رايس وباور.. ثقة بلا حدود "ابحث عن المرأة.. أو فتش عنها" مقولة فرنسية شهيرة وردت بنصها في مسرحية الكاتب الفرنسي "ألكسندر دوما".. عبارة اعتدنا سماعها ويرددها البعض عندما تلحق بالرجل كارثة أو مصيبة تكاد تقضي عليه وربما يضر بسببها العالم إذا كانت تتعلق بشخصية سياسية بارزة، حينها يتأكد أن وراءها امرأة. فلاشك أن للمرأة دوراً كبيراً في حياة الرجل، أحياناً كثيرة تكون هي المحرك للأمور من وراء الستار، إن اتفقن علي شيء فعلن؛ فإن كيدهن عظيم. وقد أكدت هذه المقولة نساء الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما، فهن أقرب مثل لهذه النظرية.. فمثلاً جاء تأييد الرئيس الأمريكي للتدخل العسكري في ليبيا والنتائج التي ترتبت عليه فقط تحت ضغط من الثلاثي هيلاري كلينتون وسوزان رايس وسامانثا باور.. وموافقة نانسي بيلوسي علي شن ضربة تجاه سوريا.. هذا بالإضافة إلي قانون الرعاية الصحية الذي أغضب الأمريكيين كانت وراءه كاثلين سيبيليوس وزيرة الصحة وغيرهن. وجه أوباما خطاب حالة الاتحاد الأسبوع الماضي في جلسة مشتركة للكونجرس أمام الكابيتول هيل، كمحاولة لتحسين صورته بعد تراجع شعبيته لإخفاقه في العديد من الملفات الداخلية والخارجية. فليس من قبيل المصادفة أن أغلب الأزمات التي عصفت بأوباما خلال حكمه داخل البيت الأبيض وحتي الآن كانت المرأة ضلعا أساسيا بها، فكان 50٪ من فريق عمله مؤلفا من نساء. حيث نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريراً يوضح إخفاقات السياسة الخارجية لإدارته خلال فترة ولايته الأولي وخلال العام الأول لولايته الثانية، التي وصفتها الصحيفة ب"الكارثة" لدبلوماسية الولاياتالمتحدة. حيث كان أداؤها "رديئا" علي نحو غير عادي حيال اضطرابات الربيع العربي بالشرق الأوسط، كما أن السياسة الأمريكية الخارجية شهدت تغيراً سلبياً حاداً تجاه مصر، خاصة عندما اتخذت قرارها بتقليص المساعدات العسكرية لمصر، ما أدي إلي خسارة واشنطن الكثير. وكانت للسفيرة الأمريكية السابقة "آن باترسون" لدي مصر يد في ذلك، حيث كان لها رؤية خاصة، دفعت بالإدارة الأمريكية أن تأتي بها إلي مصر بعد ثورة يناير بدلاً من مارجريت سكوبي. وكشفت "MSNBC" المحطة الإخبارية الأمريكية، تقريراً عن "أسرار سلاح أوباما السري لمصر" الذي أوضح خطوات باترسون لتحويل مصر للسيناريو الباكستاني، خاصة بعد أن وضعت يدها في يد تنظيم الإخوان المسلمين داعمة لهم لتحقيق الحلم الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير" بدعم فكرة قيام كيان بديل له. إلا أن خططهم فشلت واستطاع المصريون إسقاط المخطط الأمريكي والإطاحة بمحمد مرسي وجماعته الإرهابية. وبات هناك حالة من الرفض العارم لدي الشعب المصري أولاً لوجود السفيرة الأمريكية في مصر، من ثم زاد غضب المصريين تجاه واشنطن وأوباما. ويأتي بعد ذلك حجر العثرة الثاني الذي أضر بأوباما، وهو قرار التدخل العسكري في ليبيا. وذكر الكاتب الأمريكي روبرت دريفوس في مقال له نشرته مجلة The Nation الأمريكية عام 2011 أن ثلاثا لعبن دوراً مهماً في الدفع للتدخل العسكري في ليبيا، وهن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وسوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي، وسامانثا باور الممثلة الدائمة للولايات المتحدةالأمريكية لدي هيئة الأممالمتحدة؛ وتغلبت النساء الثلاث علي أصوات معارضة لشن ضربة عسكرية علي ليبيا جاءت من مسئولين كبار مثل وزير الدفاع روبرت جيتس ومستشار الأمن توماس دونيلون ومستشار مكافحة الإرهاب جون برينان. وساندت إدارة أوباما قرار مجلس الأمن رقم 1973 بفرض منطقة حظر جوي علي ليبيا في مارس 2011. وكان لرايس دور رئيسي في شن حملة عسكرية علي ليبيا وكانت تصريحات رايس الأشد والأعنف من بين كل التصريحات التي صدرت عن مسئولين بالإدارة الأمريكية حول الوضع الليبي. وحينها أيد أوباما التدخل العسكري في ليبيا تحت ضغط من هؤلاء. وذكر دريفوس أن النساء الثلاث من أنصار حرية التدخل في شئون الدول الأخري، وأنهن يعتقدن بأنه عندما تمارس الولاياتالمتحدة استخدام القوة العسكرية، فإن ذلك يترك تأثيراً إيجابياً بشأن قوتها. واستشهد الكاتب بما نشره العديد من الصحف الأمريكية من تقارير كشفت كيف أن كلينتون ورايس وباور قمن بجهد ملحوظ علي طريق دفع أوباما نحو هذا الخيار.. ويعرف عن سوزان رايس أنها من أكثر الديمقراطيين دعما للتدخل العسكري في أفريقيا، فهي التي حرضت علي الغزو الإثيوبي للصومال عام 2006. وكتب ديفيد روس في مجلة "فانيتي فير" أن عداء رايس للحكومة العسكرية الإسلامية في السودان شديد إلي درجة أنها ترفض التعاون معها حتي في مجالات تفيد الولاياتالمتحدة. حيث اعتبرت من أكثر الشخصيات المحيطة بأوباما معارضة للنظام السوداني، ودعت إبان توليها منصب سفيرة واشنطن في الأممالمتحدة إلي بذل جهود فعالة لدعم الانتشار الكامل للقوة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة في إقليم دارفور. أما فيما يخص الأزمة السورية، فقررت رايس حينها أنها لن تنتظر دول مجلس الأمن لاتخاذ موقف النظام السوري، وأعلنت عن استمرار الضغط علي نظام الأسد إلي جانب دعم المعارضة السورية. ووافقت نانسي بيولسي، زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، علي القرار الذي كان يناقشة الكونجرس ولم يتخذ قراراً بعد، بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا. أوضحت بيولسي، في تصريح للإعلام الأمريكي، أنه لابد أن يعرف النواب أن الضربة العسكرية ضرورية، ومن المهم أن يعرفوا أن أسلحة الدمار الشامل قد أخذت الإدارة الأمريكية إلي مكان مختلف، وأن أي رئيس آخر يجب ألا يقبل بغير ذلك. وأكدت وقتها أن هذه العملية العسكرية ستكون قصيرة ومحدودة وستبعث بالرسالة الضرورية. وتزامن مع خطاب أوباما للشعب الأمريكي، أعلنت كلينتون عن أسفها فيما يخص الهجوم المميت علي القنصلية في مدينة بنغازي الليبية. وقالت إن خسارة أمريكيين مأساة رهيبة. وكانت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية قد علقت في وقت سابق علي التقارير التي كشفت عن أن إدارة أوباما قامت بإخفاء تفاصيل تتعلق بالهجوم علي القنصلية الأمريكية، وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت تلك المعلومات قد تصبح أشبه بفضيحة ووترجيت الخاصة بإدارة الرئيس أوباما. وذكرت تقارير إخبارية أن مذكرات بشأن الحادث عدلت لإسقاط الإشارة إلي تحذير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من تهديد لتنظيم القاعدة، حيث سبقه بنحو 18 ساعة ظهور الظواهري في أحد الفيديوهات متوعدا بشن هجمات ضد أمريكيين في ليبيا في ذكري هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ونشرت صحيفة "USA Today" الأمريكية مقالاً عن تقرير داخلي لوزارة الخارجية الأمريكية يتضمن اتهامات لأخطاء ارتكبت حيال البعثة الديبلوماسية الأمريكية في بنغازي بليبيا. وتضمنت الاتهامات الأخطاء بالتحديد في الفترة التي سبقت التفجير، حيث إن بعضا من المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية إلي جانب كلينتون وافقوا علي سحب بعض من المعدات والطاقم الأمني في بنغازي علي الرغم من تزايد الخطر في المنطقة المحيطة بالسفارة، ومع ذلك لم يتوقف السحب لأفراد من الطاقم الأمني. وأشار التقرير أيضاً إلي رسالة تحمل توقيع كلينتون مرسلة من السفير الأمريكي في ليبيا "جين كرتز" يطلب فيها إرسال مزيد من الدعم إلي محيط السفارة في ذلك الوقت ومع ذلك لم تتوقف عملية السحب. وأقرت كلينتون بمسؤوليتها عن الأخطاء التي سببت الهجوم علي القنصلية. وعلي الصعيد الداخلي، جاء إخفاق الملايين من الأمريكيين في تسجيل بياناتهم عبر الإنترنت، للاشتراك في برنامج الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، الذي يدعمه الرئيس الأمريكي، أهم حدث في أجندة الولاياتالمتحدة لعام 2013، وقد أدي الجدل الواسع حول مدي جدوي هذا البرنامج بين الجمهوريين، والديمقراطيين إلي خلافات حادة داخل الكونجرس هذا العام، وكان من نتاجه تشبث الجمهوريين بتخفيض الإنفاق العام، وهو ما عطل تمرير الموازنة الأمريكية في موعدها في الأول من أكتوبر، الأمر الذي أدي إلي إغلاق المؤسسات الحكومية لمدة 16 يوماً للمرة الأولي منذ عام 1996. ومثلما كانت إخفاقات إدارة أوباما بسبب امرأة، كان نجاحه وراءه امرأة عظيمة مثل زوجته ميشيل أوباما، التي تحظي بشعبية أكثر منه، والتي وقفت بجانبه منذ أن كان سيناتور في الكونجرس ومروراً بانتخابات الرئاسة عام 2008 ووقوفها إلي جانبه في انتخابات الولاية الثانية عام 2012 حتي جلبت له حسن الحظ وكسب قلوب الأمريكيين.. لذا دائماً فتش عن المرأة.