للوهلة الأولي قد يظن البعض خطأً، أنه بفوز الحزب العلماني نداء تونس ب84 مقعداً أو 38% من الأصوات، متصدراً عن حزب النهضة الإسلامي الذي جاء بالمرتبة الثانية محققاً 69 مقعداً بما يعادل 31% من إجمال الأصوات وفقاً للمؤشرات الأولية غير الرسمية، تكون النهضة بذلك قد تلقت الضربة القاضية في الانتخابات البرلمانية، وفقاً لتوصيف تقارير إعلامية ومراقبون. وبالرغم من أن عمليات الفرز والإحصاء المستمرة والتى أدت إلي تغييرات بالغة الأهمية وفقاً لمصادر بالنهضة، لتصبح النتيجة 82 مقعدًا لصالح نداء تونس مقابل 75 أو 76 مقعدًا لصالح النهضة، الا أنه من الضروري الإشارة إلي جملة من الأمور الهامة أولها، أن حزب نداء تونس لن يشكل الحكومة منفرداً حتي بالتحالف مع كلاً من آفاق تونس "9 مقاعد" وتحالف الجبهة الشعبية "12 مقعداً" - هي أحزاب وتحالفات مقربة من النداء – نظراً إلي أن مجموع مقاعد الأحزاب الثلاث ستكون في أحسن تقدير 104 مقعد في حين يشترط الدستور التونسي علي "موافقة أكثر من نصف أعضاء البرلمان على الأقل (109 من 217 عضوًا) على التشريعات، وعلى منح الثقة للحكومة بنسبة 51%" ثانياً يحتاج النداء التونسي لتشكيل الحكومة دون مشاركة النهضة إلي تحالف يضم آفاق تونس والجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر بمجموع مقاعد بلغ 37 مقعداً، الا أن ذلك الحلف يكاد يكون مستحيلاً نظراً لاختلاف الأيدولوجيات بين الأحزاب الثلاث، بالنظر إلي أن الاتحاد الوطني الحر حزب يتبني سياسات دعم السوق الحر وهو ما يخالف ويناقض توجهات الجبهة الشعبية المتألفة من خليط من الأحزاب الشيوعية واليسارية والقومية، وأي تحالف بينهم يمثل تناقضات كارثية تحمل ضعفاً كبيراً للحكومة المقبلة. ثالثاً، يمتلك النهضة الذي سيقود غالباً المعارضة حال عد مشاركته بحكومة ائتلافية، الثلث المعطل لأي تشريعات بالبرلمان وهو ما قد يهدد بانزلاق أي حكومة مستقبلية للنداء إلي حافة الهاوية، لا سيما وأن النهضة الذي سبق وأن فاز بنسبة تتجاوز 40% في انتخابات أكتوبر 2011 لم يتمكن من تمرير مشروعه السياسي وانما ابتزه وتحكم فيه أخرون لم يكونوا بقوة النهضة اليوم، اضافة إلي أن عدداً من الأحزاب الثورية الصغيرة تري في النداء التونسي عودة لنظام بن علي، ما قد يؤدي إلي تقارب حتمي بينها وبين النهضة في الرؤي والاتجاهات والتنسيق. رابعاً، يذهب بعض المراقبين إلي أن النتيجة التي حققتها النهضة تصب في مصلحتها علي المدي الطويل، فالإسلاميون أكثر كفاءة وممارسة للأداء السياسي في ملعب المعارضة منه في ملعب الحكم، وبتصدر النداء التونسي صدارة المشهد يكون بذلك قد أخذ علي عاتقه مهمة شبه مستحيلة في دفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نحو الأفضل، وربما يكون فوزه وتصدره بداية النهاية له، ولعل فوز الاخوان بالرئاسة في مصر خير دليل.