تنص المادة 53 من دستور 2014 علي أن المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو لأي سبب آخر. كما تنص المادة علي أن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. لم يكن النص علي المساواة المطلقة جديداً بل كان مكفولاً بالدساتير السابقة إلا أنه لم يكن هناك نص علي إنشاء آلية تضمن تحقيق هذا المبدأ علي أرض الواقع وهو ما يميز دستور 2014. فورود هذه الفقرة في المادة الدستورية يلزم الدولة متمثلة في السلطة التشريعية أي مجلس النواب بإصدار قانون بإنشاء مفوضية للقضاء علي كافة أشكال التمييز واعتبار التمييز جريمة يعاقب عليها القانون وهو ما قدمت بشأنه النائبة الفاضلة السيدة انيسة حسونة اقتراحا للمجلس منذ فترة. وفي مؤتمر عقده اتحاد نساء مصر برئاسة الدكتورة هدي بدران بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان برئاسة الدكتور محمد فايق حول موضوع المفوضية والذي شارك فيه عدد كبير من الخبراء وممثلي منظمات المجتمع المدني نوقشت ورقة عمل شاملة قامت علي إعدادها الدكتورة فاطمة خفاجي تناولت عناصر الموضوع باستفاضة ووضوح. وفي نهاية المؤتمر توافق الحضور علي ضرورة الإسراع بإنشاء المفوضية وأشاد الجميع بورود هذه الفقرة في المادة (53) من الدستور. وفكرة إنشاء مثل هذه الآلية ليست جديدة بل يرجع تاريخها إلي عهود الملوك والأباطرة والخلفاء الراشدين لمتابعة شكاوي ورغبات المواطنين ومعرفة مشاكلهم بهدف مساعدتهم علي الحكم العادل. فلا يوجد وحتي الآن مجتمع يسوده العدل وعدم التمييز مائة في المائة بل يعاني المواطنون في كل دول العالم من شكل من أشكال التمييز وانتهاك للحقوق المشروعة، ولذلك لجأت الدول في وقتنا الحالي إلي إنشاء آليات تهدف إلي منع التمييز وتحقيق المساواة وحماية حقوق الإنسان، تحت مسميات مختلفة فيطلق البعض عليها اسم مفوضية منع التمييز أو المحامي العام أو الوسيط أو ديوان المظالم أو ممثل الشعب. الخ. تتلخص المهمة الأساسية لهذه المفوضية في مساعدة المواطنين في حل المشاكل التي تطرأ نتيجة للتعرض لأي تمييز ضدهم أو لأي تعسف بسبب سوء استخدام السلطة سواء في مكان العمل أو في أي أمر من أمور الحياة مثل الحرمان من التعليم أو الرعاية الصحية أو انتهاك لأي حق من الحقوق المشروعة التي تحميها القوانين... أي تعتبر هذه المفوضية جهة مسئولة يمكن للمواطن من خلالها التعبير عما صادفه من تعسف. تقوم المفوضية بالتعامل مع الشكوي (سواء كانت فردية أو جماعية) بكل حيادية وهدوء وتساعد المواطن بكافة الوسائل علي الوصول إلي حقه سواء بتقديم الحلول أو الإجراءات التصحيحية وتقوم أيضاً بدور الوساطة الهادئة بين المواطن والجهة المشكو في حقها بشرط ألا تكون الشكوي معروضة علي المحاكم أو أي هيئة قضائية وأيضاً إذا ما كانت الشكوي محلية ولا علاقة لها بأي دولة أو هيئة أجنبية. وفي حالة عدم التوصل إلي المصالحة أو إلي حل للمشكلة ورغب المواطن في اللجوء إلي القضاء تقف المفوضية إلي جانب المواطن وبذلك تمثِّل المفوضية قناة رسمية متاحة للمواطن لكي يطمئن من خلال مساندتها إلي تمتعه بحقوقه الدستورية وخاصةً هؤلاء المواطنين العاديين ممن لا صوت لهم ولا يستطيعون الوصول إلي المسئولين وأيضاً من لا يستطيع مادياً اللجوء إلي المحامين والمحاكم حيث تقدم المفوضية خدماتها مجاناً دون أية رسوم مادية. وحتي تتمكن المفوضية من أداء دورها بكفاءة وكل الحيادية. يجب أن تكون هيئة مستقلة تماماً وليست تحت أي صورة من صور الإدارة الحكومية، كما يجب أن تكون لها الصلاحيات التي تمكنها من الاطلاع علي أي معلومات أو وثائق أو ملفات من أي مؤسسة موجهة إليها الشكوي وأيضاً تلك التي تحت يد الشاكي مع مراعاة السرية إذا ما استدعي الأمر ذلك. والجدير بالذكر أن إنشاء هذه الهيئة ليس في صالح المواطنين فقط بل في صالح السلطة، فهي تولد الشعور بالأمان وتسد الفجوة غير المرغوبة بين الحكومة والمواطن وتوفر مناخا يتميَّز بالتعاون وليس التناحر، وممارسة تكرس الديموقراطية وترسخ مبادئها إذ إن التعرف علي جذور المشاكل الموجودة فعلاً قد يساعد علي تطوير الجهاز الإداري للدولة وقد يؤدي إلي إصلاح أو تعديل بعض الإجراءات والقرارات ومعالجتها بهدف الصالح العام وكل هذا هو ما يعزز الحكم الرشيد وإرساء مبادئ العدالة.