تواجه مصر فى طريقها للتحول الديمقراطى أزمة كبيرة لن تفصح عنها حكومة الانقاذ برئاسة الدكتور الجنزورى وتضاف إلى العديد من المشكلات والأخطار الاقتصادية التى تواجهها البلاد وهى نقص ايرادات الدولة وتزايد عجز الموازنة العامة التى تضغط على معدلات تضخم الاسعار وتتأثر بها الحياة اليومية للمواطن المصرى، وتبدو الأزمة واضحة المعالم بالتحليل الهادئ للأوضاع الاقتصادية الراهنة محليا ووجود أطراف اقليمية ودولية تستهدف قتل الثورة من بوابة الاقتصاد. وإذا كان تحقيق العدالة الاجتماعية أهم مطالب ثورة 25 يناير السلمية العظيمة، فإن كل مواطن مطالب بالعمل والتفكير فى كيفية إيجاد موارد لتحقيقه والبحث عن توازن يضمن زيادة الإيرادات وتقليل النفقات قدر المستطاع بما لا يزيد الأعباء على الطبقات الفقيرة أفضل من الاستدانة أو اتخاذ إجراءات من شأنها زيادة معدل التضخم. وهذا ليس صعبا إذا تم استخدام الأسلوب العلمى فى إدارة الأزمات، وطبقنا العلم على الواقع العملى وتدبير الامور وبالامكان علاج الأزمة بتضافر العمل وهناك مقترحات عديدة والدعاء وحده لا يكفى. عجز الموازنة المقدر حاليا بنحو 134 مليار جنيه مرشح للزيادة فى ظل استمرار حالة عدم الاستقرار التى تمر بها البلاد حاليا، وعدم قدرة الهيكل الانتاجى المصرى على العمل بكامل طاقته. حيث تقدر الإيرادات العامة بنحو 350 مليار جنيه، وفى المقابل تقدر النفقات العامة للدولة بنحو 491 مليار جنيه. وإذا كانت حكومة الدكتور كمال الجنزورى قد أعلنت مؤخرا عن مجموعة من الإجراءات وأصدرت عددا من القرارات الجيدة لضغط الإنفاق الحكومى، فإن نجاح هذه الإجراءات مرتبط بالتنفيذ الفعلى على أرض الواقع. وإجراءات خفض النفقات تعد بداية طيبة لكنها لن تتمكن وحدها من تقليل عجز الموازنة إلى النسبة التى يمكن أن تدفع الاقتصاد المصرى للأمام. فخفض النفقات لا يعد دائما أمراً جيداً من الناحية الاقتصادية، فزيادة الإنفاق العام قد يكون مطلوبا إذا كنا نتحدث عن بنية أساسية أو مساندة حقيقية لمستلزمات الإنتاج، أو دعما للطبقات الأقل فقرا، أو إنفاقا على قطاعات اجتماعية تضمن تقدم المجتمع كالتعليم والصحة والتدريب التحويلى وغيرها من مظاهر الإنفاق العام الاجتماعى. وبالتالى فان الحل الأمثل للمشاكل التى نعانى منها حاليا يتركز فى العمل على زيادة الإيرادات العامة للدولة جنبا إلى جنب مع ضغط الإنفاق. ويؤكد الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى أن زيادة الإيرادات ليس صعبا، فقد أشارت بعض الدراسات و تقارير صندوق النقد الدولى إلى أن تعديل بند واحد من البنود الجمركية كفيل بأن يوفر للخزانة العامة ما يقرب من 290 مليون دولار أى ما يزيد على مليار جنيه. كما يوجد الكثير من الدراسات الدولية التى قدرت حجم التهرب الضريبى فى مصر بنحو 17 مليار دولار أى ما يقرب من 100 مليار جنيه وبالتالى فان متحصلات الضرائب المصرية مرشحة للارتفاع بنحو 100 مليار جنيه إذا تم تحسين أسلوب التحصيل، بما يضمن عدالة الضريبة وعموميتها. بمعنى أن يتأكد كل خاضع للضريبة أن ما يسرى عليه يسرى على الجميع، وانه لا يوجد صاحب نفوذ قادر على الحصول على ما ليس من حقه أو عدم دفع ما عليه. كما ان توعية المواطن ورجل الأعمال والصانع وكافة المتهربين بدفع ما عليهم من ضرائب تساهم بشكل فعال فى زيادة الإيرادات الضريبية. وهناك الدعوة التى أطلقها اتحاد المستثمرين المصريين لرفع الضرائب على الدخل إلى 30% بدلا من 25% على رجال الأعمال لكل من تزيد أرباحه السنوية على 50 مليون جنيه، تشير إلى أن المشاركة المجتمعية هى أفضل الوسائل لحل المشاكل الاقتصادية ويشير «عبد النبى» الى ان اللجوء إلى سد عجز الموازنة العامة من خلال المديونية سواء كانت داخلية أم خارجية سوف يؤدى إلى تقليل الجدارة الائتمانية للسوق المصرية وهو ما سوف ينعكس سلبا على كافة الصناعات المصرية. وبالنسبة لحصيلة الإيرادات الجمركية فان بعض الدراسات أفادت أن تعديل بعض بنود التعريفة الجمركية على بعض السلع بما لا يخل بالتزامات مصر الدولية يمكن أن يوفر للموازنة نحو 1.2 مليار جنيه. فليس من المعقول أن تخضع بعض السيارات ومنها السيارات المخصصة للمشى على الثلج أو لملاعب الجولف وأشباهها إلى 5% فقط، وهذه أشياء لا يستخدمها إلا عدد محدود جدا من أثرياء مصر، أو تستخدم فى منتجعات سياحية خاصة جدا. وتبلغ قيمة وارداتها السنوية نحو 20 مليار جنيه. فإذا ارتفعت التعريفة الجمركية على هذا النوع من السيارات إلى 40% من قيمتها على سبيل المثال فهذا كفيل بتوفير حصيلة تقترب من 6 مليارات جنيه. وهناك الكثير من الإجراءات التى قد تبدو صغيرة لكنها فى النهاية سوف تسهم فى خفض النفقات وزيادة الإيرادات ومن هذه الأمور الإسراع فى تطبيق الحد الأقصى لكافة العاملين بالجهاز الادارى للدولة، إذ تشير بعض التقارير إلى وجود ما يزيد على 22 ألف قيادة يتراوح دخلهم الشهرى مابين 100 ألف جنيه و2 مليون جنيه. وهذه القيادات تعلمت وتربت فى هذا الوطن، وأنها تعلم جيدا أن لهذا الوطن حق عليها، وأنها على استعداد للمساهمة فى تقدمه دون انتظار مقابل مادى لا تستطيع الدولة تحمله. أضف إلى ذلك ضرورة تقنين وضع وسائل النقل الحكومية كالسيارات المخصصة لبعض القيادات والوقود المصروف لها بحيث يمنع منعا باتا تخصيص أكثر من وسيلة مواصلات واحدة لأى مسئول مهما كان منصبه بداية من رئيس الدولة. كما يجب أن تشدد العقوبات على كل من يثبت استخدام الأدوات المخصصة له بموجب وظيفته فى غير أغراضها ففى ظل النظام السابق كانت السيارات الحكومية تقوم بشراء مستلزمات المنزل وتوصيل الأولاد للمدارس وغيرها من الممارسات المطلوب محاربتها والقضاء عليها. وهذا يسهم بشكل فعال فى سد عجز الموازنة العامة. وزيادة الإيرادات العامة يأتى أساسا من خلال العمل على استعادة حالة الاستقرار فى أسرع وقت بما يعمل على زيادة الإنتاج وبالتالى زيادة فرص الاستثمار والتوسع فى الأنشطة الإنتاجية المختلفة. ونعتقد أن مد الجسور بين الاقتصاد المصرى والمصريين العاملين فى الخارج أهم الضمانات الحقيقية لاستعادة الخسائر التى لحقت بقيمة الاحتياطى المصرى من النقد الأجنبى. وبحسبة بسيطة إذا كان عدد العاملين المصريين فى الخارج يبلغ ما بين 8 و10 ملايين مصرى فان تحويل كل منهم لمبلغ 100 دولار شهريا للاقتصاد المصرى يوفر ما بين 800 مليون دولار إلى مليار دولار شهريا، ويمكن أن تتضاعف هذه القيمة التى تمكنا من حث هؤلاء على المساهمة بشكل أكثر فعالية فى تنمية الاقتصاد المصرى، خاصة وان جزءاً كبيراً منهم قدم مبادرات وأبدى استعدادا للمساهمة الفعالة من خلال التحويلات النقدية أو نقل التكنولوجيا. ويؤكد الدكتور محمد عبدالحليم عمر استاذ المحاسبة والمدير السابق لمركز صالح كامل للاقتصاد بجامعة الازهر ان الموارد الاساسية التى تعتمد عليها الدولة فى موازنتها العامة تأثرت بعد الثورة وهناك انخفاض فى ايرادات الضرائب والسياحة والاحتياطات وزيادة فى الانفاق موجهة لأجور موظفى الدولة وآخر موجه لإصلاح المنشآت التى تعرضت للتلف وتجاوز الدين العام لحاجز التريليون وبالتالى ليس امام الدولة سوى الاقتراض من البنوك او الاقتراض من الخارج لتدبير الموارد. ومن جانبه يقول الدكتور سلامة الخولى الخبير المصرفى ارقام العجز أصبحت مقلقة نتيجة لزيادة اقتراض الحكومة من البنوك فى صورة اذون خزانة كما لجأت الى السندات الدولارية للأفراد مباشرة، واشار الى ان زيادة الموارد يتطلب قرارات ثورية وحاسمة من اهمها تطبيق الحد الاقصى للدخل على الحكومة والهيئات الاقتصادية والتى تبدأ من يناير الحالى وضرورة تطبيقه على البنوك والبترول ومكافحة التهرب الضريبى و رفع الجمارك على السلع الترفيهية والكمالية كما ان منظمة التجارة العالمية لن تعارض هذا لوجود استثناءات للدول التى تواجة ازمة فى ميزان المدفوعات