مع التمدد السريع لتنظيم "داعش" الذي يطرح نفسه باعتباره دولة للخلافة الإسلامية، تراجع نفوذ تنظيم "القاعدة" في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع الأخير إلي استعراض قوته مجدداً في مناطق جديدة، عبر إعلانه مؤخراً إنشاء فرع جديد له في شبه القارة الهندية، ما دفع السلطات الهندية إلي إعلان حالة التأهب في عدد من الولايات، وبخاصة في ضوء تشكيل المسلمين نسبة 15% من سكان الهند، حيث يُقدر عددهم بنحو 175 مليوناً، بما يجعلهم ثالث أكبر شعب مسلم في العالم. وكان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أعلن الأسبوع الماضي، عبر مقطع فيديو، إنشاء فرع جديد للتنظيم "الإرهابي" في الهند، ونقل المركز الأمريكي لرصد المواقع الإسلامية "سايت"، إعلان الظواهري "قيام فرع جديد لجماعة قاعدة الجهاد هو جماعة قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية، سعياً لرفع علم الجهاد وعودة الحكم الإسلامي وتحكيم شريعته في ربوع شبه القارة الهندية"وإحياء الخلافة». فوبيا داعش القلق من تمدد التنظيمات الإرهابية وعلي رأسها "داعش"، داهم المنطقة وتزايدت وتيرته في الآونة الأخيرة، وهو ما بدا من تصريحات زعماء دول الخليج التي عبرت عن قلقها من تمدد مثل هذه الجماعات في المنطقة، كما عزز هجوم "داعش" علي دول خليجية، توقع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، مؤخراً قيام "داعش " بهجمات إرهابية في دول أخري علي غرار ما فعله التنظيم في العراقوسوريا، بحيث تكون السعودية والأردن من الدول المستهدفة، علي حد قوله. ولا يبدو هذا التصور بعيداً عن الواقع، في ضوء إعلان وزارة الداخلية السعودية ضبطها ثمانية سعوديين في 26 أغسطس الماضي، متهمين بالتغرير بالشبان السعوديين لدفعهم إلي الانضمام إلي المجموعات المتطرفة خارج البلاد في حين، نددت الإمارات بشدة، بالإرهاب الذي يمارسه تنظيم "داعش"، وأصدرت وزارة الخارجية بياناً، الأسبوع الماضي، قالت فيه "يشهد عالمنا في هذه الأثناء تحديات خطيرة سريعة الوتيرة وأعظمها وقعاً التحديات الإرهابية الشنيعة. التخوف من تمدد التنظيم الإرهابي لم يكن بعيداً حتي عن الولاياتالمتحدة، حيث أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده "لن ترضخ لترهيب تنظيم داعش" بعد نشر فيديو نحر ستيفن سوتلوف الصحفي الأمريكي الثاني الذي تم إعدامه بهذه الطريقة خلال الأيام الماضية. أما الاتحاد الأوروبي، فقد روعه مقتل الصحفي الأمريكي الثاني بطريقة النحر، وقال إنه "ملتزم أكثر من أي وقت مضي" بدعم الجهود الدولية لمحاربة "داعش"، وتابع الاتحاد في بيان له: "هذه الوحشية، ومثلها العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، تشكل تحديا للقيم والحقوق المعترف بها عالمياً". علي الوتيرة ذاتها، انتقل مرض "فوبيا داعش" إلي إسرائيل، التي خرجت وسائل إعلامها مؤخراً لتقول إن إسرائيل "تراقب بحذر من دون فزع التطورات علي حدودها مع سوريا"، وخصوصاً بعد ظهور "جيران جُدد" لها، حيث سيطرت "جبهة النصرة" علي مسافة أمتار من الشريط الحدودي، كما تصدرت أخبار "داعش" الصحف الإسرائيلية للمرة الأولي، بعد إعدام "داعش" للصحفي الأمريكي الثاني صاحب الأصول اليهودية. تصريحات حمقاء إلي ذلك، وصف جهاديون سابقون وخبراء في شئون الحركات الإسلامية، تصريحات الظواهري الأخيرة بالحمقاء، مؤكدين أن الفشل الذريع الذي مني به تنظيم "الإخوان" كان سبباً وراء نشاط المجموعات الجهادية مثل "داعش". وعلق زعيم تنظيم الجهاد سابقاً، نبيل نعيم علي بيان الظواهري قائلاً: علينا أن ندرس هذا البيان جيداً بالعقل والمنطق، فالظواهري قال إن الفرع الجديد للتنظيم في الهند هدفه إقامة الخلافة الإسلامية، وأنا بدوري أسأله هل أقامت القاعدة الخلافة في سوريا أو العراق أو ليبيا؟ وأضاف نعيم في تصريحات ل"آخرساعة": الظواهري يخطط لإنزال البلاء بالمسلمين وهو مخطط أجنبي، فلن يفعل في الهند غير جلب النكبات للأقليات المسلمة هناك وسيخلق مبرراً لقتل وإبادة المسلمين، مثلما فعلوا من قبل في الصين حين تم تسليح المسلمين في إقليم "سيانج يانج" (تركستان الشرقية)، فما كان من السلطات الصينية سوي التنكيل بهم وقتلهم، لذا فإن ما أطلقه الظواهري أخيراً في هذا الفيديو هو تصريحات حمقاء يعاون بها الاستعمار وأعداء الإسلام. ولفت نعيم إلي أن "داعش" لم تحقق أي نجاحات لأنها تتمدد في "اللادولة"، فالمناطق التي يتواجد فيها التنظيم حالياً غابت فيها الدولة سواء في سوريا أو العراق، بينما مناطق في سوريا تسيطر عليها الحكومة وتتمسك بها مثل دمشق واللاذقية، لا تستطيع "داعش" الاقتراب منها، لأنها تتمدد فقط في الأماكن الرخوة، وهذا يرجع إلي عوامل إقليمية في العراقوسوريا غير متوافرة لبعض الدول. واعتبر زعيم تنظيم الجهاد سابقاً أن الهدف وراء تكرار إعلان خلافات إسلامية في العراق والشام وكذا في نيجيريا والآن في الهند، هو دغدغة لمشاعر الشباب المسلم الناقم علي الحياة الأوروبية، وهذا ما يطلق عليه في الإسلام "جهاد الهلكة"، واصفاً أيمن الظواهري ب"إمام الهلكة". في السياق، قال خبير الحركات الإسلامية أحمد بان إن الظواهري أحد أهم مخططي "القاعدة"، وما بدا أنه شكل من أشكال الخلاف مع أبوبكر البغدادي "زعيم داعش"، كان تكتيكاً لجأ إليه الظواهري ليصرف الأنظار عن تنظيم "القاعدة" لحساب "داعش". وأضاف بان في تصريحات ل"آخرساعة": إعلان الظواهري عن فرع جديد للقاعدة في الهند يراد من خلاله إشعار خصوم الخلافة الإسلامية "داعش" بقوة التنظيم وتجذره علي امتداد القارة الآسيوية كلها، وكذا إشعار العالم الغربي بأنه أمام إمبراطورية جديدة، في ضوء ما حققته "داعش" من بسط لنفوذها في العراقوسوريا، وهذا الشعور بالقوة ربما يحفز علي مزيد من إعلان الخلافة في مناطق أخري حول العالم، ودغدغة مشاعر المسلمين وبخاصة الشباب لدفعهم للانضمام إلي صفوف هذه التنظيمات في ضوء حالة التمدد للإمبراطورية الإسلامية كما كانت عليه في السابق. واعتبر بان أن السبب وراء هذا التمدد للفكرة سببه ضعف الدولة القومية، مؤكداً أنه كلما ضعفت وفشلت الدولة القومية في تحقيق طوحات أبنائها، تمددت مثل هذه الحركات في وعي المؤمنين بها، حتي لو لم تحرز تقدماً حقيقياً علي الأرض، مشيراً إلي أن المجموعات الجهادية تأخرت في مرحلة، علي أمل وصول "الإخوان" إلي السلطة وتغيير قواعد اللعبة، لكن عندما فشلت "الجماعة" في الحكم مثلما رأينا، بدأت الجماعات الجهادية في الظهور مُجددا ً.