علي غرار ما فعل المرشح الجمهوري ترامب في مناظرتيه الأولي والثانية مع هيلاري كلينتون لكي يهزمها ويكسب الانتخابات الرئاسية الامريكية عندما صور أمريكا الان وكأنها صارت »خرابة اقتصادية واجتماعية» انبري سياسي مصري حالي ودبلوماسي سابق في برنامج تليفزيوني ليحذر بأن مصر علي وشك الافلاس قريبا، وذلك لكي يثبت خطأ السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة المصرية!.. وهكذا صار مستباحا القيام بكل شيء من أجل كسب المعارك السياسية أو لتحقيق المآرب السياسية، إلي درجة قول أو فعل ما يؤذي النفس؟ وهذه ليست المرة الأولي التي »يبشرنا» فيها أحد بالافلاس القريب أوالذي علي وشك الوقوع لبلدنا.. حدث ذلك أكثر من مرة من بعض الذين يطلقون علي أنفسهم لقب خبراء، ومن يعتقدون أنهم يملكون وحدهم ناصية الحقيقة »بل فأري من بين هؤلاء من نسبوا لوزيرة الاستثمار مالم تقله حينما فسر البعض عن عدم فهم والبعض الآخر عن عمد تصريحات لها حول إعداد قانون ينظم افلاس الشركات والمستثمرين بأنها تتحدث عن افلاس مصر كلها، ولذلك نشروا كلامهم تحت عنوان مستفز هو »افلاس مصر الاسبوع القادم». والان يسعي هؤلاء الذين يروجون لحديث »افلاس مصر» إلي استثمار ما نعانيه من مشاكل اقتصادية حادة. لكن هؤلاء الذين يدعون أننا علي وشك الافلاس يقومون بمغالطة كبيرة بادعائهم هذا.. لان ارتفاع عجز الموازنة وانخفاض سعر العملة الوطنية، وارتفاع التخضم وانفلات الاسعار، بل وحتي زيادة الدين المحلي لايعني أن الاقتصاد أي اقتصاد علي وشك الافلاس. افلاس الاقتصاد أي اقتصاد يحدث عندما تتراكم الديون الخارجية علي الدولة صاحبة هذا الاقتصاد وتعجز عن سداد اقساط وفوائد هذه الديون، وترفض الدولة والهيئات الدولية والاقليمية الدائنة لها اعادة جدولة هذه الديون، أو تأجيل السداد لفترة مناسبة من الوقت.. وقد شاهدنا ذلك بوضوح قبل عدة سنوات مضت عندما انفجرت الازمة الاقتصادية اليونانية بشدة، وعجزت اليونان بالفعل عن سداد اقساط وفوائد ديونها الخارجية التي تراكمت عليها وتجاوزت الحد الآمن لها بارتفاع نسبتها إلي الناتج القومي، كما حدث ايضا بالنسبة لعجز موازنتها ولولا مسارعة الدول الأوروبية لمد يد العون والمساعدة لها لتعثرت اليونان بالفعل اقتصاديا ولاضطرت لاعلان افلاسها اقتصاديا.. لكن الدول الأوروبية اشترطت علي اليونان الالتزام ببرنامج تقشف اقتصادي صارم وقد قبلت اليونان ذلك مكرهة بالطبع تفاديا للإفلاس الذي كان اقتصادها علي وشك السقوط فيه وقتها، والذي نجحت خلال السنوات التي مضت في تجاوز خطره بما ألزمت به نفسها من تقشف اقتصادي. وهذه الحالة.. حالة العجز عن سداد اعباء الديون الخارجية لا تنطبق علي مصر واقتصادها لاكثر من سبب .. فإن الديون الخارجية علي مصر، ورغم تزايدها بمعدل ليس قليلا خلال السنوات الماضية بعد أن ظل تقريبا في حالة ثبات قبل عام 2011، مازالت في وضع آمن طبقا للمعايير المتعارف عليها دوليا بين خبراء الاقتصاد في العالم .. كما أن مصر حتي في ظل السنوات الأشد صعوبة التي عاشتها مؤخرا لم تتأخر يوما عن سداد أقساط ديونها الخارجية، سواء الديون القديمة، أو حتي الديون الجديدة والتي تمثلت في الودائع التي حصل عليها البنك المركزي خلال السنة التي حكم فيها الاخوان البلاد لدعم احتياطيات النقد الأجنبي لديه، وتدبير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من السلع المستوردة، من الخارج، فإن البنك المركزي يسدد بانتظام القسط نصف السنوي لمجموعة نادي باريس، وأيضا سدد كل ما قدمته تركيا وقطر من ودائع خلال حكم مرسي. واذا كانت مصر قد تمكنت من سداد ما حل موعد سداده من أقساط وفوائد الديون الخارجية في أوقات عصيبة وأشد صعوبة، وحيث كان معدل النمو الاقتصادي لايتجاوز 2٪ فإن ذلك معناه أنها ستكون قادرة علي الوفاء بهذه المستحقات مستقبلا بعد أن تضاعف معدل النمو الاقتصادي وثمة امكانية لمزيد من الزيادة له وبالتالي فإن خطر الافلاس لايهدد مصر سواء الآن أو مستقبلا، حتي في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها والازمات الحادة التي نعانيها، سواء أزمات التضخم وارتفاع الاسعار، أو أزمات شح الدولار، أو ازمات بعض السلع الاساسية كالارز والسكر والبوتاجاز. غير أن من يديرون اقتصادنا القومي يمنحون الفرصة لمن يدعون أننا علي وشك الافلاس الاقتصادي للاستقرار في ترويج تلك الاكذوبة حتي الان سواء عن جهل أو عن عمد !.. فهم لا يتواصلون مع الناس.. ولا يتحدثون عما يفعلونه وما يحدث ويتعرض له اقتصادنا، وأيضا عما اتخذوه أو ما سوف يتخذونه من قرارات تؤثر بشكل مباشر بالطبع علي حياة الناس ومستوي معيشتهم. تخرج الصحف والمواقع الاخبارية والمحطات التليفزيونية تتحدث منذ أسابيع عن تخفيض الجنيه أو تعويمه، وعلي أثر ذلك يتدهور سعر الجنيه اكثر في السوق السوداء.. ولا يخرج أحد ليقول للناس شيئا شارحا لهم خطة التعامل مع عدم استقرار السوق النقدية، أو ما سوف تفعله الحكومة لمواجهة واحتواء تداعيات انتهاج سياسة مرنة كما قيل لسعر الصرف، وأهم من التداعيات ذلك الانفلات الذي لا يتوقف في أسعار كل السلع وكل الخدمات. يتوالي تكرار حدوث ازمات واختناقات في سلع اساسية.. الزيت ثم الارز، بعدها السكر وأيضا البوتاجاز ولا نسمع الا أن لدينا احتياطيات كافية منها ولا يخرج أحد من الذين يديرون اقتصادنا ليشرحوا للناس بصدق لماذا حدثت هذه الازمات، ولماذا يتكرر حدوثها، ومتي سوف تختفي نهائيا هذه الازمات التي يثير تكرارها بالطبع قلق الناس. ويتم إبرام اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي ولا يخرج مسئول عن إدارة اقتصادنا ليبلغ سالناس ببنود هذا الاتفاق الذي يحتاج لتصديق إدارة الصندوق عليه قبل أن يصبح نافذا ولا لماذا تأخر هذا التصديق، وهل هو مرهون بتنفيذنا تعويما أو تخفيضا للجنيه، وزيادة في أسعار المحروقات أم لا. وعندما لا يتحدث المسئولون عن إدارة اقتصادنا مع الناس ليطلعوهم علي حقيقة أوضاعنا الاقتصادية فإن الناس سوف تسمع وتتأثر بمن يروج بينها الاكاذيب ومن بينها اكذوبة الافلاس الاقتصادي.. والنتيجة استمرار ترويج هذه الأكاذيب!