ما زلت لم أستكمل سلسلة «إعذار» التى أؤرخ فيها لتولى الدكتور محمد مرسى منصب الرئاسة، وأعتزم استكمال السلسلة، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت قرارات إيجابية للرئيس مرسى، فى ظرف حرج وخطر، مما يستلزم مساندة هذه القرارات، أو على الأقل كف اللسان عن الرئيس مؤقتا، أكرر: مؤقتا، حتى لا تختلط مياهنا بمياه الفلول ومساندى العسكر وداعمى شفيق، أولئك الذين دعوت الله أن يريهم فى أنفسهم وأبنائهم ما فعله العسكر وشفيق فى شباب الثورة. من الطبيعى أن أسعد بقرارات الرئيس الخاصة بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، الذى يمنح صلاحيات للعسكر، وبقرارات إقالة عدد من القيادات على رأسها محمد حسين طنطاوى وسامى عنان وحمدى بدين، ومجموعة البرشام المختلفة دى... ولنتذكر معا أشاوس الجيش المصرى وهم يحتجزون الشباب بداخل مجلس الشعب، ويقولون لهم: «ارفع راسك فوق إنت مصرى»، وما إن يرفع المعتقَل رأسه حتى يطأه الضابط المصرى بالبيادة، أولئك الأشاوس الذين عذبوا فتاة وحلقوا شعرها وحفروا بآلة حادة على رأسها حرف «T»، أول حرف من حروف لقب المشير طنطاوى باللغة الإنجليزية. النشامى الذين كانوا يقولون للشباب: بتشتموا مبارك؟ مبارك ده ربنا.. تشتموا ربنا؟ كان ذلك كله فى شهر مارس، وقت أن خرج الشباب من هذه التجربة المريرة يروون معاناتهم غير مصدقين أن المشير طنطاوى على علم بذلك، بل إن بعضهم كان يناشد المشير طنطاوى أن يحقق فى ما حدث ليكشف عن هوية تلك العناصر التى تشوه صورة الجيش، والأنكى أن الشباب الذى تعرض للتعذيب أخفى أكثر مما أظهر، وكان مبرره: «مش عايزين نشوّه صورة الجيش المصرى»! كان كل ذلك بعد أقل من شهر من خلع المخلوع، ولا داعى لتذكر المرارات والجثث والإصابات ورائحة الدماء التى توالت علينا شهرا بعد شهر. وكان الفراق الدائم بينى وبين أى أمل فى انصلاح حال المجلس العسكرى يوم 15 مايو... يوم أن قال الضابط عبد الخالق لشباب مصرى، ذهب ليتظاهر أمام سفارة العدو فى ذكرى النكبة: كله على رُكَبه يا... يا ولاد... يا ولاد... كل ... فيكوا عامل لى نفسه راجل وفاكر إنه حيحرر فلسطين يا... يا...! إيه إيه إيه يا عبخالق... إيه؟ لو أنك تعتقل مجموعة من الإسرائيليين يتظاهرون أمام سفارة عربية لما فعلت بهم كل ذلك. لم يصدمنى السباب، أنا باحب الشتيمة، ولا معاملة أسرى الحرب، إنما ذلك الغل والغيظ الذى يتناثر من صوت عبد الخالق، وذلك الغضب العارم المصاحب لنبرة صوته: عاملين لى رجالة وفاكرين نفسكو حتحرروا فلسطين؟! كأن عبد الخالق يغار من الشباب، وكأنه يشعر بأن بزّته العسكرية لم تعد شرفا، وكأن هؤلاء الشباب الذين جذب الضابط أحدهم من شعره قائلا: «حتحرر فلسطين بشعرك ده؟»، كأنهم عروا عبد الخالق أمام نفسه، لست رجلا يا عبد الخالق، والرجولة ليست بحلاقة الشعر، ولا بالبزة والنياشين والرتب، وإلا ماكانش حد غلب. وكان ياما كان يا سادة يا كرام، لدى الشعب المصرى أول برلمان يتم انتخابه بأصوات نزيهة، ومشاركة واسعة، ثم كان أن قام المجلس العسكرى بحل ذلك البرلمان والاستيلاء على صلاحياته، واستغل فى ذلك المحكمة الدستورية التى لم تتذكر عدم دستورية البرلمان إلا فى وقت متأخر... معلش على ما صحيت، بصرف النظر عن سوء أداء البرلمان، لكن البرلمان جهة منتخَبة والمجلس العسكرى جهة مفروضة علينا... ده غير إن عندهم شوية مشاكل فى المدرعات، ساعات تتسرق، ساعات ترتبك، ساعات تتقلب، مما قد يؤثر على أدائهم ومرارتنا فى ذات الوقت. ما لمسته بنفسى هو فرح عارم بقرارات الرئيس مرسى، وأنا ليا عادة كده، لما أنبسط من مرسى أقول عليه الرئيس، لما اتضايق منه أقول: أمرسى أساحبى، لما أتغاظ منه اقول له: يا دكتووووور. إلا أن البعض أبدى تخوفا وتشككا مقبولا ومفهوما، ولست أرى، ولا أسمح، بأن يتهم كل من يتشكك فى نية الرئيس وقراراته بأن يصنَّف فلولا، التشكك مفهوم ومقدَّر ومقبول، بل ومطلوب، وهو نصح للأمة وحرص عليها، وله أسباب وجذور موضوعية، مافيش داعى لطقم الصعبانيات ده، نحن لم نستكمل سلسلة «إعذار» التى توضح عدد القفوات التى سكعناها، ومن حقنا أن نتشكك. لكننى لست بمتشككة، أنا سعيدة بإقالة قتلة أصدقائى، أعلم أن القيادات المستجدة لها سوابق فى جرائم العسكر، لكن عليك أن تعلم أن الجيش الذى يعرِّى فيه العسكرى النساء لن تجد له قيادات نزيهة، عشان نجيب من الآخر كده، الجيش ده عايز إعادة هيكلة أساسا. للحديث بقية.