أساس الفكر الاجتماعي والتعاوني في إنشاء كيانات خاصة تحت أي مسمي نقابة، منظمة، رابطة، جمعية، ناد.. الخ هو الاستفادة من وراء تجمع قوي بين أبناء مهنة أو طائفة ذات أصول واحدة، قادر علي تنمية القدرات البشرية وتطويرها بما يعود بالنفع علي الأعضاء خاصة وعلي المجتمع بصفة عامة. وغالبا ما تهدف تلك الكيانات الخاصة من قيامها إلي رعاية أعضائها وتقديم الخدمات إليهم وأسرهم في مجال الأنشطة الثقافية، والاجتماعية، والرياضية وغيرها، وربما كان ذلك هو السبب وراء خضوع إجراءات الانشاء ومتابعة ومراقبة النشاط لوزارة التضامن الاجتماعي! وإذا كان سمو الغاية ونبل الهدف قد منح تلك التنظيمات قبلة الحياة، وشرعية الوجود.. إلا أن واقع الحال كشف عن عوار في التطبيق والممارسة.. وبدلا من وحدة الصف، وقوة الاتحاد، كان الانشقاق والفرقة والأنانية بين صفوف أعضاء كل نقابة أو جمعية، وبينهم وبين المجتمع ككل علي ما يعصف بما يكون من انجازات ويخلق نوعا من الفتن في اعتقادي يكون أشد ضراوة وأبلغ أثرا من الفتنة الطائفية التي تقوم علي أساس معتقدات دينية! فمنذ بداية اختيار مجلس الإدارة الممثل القانوني للنقابة أو الجمعية أو غيرها بطريق الانتخابات الحرة، تبدأ الانقسامات والتشرذم والصراعات بين أعضاء الجمعيات العمومية للكيان الاجتماعي أو المهني، وترتفع حالة التعصب بين هذا وذاك، وفي سبيل الصوت الانتخابي تقع كثير من الموبقات! ثم وماذا بعد؟ فإنه وبعد اختيار المجلس والممثل القانوني للنقابة أو الجماعة سرعان ما تطل الفتنة بظهور المعارضة وكثرة الطعون وتبادل الاتهامات إليحد الوصول إلي ساحات القضاء ومن ثم تموت فكرة الإصلاح قبل أن تولد! وعلي طريق الممارسة النقابية والمهنية فإن الأمر لا يخلو من مرارة تعكس قصور فكر ممثليها وحيدهم عن الأمل المنشود.. لملا وقد تسيدت الدونية وأصبحت المصالح الخاصة هي من وراء القصد وليذهب الآخر إلي الجحيم! فهذه الجماعة »علي رأسها ريشة» لها الغلبة والسلطان.. وهذه النقابة تطالب بقانون خاص يمنحها المناعة والحصانة لأعضائها.. وهذا ناد ينشد المزايا الخاصة لعناصره.. وتلك جمعية فوق القانون فلا يطبق عليها.. وهناك منطقة تمنح نفسها حقوقاً تمنعها من غيرها وذاك فصيل يختص نفسه بالعلم والدراية والمعرفة دون غيره.. وهكذا تتناقض المواقف، وتتعارض المصالح، ويسود الانشقاق، وتطل الفتنة في أبشع صورها! هل يعقل أن تقوم نقابة مهمتها الدفاع عن الضعفاء والمظلومين بوضع عراقيل أمام العدالة واعتراض سبيل القضاة وإغلاق المحاكم ثم تطالب بحصانة خاصة في مواجهة الشرطة!!؟ ما بالكم بنقابة إنسانية تدعو إلي الاضراب وإغلاق دور الرحمة والعلاج عن المواطنين مطالبة بتقرير حماية خاصة لأعضائها دون غيرها؟! هل من المقبول ان تخرج جماعة مهنية أو فئوية - من أجل مصالح خاصة - في اعتصامات ووقفات احتجاجية ضد اصدار قوانين عن المجلس التشريعي في البلاد أو تنادي بعدم تطبيق القانون عليها لأنها فوق القانون؟!! ومن أعجب العجائب المثيرة للدهشة والأسي ان تجد جماعة مكلفة بحفظ الأمن والنظام ساهرة علي حماية مكاسب ومقدرات الشعب.. خارجة علي الأمن والنظام في حالة عداء مع غيرها من طوائف الأمة!! .. وهكذا.. فإن المتتبع للحركات النقابية في مصر من السهل عليه ان يدرك مدي الصراعات الدائرة بين الأعضاء.. وانه من أجل ارضاء الأصوات الانتخابية فإن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت المشروعية في سبيل تحقيق مغانم خاصة ولو علي حساب المصالح العامة، الأمر الذي يؤكد حيدة وانحراف هذه النقابات عن غايتها السامية، وينذر بحالة من التفسخ والشقاق سرعان ما يؤدي إلي فتنة طاغية تدمر المجتمع!! إن الأمر لم ينته بعد.. والصورة لم تصل إلي هذا القدر من السواد الذي يوئد الأمل ويفقد طريق الإصلاح ولكن.. مزيد من الشفافية والمصداقية.. كثير من المثابرة والجهد والعمل بإخلاص.. الاعتماد علي النفس أولا، ووحدة الصف ثانيا وثالثا.. مصر تستحق لأن تكون الأفضل والله من وراء القصد.