خبر صغير أشارت إليه جريد «الأهرام» أول من أمس تقول كلماته «أصدر وزير الثقافة صابر عرب، قرارا بمنع موظفى وزارة الثقافة من التحدث إلى وسائل الإعلام وإرجاع هذه المهمة إلى الجهاز الإعلامى التابع للوزارة».لو أمعنت النظر فى القرار وتتبعت كلماته ستجد أن الغرض الأساسى من إصداره هو أن البعض من الموظفين لا يكتفى بتقديم الشكوى لمكتب الوزير، ولكنه يخاطب أجهزة الإعلام، واعتبر الوزير أن هؤلاء مجموعة من المارقين المشاغبين الذين ينبغى إيقافهم عند حدهم.. هم على حد قوله يريدون فرض وجهة نظرهم ويقلبون الحقائق والدليل أنهم يفتحون الباب لطرف ثالث وهو الإعلام لمتابعة ما يحدث فى الوزارة.. هل الوزير عامل عملة ويريد من الجميع التواطؤ بالصمت.. أى قرار يصدره الوزير ينبغى أن ينطوى على وإلا.. وإلا فلن ينفذه أحد، المؤكد أن هناك عينا حمراء تابعة لمكتب الوزير سوف ترصد أجهزة الإعلام لتعرف بالضبط من الذى اخترق الممنوع لينزل عليه أقصى عقاب. للصحافة مصادرها وكل من يعمل بهذه المهنة يعرف أن المصدر له حقوق لا يمكن القفز عليها وأولها أن يحتفظ الصحفى باسمه حتى أمام القاضى. أصحاب الشكاوى كما قال بيان الوزير وصلوا للآلاف، هذا الرقم لا يمكن علاجه شكوى شكوى، ولكنه يدل على أن هناك نظاما فاسدا يحكم الوزارة.. الوزير الحالى ليس مسؤولا عن تراكم آلاف منها، ولكنه مسؤول بالتأكيد عن قراره الذى فرضه على موظفيه بالصمت التام أو الموت الزؤام!! هل إذا كمم الوزير أفواه مرؤوسيه يعنى هذا أنه قد ضمن أن كل الحناجر قد توقفت عن إعلان الغضب. ألا يعلم أن الكبت يخلق الثورة وأن التنفيس هو إحدى الوسائل التى تجنبه انطلاق «عاصفة تسونامى» التى أراها وشيكة لاقتلاعه من الكرسى! هل من حق وزير أو رئيس الجمهورية أن يمنع موظفيه من الإدلاء بآرائهم أو إعلان شكواهم.. هذا مخالف لكل الأعراف والدساتير.. حق الجهر بالشكوى مقدس للبشر لا يجوز المساس به.. ماذا لو وجد صابر عرب فى العصر الفرعونى؟ الحمد لله وإلا كنا قد حرمنا من شكاوى الفلاح الفصيح. هل يستطيع الوزير تنفيذ هذا القرار خصوصا أننا نتحدث الآن عن عشرات بل قل مئات من المطبوعات وعدد مماثل من الفضائيات. كيف تضبط الأجهزة الرقابية للوزير كل أجهزة الإعلام على كثرتها وتشعبها، وكيف يوقن أن صاحب الشكوى هو الذى اتصل بالجريدة أو الفضائية؟ الأهم من ذلك أن الصحافة لا تهتم ولا تفرد مساحة صحفية للشكاوى أو المشكلات الفردية مثل ترقية موظف لم يحصل عليها أو علاوة فاتته.. الصحافة يهمها القضية الكبرى فما الذى يخيف الوزير إذن من وصول أصحاب الشكاوى إلى دور الصحف؟ ثم ما العقاب الذى ينتظر المخالفين، ما الذى يملكه الوزير من الناحية القانونية؟ فى الحقيقة لا شىء فلا يوجد قانون يمنع الشكوى حتى فى أعتى الديكتاتوريات.. الشىء الوحيد الذى سوف يفعله أنه لن ينظر فى شكواه أو يصدر قرارا ضد هذا الموظف وفى هذه الحالة سوف يرتكب كعادته حماقة كبرى تصل للصحف فتصبح فضيحته بجلاجل. هل التحدث عن إيجابيات الوزير والوزارة ممنوع أيضا؟ الحقيقة هى نعم وطبقا لمنطوق قرار صابر عرب، حيث إن مكتب الإعلام التابع لمكتبه هو الذى من حقه فقط مخاطبة دور الصحف والفضائيات والإذاعات فى الحلوة والمرة.. طيب عينى فى عينك يا عم الوزير لو موظف امتدحك فى الإعلام ألن تمنحه علاوة استثنائية؟! إنه قرار رجعى كان من الممكن أن نصدقه قبل عشرين عاما فى عصر ما قبل الفضاء والنت.. الموظف بعد ثورة 25 يناير لم يعد هو هذا الإنسان الخنوع المربوط على الدرجة التاسعة ومرشح ياخد الثامنة والناس درجات.. ثم إن الأهم أن هذا يجرى فى وزارة الثقافة التى ينبغى أن يصبح هدفها الأول هو الدفاع عن حق حرية التعبير.. سوف يذكر التاريخ كثيرا وبكل أسى وأسف أن الحكومة الإخوانية قد جاءت بوزير قرر أن يكمم أفواه موظفيه، ولم يتوقف فى نفس الوقت عن منح الوسط الثقافى عددا من عطاياه، هذا لجنة وذاك كتاب وثالث تذكرة سفر، ليضمن صمت بعضهم ودفاعهم عنه فى الباطل والباطل!