محاربة الدولة وأجهزتها الرقابية للفساد حقيقة ظاهرة وجلية وتؤتي ثمارها كل يوم، وعن نفسي لست مع أي فاسد بل أدين الفساد والفاسدين، وأري أنه علينا أن ننظر للوجه الآخر من القضية، فمحاربة الفساد ليست مهمة الأجهزة الرقابية وحدها، فرجال الرقابة الإدارية يقومون بواجبهم علي أكمل وجه، ولكن علينا كمواطنين ألا نقف موقف المتفرجين، كما فعل اليهود مع نبي الله موسي، عندما قالوا اذهب أنت وربك فقاتلا، فعلينا كمواطنين، أن يكون لنا دور إيجابي في محاربة الفساد، أن ننظر لما يفعله المفسدون، بعين العظة والاعتبار، ولا نكتفي بمتابعة أخبار الفساد، وما وقع من نهب للأموال، سواء بالتربح، أو غسيل للأموال، أو استغلال للنفوذ، بأن نندهش، أو نشمت، أو نسخر بمصمصة الشفاه، بل نتساءل: ماذا لو كنا مكانهم وفي نفس مواقعهم؟ ولا ننسي، قبل أن نجيب، سحر السلطة والمال، فعظمة قوة الرجال، بقدر عظمة قوة المال والسلطة، ناهيك عن أن قوة المال، كانت قبل الثورة التي أذهلت العالم، الطريق الممهد إلي دوائر السلطة، والبرلمان، وما أدراك ما في هذه الدوائر، من نفوذ، لا تقف أمامه حدود، وأن يتساءل كلٌ منا: هل أولئك الذين يتم القبض عليهم فقط هم المفسدون؟ كلا.. فالقضية أشمل، كل موظف استغل وظيفته، وفرض إتاوة علي الناس لقضاء حوائجهم، تحت أي مسمي: »إكرامية»، »حلاوة»، »بقشيش»، فهي رشوة مقنعة، شاء من يستحلها، أو لم يشأ، وهي نوع من الفساد، يرفضه الدين، أيضا التاجر الذي يرفع الأسعار دون مبرر، أو يحتكر السلع ليحصل علي الربح الوفير، أصحاب الوظائف العليا الذين يحصلون علي ما يسمي بالعمولات، أو البدلات، دون عناء، ولمجرد أنهم أصحاب النفوذ، وحتي نكون أكثر إيجابية أطرح مجرد رأي لرد المظالم، بأن يتم فتح حساب في عدد من البنوك، يضع فيه كل من يصحو ضميره، كل مال حصل عليه، دون وجه حق، كل من أخذ رشوة، أو تربح من وظيفته، وحصل علي مال حرام، كل تاجر أدرك الآن أنه أتعب الناس بما حصل عليه من أرباح مبالغ فيها، علي ألا يتم سؤال هؤلاء من أين لكم هذا، وألا يتابعهم أحد، وألا يقعوا تحت المساءلة القانونية.