هل يحق للحكومة رفع سعر أنبوبة البوتاجاز بنسبة 100٪؟! ليس ذلك هو السؤال الصحيح، لأن الإصرار على طرحه بهذه الطريقة يشبه منطق «لا تقربوا الصلاة». سؤال آخر هل هناك إهدار لجزء كبير من دعم الطاقة؟! نعم، وهذا الدعم الذى تقول الحكومة انه يزيد على مائة واربعين مليار جنيه لا يذهب فى معظمه إلى مستحقيه! تقول الحكومة وخبراء الطاقة إن التكلفة الفعلية لأنبوبة البوتاجاز تزيد على مائة جنيه، وانها كانت تبيعها بأربعة جنيهات فقط، وبالتالى فإن رفعها إلى ثمانية جنيهات لا يمثل عبئا على المستهلك الذى كان يدفع فيها عمليا أكثر من ثلاثين جنيها فى السوق السوداء فى المتوسط وكانت تقفز إلى مائة جنيه أثناء الأزمات. وطبقا لتقديرات شبه رسمية أيضا ان اكثر من عشرين فى المائة من انابيب البوتاجاز وأكثر من أربعين فى المائة من البنزين المدعوم يتم تهريبه وبيعه فى السوق السوداء سواء الداخلية أو الخارجية. وبالتالى فهو لا يذهب إلى مستحقيه. السؤال المنطقى: من يتحمل مسئولية التهريب، الحكومة أم المستهلك، وهل يمكن معاقبة المستهلك لأن قبضة الحكومة متراخية على المهربين؟! سنسأل السؤال الذى بدأنا به بصيغة أخرى وهى: لنفترض ان الحكومة محقة فى رفع سعر انبوبة البوتاجاز إلى الضعف ولنفترض ان المستهلك سوف يكيف نفسه مع هذه الزيادة، لأنه كان يدفع أكثر من ذلك فى الماضى، فهل الحكومة ستكون قادرة على ان يدفع المستهلك الغلبان السعر الجديد فقط أم انه سيتم «هرسه» ما بين الحكومة والتجار من أصحاب المستودعات والموزعين وسائر الوسطاء والمهربين فى عملية الوقود عموما وانابيب البوتاجاز خصوصا؟ وظيفة أى حكومة فى العالم ان تنظم وتضبط وتراقب الأسواق بمعنى انها إذا قررت مثلا ان الانبوبة ستكون بثمانية جنيهات وهامش ربح الموزع جنيهان أى عشرة، فلا ينبغى ان يعود الوسطاء مرة أخرى لافتراس المستهلك وبيع الانبوبة بأكثر من سعرها ولو بمليم واحد. إذا سلمنا بحق الحكومة فى ضرورة البدء بحل معضلة الدعم وترشيده، فالمنطق ان نضمن انها ستقوم بحماية المستهلك خصوصا الفقير وألا يدفع أكثر من الأسعار التى تم زيادتها بالفعل. المشكلة الجوهرية ربما لا تكون رفع سعر الانبوية الآن بل كيف تصل بسعرها الفعلى إلى المستهلك. لو أن الحكومات المتعاقبة كانت رفعت سعر الانبوية بمقدار جنيه منذ عشرين عاما لربما كانت كل مشكلة الدعم قد تم حلها الآن. الحكومة ستضمن ربما توفير مليار جنيه سنويا من جراء مضاعفة سعر الانبوبة وستضمن رضاء صندوق النقد الدولى، وكان يمكنها ان تتحلى بالشجاعة وتواجه مافيا الوسطاء، وهو التحدى الحقيقى الذى يواجهها الآن. أنور السادات تراجع عن زيادة الأسعار فى 17 يناير 1977، وحسنى مبارك ظل رافضا الاقتراب من ملف دعم الطاقة ،ومحمد مرسى ورث تركة ثقيلة، ويخشى هو أيضا ان يتخذ إجراءات تقشفية كبيرة فيخسر الإخوان انتخابات مجلس النواب. ولذلك فإن اغلب الطن هو ان التكتيك الإخوانى هو محاولة شراء الوقت وتأجيل رفع الأسعار بصورة شاملة إلى ما بعد الانتخابات. فى المقابل يضغط صندوق النقد ويريد رؤية نتائج على الأرض حتى لو كان الثمن هو «طحن الغلابة». لا أحد يختلف على ضرورة ترشيد الدعم، لكن السؤال الجوهرى هو: من الذى ينبغى أن يدفع ثمن هذا الترشيد؟! هذا الأمر يحتاج حكومة شجاعة ولديها رؤية والأهم لديها تأييد شعبى يحميها من الانفجار الشعبى المتوقع.