فرض الدستور المصري 2014 العديد من القوانين التي يجب علي مجلس النواب إصدارها في دورة الانعقاد الأولى، وهو ما تجاهل أغلبها البرلمان حتى الآن، ويأتي قانون إنشاء مفوضية لمكافحة كافة إشكال التمييز بين المواطنين، واحد من أهم القوانين الذي يمكن أن يعالج أزمة راسخة في الواقع المصري، فمن تمييز ضد المرأة لتمييز ضد ما هو غير مسلم لتمييز ضد الفقراء، فأصبحت مصر بحق (جمهورية التمييز العربية)، هذا الواقع دفع المشرع الدستوري إلزام مجلس النواب لإصدار تشريع يعالج تلك الأزمة بشكل سريع، ولكن نتيجة انشغال مجلس النواب بأمور (كبرى) كإصدار قوانين المعاشات للقضاة والضباط، تناسى المجلس قوانين متعددة لها الأولوية ليس بحكم أهمية تلك القوانين ولكن بحكم الدستور نفسه. وفي نفس لحظة انشغال مجلس النواب بأمور أخرى، تسعي بعض القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني لصياغة مشروع قانون لإنشاء منظمة لمكافحة التمييز بين المواطنين، وهو ما يدفعنا لتقديم ثلاث مداخل عامة يمكن أن ينطلق منها القانون، حيث نصت المادة 53 من الدستور المصري 2014 على: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض". وكانت الفقرة الأخيرة من المادة الخاصة بإنشاء مفوضية لمكافحة كافة أشكال التمييز، ترجمة حقيقية لتنفيذ وتطبيق نص المادة، وهو ما يتطلب وضع آليات جادة لضمان خروج مفوضية تتغلب علي أمراض المجالس المتخصصة التابعة للدولة المصرية، وتجعل من المفوضية أداة حقيقية لمكافحة التمييز، ويمكن وضع بعض التصورات كمدخل ينطلق منه المشرع في وضع القانون الحاكم للمفوضية. 1- الاستقلال: يعتبر مبدأ الاستقلال نقطة حاكمة لنجاح المفوضية لتحقيق غايتها في مكافحة التمييز وليس المقصود بالاستقلال خلق سلطة موازية للسلطات الثلاثة داخل النظام السياسي بل تعني ان تتمتع المفوضية بحرية كاملة في التحرك بدون تدخل من قبل السلطة التنفيذية سواء من حيث اختيار أعضاء المفوضية او ما يصدر عن المفوضية من تقارير. 2- الشفافية: واحدة من العناصر الغائبة عن كافة مؤسسات الدولة، وهي نقطة الإعاقة لأغلب أجهزة المراقبة المنوط بها رصد ومتابعة تجاوزات تصدر تجاه المواطنين، ولذلك يعتبر مبدأ الشفافية عامل حاكم لنجاح المفوضية والمقصود بالشفافية هنا (شفافية مزدوجة)، الأولي من قبل السلطة تجاه المفوضية في توفير كافة المعلومات والبيانات الخاصة بعمل المفوضية. الثانية: من قبل المفوضية من حيث إعلان كافة تقارير وتحركات المفوضية علي الرأي العام. 3- الفاعلية: هناك خط رفيع بين تشكيل كيان بحثي يكون دوره رصد التفاعلات موضع الدراسة والاهتمام وإنشاء كيان فعال قادر علي الحد من تنامي الظواهر موضع الاهتمام، بمعني أدق هناك العديد من الكيانات الخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان في مصر يقتصر دورها علي الرصد والتحليل فقط وهو ما يجعل من المجالس القائمة جهات ذات فاعلية محدودة وهو ما يضعف من قدرة تلك المجالس والجهات ويقلل من دورها المنوط القيام به، وهو ما يدفعنا لطرح تصور يجعل من مفوضية مكافحة التمييز أداة فاعله في تحقيق غايتها عن طريق التالي: أ- إلزام كافة جهات الدولة بمساعدة المفوضية في أداء عملها ب- فتح المجال أمام تحرك المفوضية ت- قدرة المفوضية علي تقديم بلاغات للجهات المختصة ث- إنشاء نيابة ومحكمة متخصصة لسرعة الفصل في قضايا التمييز، علي غرار نيابة ومحكمة الأسرة. أن قانون إنشاء المفوضية لابد أن يكون من أولويات العمل السياسي لمكافحة كافة أشكال التمييز الموجودة في المجتمع المصري في الوقت الحاضر، والتي تفشت في الآونة الأخيرة ومنها التعرض للكنائس واستهداف أشخاص بسبب دينهم أو معتقدهم واستهداف النساء في المجالين العام والخاص، سواء عن طريق العنف أو التمييز المبني على أساس الجنس أو النوع وتهميش دور النساء في المشاركة السياسية وضعف التشريعات القانونية للتصدي لمثل هذه الممارسات، وعجز الدولة في التصدي أو طرح حلول للمشكلات العرقية المتفاقمة في الآونة الأخيرة والتي تسببت في إزهاق أرواح كثير من المواطنين المصريين.