٫ في غضون الأسابيع وربما الأيام القليلة المقبلة، تتضح الرؤية النهائية حول الجدل المثار بشأن إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الانتخابات الرئاسية، والالتزام ببنود خارطة الطريق، أو العكس بحيث تسبق "الرئاسية" "البرلمانية"، بما يعطي قدرة أكبر لاستقرار البلاد، نظراً لما تشهده الانتخابات البرلمانية من انقسامات ومشاحنات وتكتلات قد تعوق فرص حدوث حالة من التوافق الوطني بين مختلف القوي السياسية. خارطة الطريق التي توافقت عليها القوي الثورية في 30 يونيو، والتي أُعلن عنها في 3 يوليو، تقتضي بإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً ثم الرئاسية عقب إقرار الدستور، إلا أن بعض القوي مارست ضغوطاً سياسية للتبكير بإجراء الانتخابات الرئاسية، وتغيير خارطة المستقبل. المواد الدستورية، التي فوضت رئيس الجمهورية، المستشار عدلي منصور، في تحديد نوع الانتخابات المقبلة عقب إقرار مشروع الدستور، والتي منحت الرئيس في ظل غياب المجلس التشريعي، حق تحديد توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وطبيعة وشكل النظام الانتخابي، ربما كانت سبباً في الجدل الذي يعتري المشهد السياسي الراهن، والانقسام بين القوي السياسية حول الانتخابات المقبلة إذا كانت رئاسية أم برلمانية، حيث بات الجميع ينتظر كلمة الحسم التي سينطق بها ديوان رئيس الجمهورية. المؤشرات شبه النهائية، تؤكد أن الانتخابات الرئاسية ستسبق الانتخابات البرلمانية في تغيير متعمد لمعالم وبنود خارطة الطريق، باعتبار أن الانتخابات البرلمانية ستقسم الشعب في هذه المرحلة، وهو ما يعطي أهمية لإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً كونها أسهل وأيسر، ويمكن إجراؤها خلال شهر أو شهرين لكي يتعامل الناس مع رئيس منتخب، ثم يتم إجراء الانتخابات البرلمانية بعد تولي مقاليد الرئاسة لرئيس جمهورية منتخب، يقود البلاد خلال تلك الفترة الحرجة. الاجتماع الأخير، الذي عقده نحو 60 من القطاعات السياسية والأهلية المختلفة، أظهر حالة من التوافق نحو إقرار تغيير بنود خارطة الطريق والبدء بإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً قبل البرلمانية، حيث كشف أحد المشاركين بالاجتماع ل"آخر ساعة"، أن الرئيس منصور أجري استطلاعاً للرأي بين المشاركين بالاجتماع حول التبكير بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية لتسبق البرلمانية، فحصل مقترح الانتخابات "الرئاسية أولاً" علي 33 صوتاً، فيما حظي مقترح "البرلمانية أولاً بموافقة 14 صوتاً، وجاء مقترح إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً أخيراً ب"6 أصوات". بحسب بيان رئاسي، فقد حرص الرئيس منصور علي الاستماع لموقف كل مشارك من مسألة أسبقية الانعقاد فيما بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فضلا عن طبيعة قانون الانتخابات المقرر إصداره عقب إقرار الدستور. ليست مقدسة الرئيس منصور، أكد خلال الاجتماع أن خارطة الطريق "ليست مقدسة"، رغم أنها حظيت بتوافق القوي الوطنية والشعبية، ذلك ما أكده ممثل جبهة 30 يونيو، عضو ائتلاف شباب الثورة، تامر القاضي، موضحاً أن الرئيس منصور أعلن عقد حوارات مكثفة خلال الفترة المقبلة مع رؤساء أحزاب وشخصيات عامة، لاستطلاع مواقفهم من خارطة الطريق، ونظام الانتخابات البرلمانية، مشيراً لضرورة احترام دولة القانون في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة. وكشف القاضي، أن الرئيس أبدي استعداد مؤسسة الرئاسة لفتح باب الرقابة الدولية علي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لأنها تدعم الثقة الدولية في الحكومة، لافتاً إلي أن أغلب شباب الثورة طالبوا الرئيس بسرعة إنهاء المرحلة الانتقالية، وإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، حفاظاً علي وحدة وتكتل قوي ثورة 30 يونيو، ومنع إراقة الدماء المتوقعة في حال إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، بفعل جرائم ومخططات جماعة الإخوان (المحظورة). أعقب الاجتماع مباشرة، تأكيدات بأن مؤسسة الرئاسة ستجري جلسات استماع لقانونيين وسياسيين، لحسم إجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أولاً، علي لسان المستشار علي عوض، مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية، والذي أوضح أن الرئيس عدلي منصور سيتخذ القرار بشأن ذلك عقب إجراء الاستفتاء علي الدستور مباشرة في يناير المقبل، في حال موافقة الشعب علي الدستور، مشيراً إلي أن حسم شكل ونظام الانتخابات البرلمانية المقبلة، سيتم بناء علي حوار وصفه بالواسع بين مختلف القوي السياسية ليأتي ملبياً لرغبة الجميع. مسودة دستور 2013 وفقاً للدكتور عمرو الشوبكي، مقرر لجنة نظام الحكم بلجنة الخمسين، تركت الباب مفتوحاً لرئيس الجمهورية، لتحديد أي الانتخابات تجري أولاً، وفقاً للمادة الانتقالية الخاصة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيراً إلي أنه حال حدوث ظروف قهرية أمنية وسياسية فيمكن إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، لافتا إلي أن طرح إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً مرهون بحسابات سياسية، وأنه لو توافقت غالبية القوي السياسية علي إجرائها، فلن يعارض أحد ذلك. مقرر لجنة نظام الحكم بلجنة الخمسين، أوضح أنه لو استدعت الأمور التوافق من جديد لتعديل خارطة الطريق، فمن الممكن إعادة النظر، لأنها "ليست مقدسة"، مؤكداً أنه يؤيد إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها ثم الرئاسية تطبيقاً لخارطة الطريق، ولافتاً لصعوبة فكرة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً، معللاً ذلك بأن المصريين لم يتعودوا علي مثل هذه الانتخابات، كما أنه لم يتم إجماع معظم القوي السياسية عليها. ويبدو أن التوافق داخل لجنة الخمسين، حول إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، كان جيداً، غير أن لغزاً غير مفهوم جعلنا نفاجأ بعدم النص علي ذلك ضمن مواده النهائية، وتركوا لنا الباب مفتوحاً ليختار رئيس الجمهورية الأفضل، والدليل علي توافق لجنة الخمسين بشأن إقرار إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، هو تطابق حديث القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، ونائب رئيس لجنة الخمسين، الدكتور كمال الهلباوي، مع حديث مقرر لجنة نظام الحكم، عمرو الشوبكي، فأكد الأخير أهمية تقديم الانتخابات الرئاسية علي الانتخابات البرلمانية، تجنباً للخلافات التي يمكن أن تتسبب فيها الانتخابات البرلمانية. حملة التيار واستغل التيار الشعبي المصري، برئاسة المرشح الرئاسي بالانتخابات السابقة، حمدين صباحي، مسألة فتح الباب أمام احتمالات إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، ليعلن عن تدشين حملة جمع توقيعات تدعو لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. وبدأ التيار الشعبي اتصالات بعدد من قيادات، ورموز القوي السياسية، والوطنية، والشخصيات العامة، والقيادات الشبابية، لجمع توقيعاتهم علي بيان يدعو الرئيس المؤقت، عدلي منصور، لإعلان إجراء الانتخابات الرئاسية، عقب الانتهاء من الاستفتاء علي الدستور وقبل الانتخابات البرلمانية. فقهاء القانون وخبراء الدستور، أكدوا أن الدستور الجديد للبلاد منح رئيس الجمهورية الحالي سلطة الاختيار ما بين إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، أو البرلمانية، غير أن آراءهم تباينت بشأن أيهما يجري أولاً، فبينما رأي البعض ضرورة إجراء انتخاب مجلس النواب لتأسيس مؤسسات الدولة، رأي آخرون أن انتخابات الرئاسة أولاً تحد من تأثير نواب البرلمان علي هوية الرئيس المقبل، والرأي الأخير يعبر عنه الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، مؤكداً أنه ليس بالضرورة بعد الاستفتاء علي الدستور الالتزام بخارطة الطريق التي تنص علي إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، لأن الدستور هو الحاكم، وبالتالي الأحكام الانتقالية في الدستور ستكون واضحة وعليه يتم تحديد أي من الانتخابات أولاً سواء الرئاسية أو البرلمانية، خاصة أن هذه الأحكام لم تحدد أي من الانتخابات ستجري أولاً، بل حددت أن إحداهما بعد 3 شهور، والثانية بعد 6 أشهر. جحر الرئاسية علي النقيض، ومتبنياً لوجهة نظر الالتزام بإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، والالتزام ببنود خارطة الطريق كاملة، جاءت تصريحات الفقيه القانوني، الدكتور أبو العلا النمر، رئيس قسم القانون الدولي بجامعة عين شمس، والذي رفض فكرة إجراء انتخابات الرئاسة قبل مجلس النواب، قائلاً: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين"، مشيراً إلي أن إجراء انتخابات برلمانية أولاً، يضفي نوعاً من الاطمئنان لدي المواطن، ويجعل هناك تجانساً واضحاً بين السلطات. وسياسياً خلت قائمة المعارضين لفكرة إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً من مختلف القوي السياسية والحركات الثورية والشبابية، باستثناء حزب النور، وحركة 6 إبريل، الأول أكد تمسكه باستكمال خارطة الطريق دون أي تغييرات، وإجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، رافضاً أي تعديل يطرأ بشأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وشدد علي لسان عضو مجلسه الرئاسي، الدكتور شعبان عبدالعليم، إلي أنه يأمل أن تتم الانتخابات البرلمانية أولاً، والالتزام بخارطة الطريق في وجود المستشار عدلي منصور الذي يعتبر رئيساً مستقلاً ليس محسوباً علي تيار سياسي معين. وأعلنت الثانية (حركة شباب 6 إبريل)، التي أسسها الناشط السياسي، أحمد ماهر، رفضها لإجراء انتخابات الرئاسة قبل انتخابات البرلمان، وقال عمرو علي، المنسق العام للحركة، إنه علينا التعلم من الفترة الانتقالية الأولي، وفترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، مطالباً بعدم تكرار أخطاء الماضي القريب بوضع السلطات التشريعية والرقابية في أيدي رأس السلطة التنفيذية (الرئيس) مرة أخري في غياب المؤسسة التشريعية الرقابية المنتخبة. الأفضل حالياً حركة تمرد، الأكثر شعبية وجماهيرية والأشد تأثيراً في الحشد لثورة 30 يونيو، قادت جبهة الدعوة لتعديل خريطة الطريق، والبدء بالانتخابات الرئاسية أولاً، فقالت مي وهبة، عضو اللجنة المركزية للحركة إنها حضرت لقاء الرئيس المؤقت عدلي منصور، مع كل من محمود بدر، وحسن شاهين، عضوي المكتب السياسي، ودار الحوار حول نقطتي أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، والنظام الانتخابي الذي سيتم العمل به، لافتة إلي أنها ذكرت الرئيس خلال اللقاء باجتماع سابق مع القوي الوطنية بشأن أفضلية إجراء الانتخابات الرئاسية أولا أم البرلمانية، وكانت وجهة النظر أن البرلمانية أولاً أفضل، أما الآن فإن الموقف يحتم إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً بسبب عدم استقرار الوضع الأمني.