن يحكم البلاد في السنوات الخمس المقبلة بمفرده... يظل استئثار «النداء» لنفسه بقصر باردو «النواب».. و«القصبة».. «الحكومة» وقرطاج «الرئاسة» يعني انتحارا سياسيا بحكم عدم تمتعه بالأغلبية المطلقة.. كما سيتم النظر إليه من طرف قطاع واسع من التونسيين علي أنه عودة لحكم الحزب الواحد الذي قامت ضده الثورة. إلا أن معادلة أخري في المشهد الانتخابي التونسي لابد من وضعها في عين الاعتبار عند تحليل المشهد وهي الكتلة التصويتية التي شاركت في الانتخابات التي بلغت نحو 60% من إجمالي المقيدين بجداول الناخبين. فلابد من الانتباه إلي أن نحو 2 مليون صوت لم يشاركوا في التصويت في الانتخابات التشريعية الرقم الأصعب من جملتهم كانت من الشباب حيث غاب نحو 60% من إجمالي أصوات الشباب التونسي عن المشاركة ويصعب التنبؤ الآن بأن تظل هذه النسبة الكبيرة منهم عازفة عن المشاركة السياسية برمتها.. أم أن للانتخابات الرئاسية وقعا آخر علي هؤلاء الشباب الذي ربما تقلب مشاركته موازين المعادلة فيمن سيصل إلي قصر «قرطاج» نهاية هذا الشهر؟. السؤال الأصعب واللافت في غياب الشباب التونسي عن المشهد الانتخابي رغم وصول تونس بسلاسة إلي مرحلة الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة هو تحول الجيل الجديد للتطرف بعد أن سجلت التقارير أن أكبر عدد من الشباب في دولة عربية التحق بتنظيم «داعش» كان الشباب التونسي وهو مايحتاج قراءة متأنية وعميقة حول أسبابه. لتبقي الصورة في تونس مفتوحة وقابلة لكل قراءة حتي الآن.