من واقع الانتخابات الثلاثة الماضية صار عندنا صورة أوضح عن الخريطة الانتخابية المصرية. ناخبو المشروع الإسلامجى يمثلون نحو 38 -43٪ من الناخبين. حزب الكنبة ومؤيدو النظام السابق يمثلون نحو 36 -42٪. التيار الثورى الداعى إلى التغيير وإلى دولة حديثة يمثلون نحو 18 إلى 25٪ من الناخبين. هذه هى الحقيقة بلا أى محاولة لتجميلها. فى أثناء الثورة تجمع أنصار المشروع الإسلامجى، مع التيار الثورى، على هدف إسقاط النظام السابق. وليس على هدف بناء دولة ديمقراطية حقيقية. هذه هى الجملة الثانية التى يجب أن تعِييها. المشروع الإسلامجى لمصر ليس مشروعا ديمقراطيا يحترم الأقليات وحقوق الإنسان. هذا وهْم سقطنا فيه حين صدقنا ادعاءاتهم. الحقيقة أن المشروع الإسلامجى لمصر مشروع تسخير آلات الديمقراطية للوصول إلى السلطة. نقطة ومن أول السطر. وعلى ذلك فإن الإسلامجية غيّروا تحالفاتهم حسب ما يحقق لهم الأغلبية فى كل مرحلة. فى مرحلة الثورة تحالفوا مع التيار الثورى. فى مرحلة الاستفتاء على التعديلات الدستورية تحالفوا مع النظام السابق (وبعض الثوريين برضه) ومن هنا جاءت نسبة ال77٪. وفى الانتخابات البرلمانية تحالفوا مع المجموعة التى تخاف من التغيير وتريد الأمن والاستقرار، المعروفة بحزب الكنبة. كيف تحالفوا معها؟ بأن أوحوا لها بأن حزب الحرية والعدالة هو الحزب الوحيد القادر على إدارة البلد دون أن تنفلت. وهو لا يشارك فى مظاهرات، ويريد عجلة الإنتاج أن تسير، ويريد الاستقرار، ويدعم الجيش. وعلى المستوى السياسى بإقناع «بقايا النظام» بأنه سيترك لهم الرئاسة. خدعوهم أيضا كما خدعونا. ما النتيجة المنطقية التى أريد أن أصل إليها؟ أذكرك مرة ثانية أننا نملك كتلة انتخابية تتراوح بين 18-25٪. وهذه نسبة ليست قليلة، لكنها لا تمكننا من تحقيق فوز انتخابى فى هذه المرحلة. لا أمل. إلا فى حالة واحدة. أن ننجح فى إقناع الناخبين من غير الثوريين بهذه الرسالة: «إننا قادرون على لمِّ الشمل، وعلى إحداث المصالحة الوطنية، وعلى تحقيق الاستقرار». هذه هى الرسالة التى تعمل اللجان الإلكترونية و«المحوِّلون الاستراتيجيون» المنتشرون فى الإعلام المصرى على إبعادك عنها، وتنفيرك منها. كيف؟ كلما حاولتِ أن تنشريها يتهمونكِ بال«تعاون مع الفلول»، فتسارعين أنت إلى نفى هذه التهمة عن نفسك. وقد تبالغين فتطردين من لا يعجبك من الراغبين فى المشاركة. هذا خطؤك الأكبر، هذا مقتلك فى لعبة الشطرنج السياسية التى نلعبها. قبل أن تتهمينى أنا أيضا، أريد منك شيئين. أولا: أن تدركى أن معركة الدستور معركة سياسية مهمة، لن ينفع بعدها الندم. ولو كان عندنا دستور محترم لقلت لك فليكن فى الحكم من شاء نحن راضون بدور المعارضة. وثانيا أن تفكرى فى الفقرة القادمة بعناية لو سمحت. الدعوة إلى المصالحة الوطنية ولمّ الشمل لا تعنى أبدا أبدا أن يفر مجرم بجرمه، (كما يحدث الآن تحت حكم الإخوان). ولا تعنى أبدا أبدا التخلى عن مبادئ الثورة (لم يكن الإسلامجية يوما معها). والأهم من ذلك، الدعوة إلى المصالحة الوطنية معناها أن يأتى الآخرون إلى المبادئ السياسية ل«25 يناير». مهم هنا أن نتذكر معا هذه المبادئ: أن مصر وطن لجميع أبنائه، وكلهم أمام القانون سواء. أن مصر دولة عصرية تحترم حقوق الإنسان، وتسعى إلى تحقيق تكافؤ الفرص. أن مصر دولة ديمقراطية بنظام يضمن تداول السلطة وعدم احتكارها. هل نختلف على أى من هذا؟ عظيم. من أقر بهذا، فقد قطع المشوار وجاء إلينا. ومن لا يقر، فلن نذهب نحن إليه. لن نتحالف مع فاسد أو كذاب أو ساع إلى عودة الدولة العسكرية. أما المواطن العادى المطحون فى كل هذا، أما السياسى والإعلامى الذى لم يقترف جريمة يحاسب عليها القانون، فأهلا به وسهلا فى مصر العهد الجديد. إنما استبدال طغيان الإخوان بطغيان مبارك تحت دعوى نبذ «الفلول»، وكأننا فى حرب، فهذا لا يقيم وطنا، بل يعبر عن سلطوية دفينة يجب أن نتخلص نحن منها. الخلاصة: أى حزب فى مصر عايز ينجح، لازم يعمل زى حزب المؤتمر فى جنوب إفريقيا.. «المصارحة والمصالحة فى ظل القانون». فى عنوان واضح صريح لا يتوارى. دا لو عنده الشجاعة والرؤية. وإلا نستعد لحرب أهلية، وبرضه ماحدش فيها هينتصر نصرا حاسما يمكنه من فرض رأيه.