كان «مبارك» يدرك جيداً أن «مرسى» لجأ إليه لأنه «حايس».. فهم الرجل العجوز أن «الإخوانى» يعانى عقدة عدم ثقة و«نقص» شديد.. نقص مركّب ومواقف معقدة للغاية.. فهو من ناحية لا يقوى على التخلص من وصاية مكتب الإرشاد، ولا من «فوقية» وعنطظة «خيرت الشاطر».. ومن ناحية أخرى بات مكروهاً فى الشارع لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة، حتى الصلاة تحولت من احتفاء شعبى به فى بداية حكمه إلى هتافات غاضبة.. وباتت الصلاة وسط الحراسة المشددة عبئاً ثقيلاً على «الرئيس المؤمن» حتى إنه تلعثم وتعثر فى قراءة «التحيات» الجمعة الماضية وهو يفكر.. ويفكر.. ويفكر إلى متى سأظل معزولاً.. مكروهاً.. ومشتوماً من أهلى وعشيرتى»..! طلب «مرسى» من «مبارك» المبتهج أن يتعامل معه بجدية.. وقال بلهجة ضعف «أنا تعباااان.. جفنى لا يذوق النوم.. نفسى أنام وأصحى ألاقى نفسى رئيس بجد.. باحلم إن مكتب الإرشاد يختفى من الوجود.. عارف لو بإيدى أرجّعك رئيس يوم واحد.. انت ترجّع الشاطر والمرشد والجماعة دول كلهم المعتقل وتخلصنى منهم، وأستلم أنا على نضيف.. يا سلام دى تبقى باضت لى فى القفص..!». نظر إليه «مبارك» وبادره بنفس الجدية: مش خايف إنى أعتقلك معاهم يا مرسى.. وأركب الكرسى تانى؟! رد «مرسى» سريعاً: إيه؟! لا.. لا.. ما هو أنا هآخد منك وعد وتحلف لى على المصحف إنك ماتخونشى.. خلّى بالك ربنا هيدخّلك النار..! «مبارك»: طيب ما انتَ وعدت وتعهدت للناس كتير وما نفذتش حاجة.. يا راجل ده انتَ فسّحت الناس فى برنامجك الانتخابى لدرجة إنى صدقتك، وقلت لنفسى إن «أبوالأمراس» جامد طحن، وهيخلى صورتى نيلة لما ينجح ويعمل مشروع «النهضة» والشعب هيلعن أهلى لما يشوف ويتهنّى بالعيشة الحلوة! يصمت «مبارك» لحظات ثم تعلو وجهه ابتسامة واسعة ويقول: تصدق لو كنت أعرف إنكم هترفعوا شعبيتى للدرجة دى كنت مسّكتكم الحكم من زمان، ده أنا يا راجل عمرى ما حلمت إن الناس تترحم على أيامى لحظة واحدة.. انت عارف إنكم لو كمّلتم فى السكة دى أكيد تماثيلى بعد كام سنة هتملا الميادين والشوارع، ويمكن يعملوا عيد سنوى فى يوم توليك الرئاسة ويسموه «إحنا آسفين يا مبارك».. لأ.. «إحنا عيال يا مبارك».. بالمناسبة يا مرسى هوه فين «طائر النهضة»؟!.. على فكرة أنا كان ليّا خالة من بعيد كده اسمها «نهضة».. وانت خالتك اسمها إيه؟!! قالها «مبارك» وضحك بصوت عالٍ.. أما «مرسى» فقد ابتلعها على مضض ودون تعليق وبعد لحظات صمت من الاثنين.. سأل «مرسى» وهو يحبس انفعاله: قل لى.. إزاى أسيطر على البلد.. وأفرض كلمتى واحترامى على الجميع؟! يعتدل «مبارك» فى جلسته ويرد: اسمع.. أنا هاتكلم بجد.. تقدر تقول إننا بدأنا الحصة فعلاً.. رن الجرس.. واعمل طابور وطلّع الكراسة، والقلم الرصاص والأستيكة ومش عايز أسمع نفس فى «الكلاس».. بالمناسبة جبت الزمزمية والساندويتشات علشان الفسحة؟! يفقد «مرسى» أعصابه، وقبل أن يصرخ يبادره «مبارك» ضاحكاً: خلاص خلاص والله.. هنتكلم جد.. بس انتَ عارف إن القافية تحكم.. شوف يا سيدى.. انتَ مشكلتك واضحة جداً.. الكينونة العميقة داخل تلافيف الباطن البؤرى المدفوس فى أضابير الكلكيعة السفلية عندك بتقول لك طول الوقت إنك مش رئيس.. جواك إحساس متجذر ومتشابك ومترسب ومترسخ وطافح ونافح وشاطح وساطع إن الإخوان والمرشد والشاطر همّا اللى خلّوك ريس، وإنهم لو رشحوا «جوز خالة» أى واحد فيهم كان هيبقى «ريس» وإنك لو اترشحت من غيرهم كنت خدت 217 صوت.. المشكلة مش هنا.. المصيبة إنك مقتنع بده داخل «كلاكيع التلافيف الجوانية».. وبصراحة كل الناس مقتنعة.. لا انتَ مصدّق إنك ريس.. ولا الإرشاد مصدّق.. ولا الشعب مصدّق.. يبقى الحل إيه؟! قالها «مبارك» وهو يخبط كفاً على كف.. فاتسعت عينا «مرسى» وشهق وكأنه وجد ضالته، وقال: أيوه.. هو ده.. الحل إيه يا باشا؟! رد «مبارك»: الحل بسيط جداً.. إحنا نشوف حد مصدّق!! يضحك «المخلوع» ويرد «المفزوع» صارخاً من جديد: يا عمّ ارحمنى واتكلم جد شوية..! «مبارك»: خلاص خلاص والله.. خلينا جد.. شوف يا أبوالأمراس.. انتَ لازم تبدأ بنفسك.. يعنى لازم تقنع «مرسى» اللى جوه.