المرسى أصبح رئيسًا لكنه ما زال لا يعرف ماذا يعنى ذلك؟ هل معناه أن حلم حسن البنا تحقق وانتصرت جماعته؟ لكنه فاز عندما تراجع عن شعارات «الفرقة الناجية» و«المرشح الإسلامى» وقوة «الفتح الإسلامى.. الثانى» لمصر. هل فازت الجماعة دون شعاراتها؟ هل انتصرت القدرة على التنظيم؟ هذا المعنى سياسى، وهو ما سيضع جماعة الإخوان المسلمين فى مأزق: هل ستغادر إقامتها المريحة فى المسافة بين «الدعوة» و«السياسة».. أم أنها ستتجاهل المتغيرات وتتعامل على أن النصر علامة قوة وليس سؤال وجود. الجماعة لديها أزمة وجود فعلًا، والمرسى يمكن أن يدخل دوامتها إذا حكم نفسية الموظف التى عاش بها فى التنظيم طيلة تاريخ سياسى. لكنه أيضا يمكن أن يتخذ مسافة بفعل قوة المنصب، ويتحرر هو على الأقل من توازنات الجماعة أو ارتباكات جيل إخوانى تأرجح بين التعليم الحديث والتربية القديمة، جمع المرسى بين الاثنين دون تفاعل كما أغلب جيله فى الجماعة، ولم تنتقل الجماعة معهم خطوة خارج بناء السمع والطاعة. هل يستطيع المرسى، فيمنح لفوزه بالمنصب معنى فعليًّا؟ أم سيكتفى بشطارة الإخوان فى اللعب على كل الخطابات ومحاولات إرضاء كل الأطراف التى لا تعنى فى النهاية إلا رضا طرف واحد هو الجماعة؟ فى السياسة لا تستطيع أن ترضى كل الأطراف. لا يمكن مثلًا أن ترضى الشهداء وأهلهم وترضى العسكر، لأن الشهداء لم يُقتلوا فى فيلم تليفزيونى أو فى لعبة افتراضية.. وحقهم ضاع ليس لأنهم بلا أدلة.. ولكن لأن أجهزة الدولة الأمنية قررت حماية نفسها، أولًا بإعاقة المحاكمات، وثانيًا بمحو الأدلة، ودائمًا بالاستمرار فى قتل وسحل وتعذيب المتظاهرين. كيف ستُرضى كل الأطراف هنا؟ كيف ستُرضى الجماعة مثلًا الثوار فى الميدان وتهتف معهم: «يسقط حكم العسكر»، ثم فى جامعة القاهرة يُسكت نواب الجماعة -من يهتف نفس الهتاف- ويحشدون خلف هتاف مضاد.. «الشعب والجيش إيد واحدة». الأوجه المتعددة للمرسى يمكن أن تربك أجهزة الدولة التى هندست حركتها فى 30 سنة على مقاس موظف بيروقراطى يستمتع بالملل ويجعله شرعيته الأقوى. لكنه إرباك مرحلى.. ومحدود التأثير.. وشكلانى، لأننا فى لحظة فرز قوية واستحقاق لا يمكن أن تطير فيه على الطلبات بهذه الشطارة الإخوانية المعتادة ولا تدفع الثمن. هذه فاتورة الأوجه المتعددة، التى لا تخلو من مزايا، فهى قد تكون تلونًا سريعًا، وفهلوة، ويمكنها أيضا أن تلعب دورًا فى انتقال شكل السلطة من تقديس الحاكم وأبوة الدولة إلى شكل آخر وجديد. المرسى ما زال مرتبكًا يحشد شطارته وخبراته على قدر ما يستطيع، لكنه مُثقل بأحلام جماعته فى التمكين، وهو ما لن يحدث بسهولة أو دون جراح عنيفة. ومثقل بصراعات الجماعة أولًا مع قوى مدنية عفية وعفوية، ضعيفة فى التنظيم، لكنها قوية فى التأثير.. هذه القوى أسهمت فى نجاح المرسى وتشعر بغربتها بعض الشىء عن احتفالات تنصيبه. لكن الصراع الأقوى مع السلفيين، الحليف الأقرب، لكنه الثقيل على حركة الشطارة الإخوانية، لأنه لا يعترف بالحسابات ويورّط الإخوان، إما فى الدفاع عن الموقف المائع وإما فى الدفاع عن الاتهام بالتخلى عن المشروع الأصلى. هكذا، فإن الجماعة والرئيس الذى منها، معرضة للتمزّق بين مشروعها الأصلى الذى يهدده السلفيون فى قيادته، والوجود فى دولة عصية على الاحتواء ومجتمع يرفض الانقلاب على حياته كما اختارها. الحيل القديمة عاجزة أمام هذه المعضلة الجديدة، خصوصا أن المجال السياسى بعد الثورة تغيّر، وأصبح للثوار رغم عدم التنظيم فاعلية مجموعات الضغط القوية التى تستطيع سلب الطمأنينية عن المنتصرين.. وهذا هو المعنى الخفى من فوز المرسى، إنها التجربة الأخيرة لتيار سياسى عاش بالتوازى مع استبداد مبارك، وفى علاقات معقدة مع دولته الأمنية.. وجهازه السياسى. إننا أمام حصاد مبارك.. ونتاج تجريفه المجال السياسى وتدجينه لتيارات معارضة احتمت به عندما توحّش التيار الإسلامى. الدولة كانت الحاضنة فى مواجهة تيار انقلب عليها بالسلاح، فهزمته وأدخلته الحظيرة، لتلغى به التفاعل. المعنى إذن أن المرسى فرصة تاريخية.. على عكس المتوقع ليس للإخوان.. ولكن للتيارات الجديدة التى تحمل أفكار الثورة وروحها.. المرسى فرصة لكى لا تكون السلطة صانعة مصر أو واجهتها.. المرسى فرصة.. أن تعلموا.