وسط حالة الجدل الدائر حالياً في أعقاب القرار الحكومي الصادر الأسبوع الماضي برفع الدعم عن المواد البترولية، رحبت قطاعات شعبية عريضة بالقرار الجمهوري بقانون، الذي وضع حداً أقصي للأجور لا يتجاوز 42 ألف جنيه شهرياً لجميع العاملين في الجهاز الإداري للدولة، كونه يصب بالأساس في صالح تلبية المطلب الشعبي لتحقيق العدالة الاجتماعية، ذلك المبدأ الذي نادت به ثورة يناير 2012 ومن بعدها ثورة 30 يونيو العام الماضي. «الحد الأقصي» لم يستثن أي جهة بما في ذلك البنوك، ما فتح باب جدل جديدا بشأن إمكانية تطبيق القرار علي القطاع المصرفي، في ظل ما يتردد عن تقاضي بعض رؤساء البنوك نحو نصف مليون جنيه شهرياً. «آخر ساعة» استطلعت آراء خبراء البنوك بشأن القرار الجديد في سياق التحقيق التالي. تضمن نص القرار الجمهوري بقانون الحد الأقصي للأجور أنه لا يجوز أن يزيد علي خمسة وثلاثين مثل الحد الأدني، وبما لا يجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه شهريا صافي الدخل الذي يتقاضاه من أموال الدولة أو من أموال الهيئات والشركات التابعة لها أو الشركات التي تساهم هذه الجهات في رأسمالها أي شخص من العاملين بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والأجهزة التي لها موازنات خاصة بها والهيئات العامة والقومية الاقتصادية والخدمية. هشام رامز محافظ البنك المركزي المصري، أكد أنه سيتم تطبيق الحد الأقصي للأجور علي العاملين في البنك المركزي المصري والبنوك العامة والمملوكة للدولة، بدءاً من رواتب شهر يوليو الجاري، وأضاف أن كل من يعمل في البنك المركزي والبنوك العامة والمملوكة للدولة ويتجاوز إجمالي دخله الشهري 42 ألف جنيه سوف يخفض بنهاية الشهر الجاري إلي هذا الحد. وتضم قائمة البنوك التي سيطبق عليها الحد الأقصي للأجور، البنك المركزي المصري، وبنوك «الأهلي»، و«مصر» و»القاهرة» و«التنمية والائتمان الزراعي» و«الاستثمار العربي» و«الاستثمار القومي» و«التنمية الصناعية» و«العمال المصري» و«العقاري المصري العربي»، و»التعمير والإسكان». في حين يقول إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك «مصر إيران» إن الهدف من تطبيق الحد الأقصي ضبط إيقاع الرواتب، التي تشهد تفاوتاً كبيراً، كما أن هناك مبالغ إضافية ليست تحت بند الرواتب، والحد الأقصي القصد منه المعالجة ولو جزئيا لعجز الموازنة العامة للدولة، وعلينا أن ننتظر ونري النتائج، فهذا أحد أساليب مواجهة عجز الموازنة، وهناك أساليب أخري لها الأثر ذاته، والتجربة مازالت في البداية، وإذا تطلبت تصحيحاً ستكون هناك إجراءات. وقلّل محافظ البنك المركزي الأسبق من افتراضية يرددها البعض مفادها أن تطبيق الحد الأقصي سيؤدي إلي هجرة الخبرات المصرفية من البنوك العامة، مؤكداً أن مصر ولادة وقادرة علي إيجاد كفاءات جديدة، وهذا يدفع إلي التنافس للوصول إلي المناصب القيادية العليا، فالحد الأقصي ينطبق علي البنوك العامة، مثل «الأهلي» و»مصر» و»البنك الزراعي» و»البنك العقاري» و«القاهرة» و«المصرف المتحد»، كونها مملوكة بالكامل للقطاع الحكومي، بينما البنوك الخاصة لا تخضع لهذا القانون، لأن أرباحها توجه إلي المساهمين وليس للموازنة العامة. ملتزمون بالقرار بوادر الالتزام بتطبيق القرار بدت واضحة وجاءت علي لسان عدد من رؤساء البنوك، ومن بين هؤلاء هشام عكاشة رئيس «البنك الأهلي المصري»، الذي قال إن البنك الأهلي والبنوك المصرية ملتزمة بأي قوانين تصدر، موضحاً: «التزمنا بتطبيق قانون الحد الأقصي 35 ضعف الحد الأدني، وتلتزم البنوك بالقانون الجديد الذي ينص علي أن الحد الأقصي 42 ألف جنيه». وتابع: الجهاز المصرفي هو القطاع الوحيد الذي لديه إفصاح عن الميزانيات والبيانات لمتوسط أكبر 20 دخلا في البنك الذي يدور حول 80 ألف جنيه شهريا، وفقا للإفصاح المعتمد من الجهاز المركزي للمحاسبات، وتطبيق القانون لن يؤثر علي أداء البنوك باعتبار أن هذا يأتي في إطار هيكلة جداول الأجور في الدولة، وأن المستهدف هو تحقيق نتائج إيجابية في قطاعات الدولة كافة، بما يُحسِّن من رواتب جميع العاملين في الدولة، فحين تنهض البلاد وتتجاوز أزمتها الراهنة سينعكس ذلك بالتأكيد علي مستوي المعيشة وبالتالي سيتحسن بند الأجور مستقبلا وهذا هو المستهدف. علي الوتيرة ذاتها، قال محمد بركات رئيس «بنك مصر» إن البنك ملتزم بتطبيق الحد الأقصي «35 ضعفاً» اعتبارا من 1/1/2012 والبنك ملتزم بأي قوانين جديدة كما يلتزم البنك بقانون الحد الأقصي «42 ألف جنيه»، في إطار المسئولية الوطنية، والبنك ملتزم بالإفصاح عن أكبر 20 دخلا في الميزانية المعتمدة من الجهاز المركزي للمحاسبات، والذي يصل إلي 81 ألف جنيه شهرياً.. هذه المبالغ لدخل أكبر 20 قيادة بالبنك بمن فيهم رئيس البنك. فيما أشار الدكتور حافظ الغندور المدير العام وعضو مجلس إدارة البنك الأهلي سابقا، إلي أن الوضع الراهن من حيث إننا دولة تعاني أزمة اقتصادية، يتطلب أن تكون القواعد عادلة وشفافة، والحد الأقصي لا يستثني أحداً سواء البنوك أو البترول، ونتذكر في هذا السياق الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حين طبّق التأميم سري ذلك علي كل قطاعات الدولة، لذلك كانت أنجح خطة التي تمت منذ عام 1961 1965 ومن هنا أري أن الحد الأقصي لابد أن يطبق ومن يري أن ثمنه أكثر وعنده فرصة أخري وجهة تدفع أكثر يذهب إليها، أما التلويح بأن البنوك ستتعرض لنزوح الخبرات والكفاءات فهذا كلام غير واقعي.. وهنا يتعين أن أذكر أن البنوك العامة لم تحقق ميزانياتها أي خسائر.. والخبرات التي يتحدثون عنها لم تحقق مكاسب للبنوك علي حد زعمهم.. وكل ما هناك أنهم قاموا ببيع وتدوير المحافظ، وباعوها لشركة مملوكة بالكامل للدولة (بيع صوري)، فالعدالة يجب أن تطبق علي الجميع، ولا استثناء لأحد سواء الاتصالات أو البنوك أو القضاء.. فالحد الأقصي لابد أن يطبق علي جميع الفئات مثل الحد الأدني، ومصر لن تنضب من الخبراء والمتخصصين الوطنيين. الإصلاحات المصرفية ويبدو أن الجدل الدائر حاليا حول الإصلاحات المصرفية التي تمت مع مطلع الألفية الجديدة، وتحديدا منذ العام 2003 وشملت الاستعانة بقيادات مصرفية من خارج بنوك القطاع العام، وحصولهم علي رواتب كبيرة، هذا الجدل سيظل مستمرا، والحكاية تبدأ كما يرويها أشرف بيبرس المدير العام للموارد البشرية ببنك بريوس سابقا، بأن بنوك القطاع العام منذ تأميمها في الستينيات كانت تدار بنظام القطاع العام، ولم يكن هناك أي شطحات فيما يتعلق بالرواتب، لأن المناصب القيادية كان يتولاها العاملون في هذه البنوك وتدرج في الدرجات الوظيفية ويتقاضون الرواتب وفق النظام المعمول به في هذه البنوك. يتابع: بعد ذلك في العام 2003 ومع برنامج الإصلاحات المصرفية الذي قاده الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي السابق، بدأ الاستعانة في بنوك القطاع العام برؤساء من بنوك القطاع الخاص، وتولي قيادة هذه البنوك رؤساء جاءوا من «سيتي بنك»، وبنك أوف أمريكا، والبنك المصري الأمريكي، وبعض هذه القيادات مستمر حتي الآن، وتم تمويل رواتب رؤساء البنوك من صندوق في البنك المركزي تأتي موارده من المعونة الأمريكية، واستمر هذا النظام لفترة، وبدأت البنوك تحقق أرباحا وتسدد رواتب قياداتها من الميزانيات. الآن حين يتم تطبيق الحد الأقصي علي القيادات المصرفية ب42 ألف جنيه، أتصور أن هناك حوارا بين قيادات تلك البنوك وهشام رامز محافظ البنك المركزي حول الوصول إلي صيغة، خاصة أن القضية لا تتعلق فقط برؤساء البنوك، لكن بكوادر تركت بنوكا دولية وجاءت لتعمل في مصر، فالتأثير لن يكون علي رأس المؤسسة فهناك مستويات وظيفية أقل يتم الاستعانة بها ستتضرر أيضا من القرار. ويقول محمد كفافي رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للاستعلام الائتماني إن الجهاز المصرفي كان قائما بذاته، وكانت البنوك العامة تحقق أرباحا وتسددها للمالك (وزارة المالية) بخلاف الضرائب، والموقف الآن محرج للقيادات المصرفية التي جاءت من القطاع الخاص، والظرف التاريخي الراهن يحتم عليهم الاستمرار في موقعهم لا أن يتركوا البنوك، وأتصور أن تعويضهم يأتي من خلال حصولهم علي الأرباح التي تحققها البنوك بفضل خبراتهم، وهذا يحفزهم للعمل والاستمرار. العدالة الاجتماعية وتري الدكتورة أ منية حلمي الخبيرة الاقتصادية بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الفكرة في الحدين الأقصي والأدني ألا ينطوي هيكل الأجور في القطاع الحكومي علي تفاوت بين العاملين في القطاعات المختلفة، فالمطلوب تحقيق العدالة الاجتماعية، وفي الوقت ذاته تشجيع الكفاءات والخبرات واستمرار الحافز علي العمل والإنتاج، بالإضافة إلي أن يتناسب ذلك مع مستويات المعيشة وتكلفتها، فالمطلوب تحقيق المواءمة بين كل تلك الاعتبارات. وقد قام المركز المصري للدراسات الاقتصادية بعمل دراسة عن القطاع المصرفي في مصر، وثبت من الدراسة أن أداء الجهاز المصرفي جيد، وكان القطاع المصرفي من أفضل القطاعات التي جاء أداؤها جيدا.. وفكرة الحد الأقصي في البنوك، لابد أن تراعي عدم طرد الكفاءات وتحقيق التوازن والشفافية بحيث أن يكون ما يتقاضاه رئيس البنك يتناسب مع القيادات التي وراءه مباشرة ولا يكون هناك تفاوت.. فمن غير المستحب أن يكون التفاوت داخل البنوك يثير حفيظة العاملين داخل البنوك ذاتها، وهذا يحتاج إلي دراسة وافية داخليا.. وهذا يتطلب عمل دراسة وافية لهياكل الأجور داخل القطاع المصرفي، بما يحافظ علي الكفاءات. أيضا يتعين مراعاة المنافسة بين البنوك العامة والبنوك الخاصة، إلي جانب المنافسة مع بنوك الخليج.. وهنا يتعين أن نؤكد أن أداء البنوك المصرية كان مميزا خلال السنوات الماضية خاصة في مجال الاستقرار في سعر الصرف ومواجهة الأزمة المالية العالمية وتوفير التمويل للواردات. وأتصور أن تطبيق الحد الأقصي بالبنوك يتعين أن تتولاه لجنة مستقلة من خارج الجهاز المصرفي ممثل بها بعض أعضاء الجهاز المصرفي من ذوي الخبرة، تعاون محافظ البنك المركزي، لتكون هناك حيادية وعدم تعارض في المصالح ولتلافي الحرج للحفاظ علي الكفاءات والأداء المميز للجهاز المصرفي.