خبراء اجتماع وتربية: نظام التعليم يساعد علي بناء شخصيات يسهل قيادتها الناقة: التطوير لابد أن يتم بثورة جذرية لا تعرف الترقيع عيسي: التعليم يؤدي إلي إنتاج شخصيات غير قادرة علي التفكير الإبداعي "حلوّة لا تعني حسناء..يجب الالتزام بالمنهج" هكذا صدمت مريم في صفها الابتدائي عندما اعتبرت المعلمة اجابتها خاطئة، في ظل إصرار الأخيرة علي أن معني حسناء "جميلة" فقط، وفقا لما هو مقرر في كتاب وزارة التربية والتعليم. تعكس هذه الواقعة التي ربما يدعمها القراء بوقائع من مخزون التجربة الذاتية، الفكرة الأساسية التي تزرعها منظومة التعليم في مصر بقتل روح الابتكار والخيال، بحسب خبراء تحدثوا ل "آخر ساعة"، في وقت تشهد عدة دول طفرة في مجال مناهج التعليم ترتكز علي إطلاق ملكات الإبداع في عالم يتغير بسرعة، ما قد يجيب جزئيًا عن سبب تسرب التظاهرات إلي المدرسة، فالأخيرة بعد أن فقدت دورها تفرغ طلابها إلي السياسة ونسوا العلم الذي لم يجدوه أصلا.تراجع التعليم لم يعد في حاجة لمزيد من بيان، بعدما كشف تقرير التنافسية العالمية لعام (2013-2014) الصادر عن المنتدي الاقتصادي العالمي حول أهمية الابتكار وقوة البيئات المؤسسية، أن مصر احتلت المرتبة الأخيرة من أصل 148 دولة علي مستوي العالم في مجال جودة التعليم الأساسي. بينما جاءت مصر في المرتبة 145 من أصل 148 دولة من حيث "جودة إدارة المدارس الثانوية"، وهو نفس ترتيبها فيما يتعلق ب"جودة تعليم الرياضيات والعلوم "، و"جودة النظام التعليمي" في المرحلة الثانوية. وتبدو المقارنة قاسية إذا عرفنا أن لبنان حصلت علي المركز السابع وقطر علي المرتبة الحادية عشرة في مجال جودة التعليم الأساسي، بينما جاءت إسرائيل في المرتبة 71 من التقييم ذاته، وحلت غانا في المرتبة 87 وسابقًا خرج تقرير أمريكي سنة 1983 بعنوان "أمة معرضة للخطر"، يتحدث عن تفوق طلاب ألمانيا واليابان علي نظرائهم الأمريكيين، فكان لابد من مزيد جودة في التعليم الأمريكي، فهل حان وقت دق الأجراس؟!."تطوير المناهج لابد أن يتم من خلال ثورة جذرية لا تعرف الترقيع أو الإصلاح" هكذا يري الدكتور محمود الناقة، رئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، قائلاً ل "آخر ساعة": "العملية التعليمية تنتج شخصية تابعة منقادة غير قادرة علي الإبداع أو التفكير، والأهم غياب ملكة النقد والقدرة علي النقاش وتبادل الآراء، وهو ما تراه الآن من شيوع ثقافة الآخر، لأننا لم نتعود علي ثقافة النقاش الحر في المدرسة، وتعلمنا أن الحقيقة واحدة يمتلكها المدرّس وحده، فنشأنا علي مبدأ السمع والطاعة". ويضيف الناقة: "إذا تحدثنا عن المنهج فعلينا أن نذكر بجوار الكتاب المدرسي المعيب، كلا من المعلم غير المؤهل في حالات كثيرة، والفصل الدراسي الذي ينقصه التجهيز، وجو المدرسة غير السليم بشكل عام، وغياب الأنشطة التعليمية عن معظم المدارس، فالمنتج التعليمي لا يقاس بالمناهج والكتاب المدرسي فقط، بل هو عملية أوسع من ذلك، إذ يضم المعلم القادر علي تفجير الإبداع والتفكير الحر في الطالب". ويؤكد رئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس أنّ أي قصور في جانب من تلك الجوانب المذكورة؛ يجعل من العملية التعليمية قاصرة، مضيفاً: "فما بالك عندما ينال القصور من مختلف أوجه العملية التعليمية، فكيف سيكون المنتج، وكيف سيكون شكل الطالب وطبيعة بنيته العقلية؟!". الناقة شدد علي ضرورة أن نقارن بين أنظمة التعليم في الدول المتقدمة، لنأخذ منها ما هو مناسب لنا وقابلا للتطبيق ويتفق مع رؤيتنا للتعليم، إذا ما كانت لدينا رغبة حقيقية في التقدم، ففكرة استنساخ منهج تعليم من دولة متقدمة ما وتطبيقه علي وضعنا لن يؤدي إلي شيء، فلابد أن يكون تعليمنا مصريًا عربيًا عصريًا، يفتح آفاق العقل والتفكير الحر أمام أبنائنا جميعًا". وتابع الناقة: "عندما نحقق هذه الاستراتيجية التي لا يجب أن نتأخر فيها كثيرًا، عندها سنعيد ثقة الطالب في قيمة التعليم، الذي سيبني فكر الطالب علي إخراج ما لديه من مواهب وقدرات خلاقة قد لا تكون موجودة في غيره". في السياق، قال الدكتور إبراهيم عيسي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، إن التعليم قائم علي الحفظ والتلقين والاتباع، ما يؤدي إلي إنتاج شخصيات غير قادرة علي التفكير السليم المبدع، يكبت التعبيرات الكامنة داخله غير مستطيع أن يخرجها في شكل عمل إبداعي، فالعملية التعليمية لا تقوم علي الإبداع والتأويل، وهي عناصر أساسية للحفاظ علي الصحة النفسية للطالب. ويضيف عيسي في حديثه ل "آخر ساعة": "المشكلة الناتجة عن غياب التعليم الصحيح الذي يستثمر قدرات الطلاب بشكل أقرب إلي الكمال فيما هو مفيد لهم، هو ضياع الكثير من طاقات النشء، في أكثر لحظات حياتهم نشاطًا وحيوية، ليتحول الطالب إلي شخصية منغلقة، قليلة المعرفة، قد تتسرب إليه بعض السلوكيات الفاسدة، ما يجعله شخصية غير قادرة علي الاختيار، مسلوب الإرادة، لا يستطيع أن يحسن الاختيار لأموره، فما بالك بأن يحسن الاختيار لأمته". ويرجع عيسي سبب عدم قدرة المنظومة التعليمية علي إنتاج طلاب علي قدر من الإبداع والتوازن النفسي والقدرة علي المناقشة وعدم الخضوع لأي سلطة فكرية إلي نظام الامتحانات الذي يدفع الطالب إلي الغش والدروس الخصوصية، لأن عملية التعليم في المدرسة تجعل الطالب لا يثق في نفسه ويحتاج باستمرار إلي المدرس الذي يفسر له المادة العلمية بشكل تلقيني ما يجعل الطالب قادرًا علي استرجاع تلك المادة لحظة الامتحان. وأكد أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس أننا في حاجة إلي تغيير نظام الامتحانات كخطوة حاسمة في تفكيك منظومة التعليم المهترئة، واعتماد نظام تعليم يعتمد علي الإبداع والتأويل والإبحار ضد التيار السائد، فالإبداع قائم علي تجاوز ما هو كائن إلي ما ينبغي أن يكون، من أجل ضمان مشاركة أكثر فاعلية في مصير هذه الأمة. وتابع منصور: "الأمم التي حققت وثبات في طريق التقدم؛ هي من جعلت الاستراتيجية التعليمية علي سلم أولوياتها، وبنائها علي فرضية نسبية العلم، باعتبار الأخير يتقدم ويتجدد ويتطور باستمرار، بعيدًا عن المناهج المحفوظة والمكررة، وأن تكون هناك مساحة للممارسة العلمية التطبيقية، وأن تعتمد المنظومة التعليمية علي التأويل وتجاوز مفهوم الحفظ والتكرار؛ القاتل لأي قدرة إبداعية، ولابد من السماح للطالب بإبداء رأيه فيما يعن له، لكي ندربه علي أن يعبر عن نفسه دون خوف. بدورها، حذرت دكتورة فاطمة الشناوي، الخبيرة الأسرية والعلاج النفسي بجامعة لندن، من أن مناهج التعليم التي تخاطب ملكة الحفظ فقط في الطالب، ستؤدي إلي نتائج وخيمة علي مستقبل مصر، فلا الثورة قادرة علي التغيير ولا غيرها؛ دون منظومة تعليم متكاملة تهتم بتنمية قدرات الطلاب بصورة حقيقية تتجاوز كل ما هو مطروح، بتبني منظومة بديلة تؤسس علي فكرة المدرسة التفاعلية التي تسمح لجميع الطلاب بإخراج ما لديهم من قدرات إبداعية. وشددت الشناوي علي أن نظام التعليم يساعد علي بناء شخصيات يسهل قيادتها، في ظل منظومة السمع والطاعة، التي تغلق أي مجال لإعلان الطالب عما يعن له، ف"مناهج التلقين المتبعة في بلادنا للأسف، تقتل روح التفكير الحرّ، ما يجعل الطالب مستقبلا جيدا لمن يريد أن يبث في ذهنه من أفكار هدامة سياسية كانت أم دينية".