«العثور على جثة المذيع عبده عباس المتغيب بعد تظاهره فى الاتحادية مقتولا فى بيته». ولا تعلم كيف اختفى الأستاذ عبده عباس فى «الاتحادية» منذ 20 يومًا ثم عُثر على جثته فى بيته! من بعده، تَغيَّب محمد الجندى، وعُثر عليه فى النزع الأخير. ومن بعده تغيب الناشط محمد الشافعى، نسأل الله أن نعثر عليه بأقل الخسائر الممكنة. فى أثناء بحث مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» عن الناشط محمد الشافعى، عثرت المحامية نازلى حسين، والطبيبة غادة شهبندر، على جثة طفل مقتول برصاصتين، إحداهما فى الرأس والأخرى فى الصدر. كان العاملون بمستشفى المنيرة قد التقطوا صورة للطفل المقتول، وبمجرد دخول مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» للبحث عن محمد الشافعى، قام العاملون بعرض الحالة على المجموعة، وأخبروهم أن الطفل كان مصابا بطلقتين قاتلتين، وبأن المستشفى أصرّ على إثبات الحالة بتحرير محضر، إلا أن الشرطة رفضت، وأخذت جثة الطفل وغادرت المستشفى. احتفظت مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» بصورة الطفل المروعة، وآثرت أن لا تنشرها حتى تصل إلى ذوى الطفل، ومر نحو أسبوع، والمجموعة لم تصل إلى أى معلومات، فاضطُرَّ «مركز النديم» إلى نشر الصورة على مواقع التواصل الاجتماعى، وعبر برنامج بلدنا بالمصرى على قناة «أون تى فى»، عسى أن يتعرف عليه أحد من أهله... إن كان له أهل، فالطفل يبدو عليه الفقر والبؤس. عقب نشر الصورة مباشرة، بحثت الصحفية رشا عزب خلف الحقيقة حتى توصلت إلى الآتى: هذا الطفل قُتل يوم 3 فبراير، وهو بائع البطاطا الذى قالت الداخلية إنها «قتلته بالخطأ»! وإن الشرطة حين رفضت تحرير محضر بالواقعة، أخذت جثة الطفل وأودعته المشرحة. بحث عنه أهله فى الميدان، فلم يجدوا إلا عربة البطاطا، وأخيرا وجدوه فى المشرحة، فأخذوا جثته بهدوء. كانت الداخلية اعترفت بشكل عابر بأنها قتلت بائع بطاطا بالخطأ، لكن الداخلية لم تقُل إنه طفل لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره على الأكثر، ولم تقل إنه مصاب بطلقتين قاتلتين فى القلب والمخ. كيف يقتل الإنسان إنسانًا آخر عن طريق الخطأ بطلقتين؟ بعض الشباب تعرف على وجه الطفل، وبعضهم ذكَّرَنى: «مش فاكراه يا نوارة؟ ده الواد بتاع البطاطا اللى كان فى اعتصام يوليو». الحقيقة أننى لا أتذكر وجه الطفل لسببين: الأول أن الميدان يعجّ بالبائعين الأطفال، والثانى أننى لا أقوى على النظر فى وجه الأطفال العاملين، أو أطفال الشوارع، لأننى أُمضِى ليلى كله أراهم فى أحلامى. الحقيقة أننى لست رقيقة القلب، وقد تعرضت لحمل ورؤية جثث سئمت من عدِّها، لكننى أرتعد من هذه الحادثة، ومنذ رأيت الصورة وأنا أنتظر بين الحين والآخر غضبًا يحلّ بالبلاد، وأنهار دماء تسيل انتقاما للبرىء: طفل، فقير، لا يذهب إلى المدرسة، لا يلعب مع أصحابه، بل يخرج كل يوم للبحث عن الرزق أملًا فى إطعام نفسه وأسرته، يقتله جند فرعون، عبثًا، أو عمدًا، أو استهتارًا بالمنسىّ، دون أن تهتز لهم شعرة، بينما ينام فرعون فى قصره، وتدبِّر جماعته المؤامرات لقتل وتعذيب من ينتقده، ولا تكتفى الجماعة بالاستعانة بزبانية الداخلية، بل تسعى إلى التجويد، وإرسال عناصرها لمساعدة الداخلية فى تعذيب المواطنين بالجبل الأحمر كما أثبتت تحقيقات النيابة، ولا أستبعد أن تصل الجماعة إلى ذوى الطفل الفقراء وتهددهم وترشوهم ليخرجوا على الإعلام يبرِّئون الداخلية والجماعة ويتهموا المتظاهرين. أيها السيد الرئيس الاستبن، كل العشرات الذين قتلتهم فى بضعة أيام فى كفَّة، وهذا الطفل فى كفَّة أخرى، هذا الذى يتعلق فقره وجوعه وتشرُّده فى رقبتك، لم تفكِّر فى حل لمشكلته هو ومن شابهه، بل وضعت دستورًا يقنن عمالة الأطفال، وأخيرًا قتله جندك الذين تستعين بهم على معارضيك، وسدرت فى غيِّك، حتى وقعت فى فتنة القول «قتله مَن أتى به إلى الحرب»، واتهمت المتظاهرين بأنهم هم المسؤولون عن قتل أنفسهم بخروجهم إلى المظاهرات. هذا الطفل ليس له أم تبكيه على الملأ، ليس له أصدقاء يتعهدون بأخذ حقه، ليس له صفحة على «فيسبوك» تظل شاغرة تذكِّرنا بثأره، ليس له أب يسعى إلى المحامين لرفع قضية، قتل بالرصاص، وقابل ربَّه وبطنُه خاوٍ، لكن له الله، يغضب له أكثر من غضبنا نحن لأصدقائنا ورفقاء كفاحنا الذين قتلْتَهم، هذا الطفل عاش منسيًّا ومات منسيًّا فى عالم البشر، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. أنت... أنت يا من تتباهى بصلاة الفجر والظهر والعصر، ولا تفتأ تمنّ علينا بصلاتك على الملأ... لعنك الله وأذَلَّك وجعلك آية يستشهد بها الناس كاستشهادهم بغرق فرعون، واللهُ من فوقك قاهر.. تَربَّص أيها الرئيس.