كم كانت القمة 114 بين الأهلي والزمالك مثالية، وأعادت إلي الأذهان لقاءات القطبين اللذين كانا كبيرين، وإذا بهما يؤكدان أنهما بالفعل صاحبا أكبر حزبين في مصر، حيث لا وجود لأحزاب سياسية في التاريخ. الطريق إلي ستاد القاهرة، حيث أقيم اللقاء كان سالكاً، لا زحام، ولا تكدس أمام البوابات.. كل يعرف طريقه.. من يحمل علماً أحمر يتحدث إلي صديق أو زميل يحمل علم أبيض وكلاهما ترتسم علي شفتيه فرحة غامرة.. ولم لا.. وهو يوم عيد الكرة المصرية. ولأول مرة- منذ سنوات- استجاب رواد المباراة لتعليمات رجال الأمن.. خضعوا للتفتيش.. ومروا من البوابات الالكترونية بمنتهي السهولة.. وذهب كل مشجع إلي الكرسي المخصص له.. فقد تم تطبيق النظام المتبع في العالم كله.. بأن يعرف المتفرج مكانه من الرقم المكتوب علي تذكرته. الأسرة المصرية لم تتأخر عن حضور القمة، لأنها كانت مطمئنة إلي أن الدخول والخروج لن يكون فيه مشكلة، ولن يستمع »الولد الصغير» و»البنوتة الأمورة» لألفاظ قلة الأدب التي كانت جديدة علي الملاعب. صحيح.. مايزال الملعب مقسماً بين الأحمر والأبيض، ولكن لم يكن ذلك مدعاة لأي أزمة أو خلاف، أو مبرراً لهتافات قذرة مثل تلك التي تسببت في كوارث. وما أدهشني.. وأنا أجلس في المدرجات.. أن الأمور كانت تجري من حسن إلي الأحسن، بغض النظر عن مستوي أداء الفريقين، لأن المكسب لم يكن هدفاً لمتفرج أو مشجع، وإنما كان الهدف هو النسمة والاستمتاع وقضاء وقت جميل يخفف علي البني آدم هموم المباراة الصعبة، والغلاء الذي أرهق البيت المصري عموماً. يالها من قمة مثالية فعلاً.. لم يسبقها تسخين من إعلام وتعصب منتمي، ولا تصريحات من مسئول أو مدرب يسيء إلي الآخر، ولا عبارات متخلفة علي النت ومواقع التواصل الاجتماعي.. كل كان منضبطاً وملتزماً قبل المباراة، فتهيأت الظروف والأجواء للاعبين لكي يتألقوا ويبدعوا.. وحقيقة ومن خلال تقييم فني محايد.. كانت القمة 114 خيالية.. ومثالية. أما شكل الفريقين وهما ينزلان أرض الملعب، فقد غسل العار الذي أصاب كثيراً من المباريات سواء بين القطبين أو بين فرق أخري. اللاعبون متشابكوا الأيدي.. الأهلي يتزين بالورود البيضاء، والزمالك يتجمل بالورود الحمراء.. ونفس الشيء مرتضي منصور يضع في عروة الجاكيت وردة حمراء، ومثلها بيضاء في جاكيت محمود طاهر. وقبل أن ينهي الحكم إجراء القرعة كان لاعبو الفريقين يلتقطون الصور التذكارية وهم يرفعون أياديهم للجماهير للتحية والإشارة إلي أن الروعة التي سبقت اللقاء، ستكون أروع، حيث اصطف لاعبو الزمالك أمام بوابة الخروج إلي غرف خلع الملابس يهنئون زملاءهم بالأهلي.. الفوز بالدوري.. مشهد سأذكره كثيراً لأنه لم يحدث من قبل.
.. يا فرحة ما تمت. استيقظت من النوم قبل ساعات من القمة.. فأدركت أن القمة 114 لا يمكن أن تكون مثالية!