ما إن أعلن عدد من الأحزاب والشخصيات العامة والسياسية والنشطاء عن عزمهم على تطوير كيان تنظيمى يجمعهم بهدف التأثير على القضايا السياسية الكبرى والمشاركة الموحدة فى الانتخابات التشريعية القادمة وأطلقوا على الكيان المستهدف اسم التيار الثالث، حتى بدأت حملات مضادة سفّه بعضها من الأمر ومن بعض القائمين عليه وانتقده البعض الآخر بادعاء أن التيار الثالث يعادى أحزاب وقوى الإسلام السياسى وكل همه العمل ضدها، وفى هذا مجافاة كاملة لحقيقة أهدافنا ورؤانا. التيارات السياسية، خاصة إن كانت تستند إلى تجميع خليط من الأحزاب والشخصيات والنشطاء، ليس لها أن تنشأ وتستمر بقوة ما لم يكن لها أجندة وطنية واضحة المعالم تتبناها وتدافع عنها بإيجابية، وهنا ليس بكافٍ على الإطلاق مجرد معاداة أو رفض تيارات أخرى، بل إن المعاداة والرفض هذين يقوضان فرص التيارات السياسية فى الفوز بثقة المواطن، فالأخير بطبعه يبحث عن الطرح الإيجابى الذى يحمل حلولا لمشاكل المجتمع ومشاكله واستجابة منظمة لهمومه وهواجسه وترجمة لآماله. نحن فى التيار الثالث نريد الدفاع عن التحول الديمقراطى والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، عن حق مصر فى دستور يضمن الحريات العامة والشخصية ودولة القانون وتداول السلطة، عن حقنا جميعا فى انتخابات دورية نزيهة وفى مؤسسات دولة لا يطغى عليها لون حزبى أو أيديولوجى واحد، نحن فى التيار الثالث، والذى نسابق الزمن الآن لتكوينه تنظيميا بهيئة عليا وأمانة عامة ولجان تضطلع بالتنسيق الانتخابى والسياسى، نريد أن نتعلم من الأخطاء التى وقعنا بها فى الانتخابات الماضية حيث دفعنا فى البرلمانية وفى الجولة الأولى الرئاسية ثمنا فادحا لتفتيت الأصوات بفعل المنافسات البينية، نسعى لتوحيد موقفنا من الجمعية التأسيسية والدستور ومن الحكومة الائتلافية التى أرى أن من الأفضل للرئيس محمد مرسى أن يشكلها ممن يشتركون فى حمل مشروعه السياسى وأن من الأفضل لنا أن نكون فى معارضة ديمقراطية فعالة وبناءة. وبوضوح شديد أقول إن التيار الثالث لا يعادى الإسلام السياسى ويعترف بكون أحزابه وقواه فى صلب الجماعة الوطنية المصرية ولهم كامل الحق فى طرح أجندتهم على المواطنات والمواطنين ووضعها محل التنفيذ حين يحصلون على ثقة الأغلبية فى الانتخابات، محلية وتشريعية ورئاسية. وبإعلاء المصلحة الوطنية وبواقعية سنتعاون فى التيار الثالث مع الإسلام السياسى فى القضايا موضع التوافق ونعارضهم بديمقراطية فيما نختلف بشأنه، ولا ننازع فى حق رئيس الجمهورية وفريقه وحكومته فى أن يحددوا وينفذوا السياسات التى يعتقدون أنها تحقق المصلحة الوطنية. بناء الديمقراطية والاعتياد على ممارستها يقتضى وجود من يحكم ومن يعارض والتزام الطرفين بقواعد المنافسة النزيهة، والأفضل أن يكون فريق الحكم قويا ومتماسكا وكذلك فريق أو فرق المعارضة، دعونا ننتهى من هذا الجدل المقيت والذى لا طائل من وراءه، لسنا فى التيار الثالث ضد الإسلام السياسى ولا نعاديه، بل لنا أجندة وطنية ومشروع سياسى ومجتمعى ندافع عنه. مصر فى أمس احتياج، إن كنا نريد لصندوق الانتخابات النزيه ألا يأتى دوما بأغلبيات نعلمها سلفا وبفائزين نقدرهم ونختلف معهم وألا يضعنا أمام اختيارات حدية ومريرة، لتيار سياسى ينافس بديمقراطية وبقوة الإسلاميين، مصر فى أمس احتياج، إن كنا نريد أن نشجع 25 مليون مصرية ومصرى (تقريبا) لم يشاركوا بعد فى الانتخابات وهم نصف الهيئة الناخبة، لتيارات وأحزاب تجمع الكيانات الحزبية الصغيرة وتجتذب بقدرات تنظيمية وسياسية أفضل أولئك العازفين انتخابيا. لسنا فى صدد معاداة تيارات وأحزاب قوية، بل تكوين تيار قوى يستطيع المنافسة ويحترم قواعد الديمقراطية ويدافع عن أجندته دون تسويف أو مساومة على الأهداف الوطنية العامة التى نتوافق عليها جميعا، محاولة أتمنى لها النجاح وقناعتى أنها تصب فى مصلحة مصر وتسليم السلطة بالكامل للمدنيين المنتخبين وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.