للوهلة الأولى فإن «أون تى فى»، المحطة التليفزيونية المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، مدانة فى أذهاننا بسبب انحيازها المُدَّعَى لأحمد شفيق. وللوهلة الأولى فإن الموقف الذى اتخذته المذيعة ريم ماجد، ثم المذيع يسرى فودة، يصب فى خانة «الفعل الإيجابى». الأولى توقفت عن الظهور أسبوعين، حين انحصرت المنافسة بين الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق. والثانى توقف مؤخرا عن الظهور «دون الخوض فى التفاصيل». والأرجح أنه بسبب اعتراض القناة على ضيوف تراهم محسوبين على تيار محمد مرسى. بداية، قناة «أون تى فى» ظلت طويلا القناة الوحيدة التى تبرز عن طريق مذيعيها وجهة نظر الثورة، بل وتمادت فى ذلك -إن أردنا المعايير المهنية الحقيقية- لكنه كان تماديا محببا إلى قلوبنا كأناس ينتمون إلى الثورة، ولا سيما ونحن نرى الثورة فريسة لهجوم إعلامى فلولى مكثف. فما الذى حدث لكى تفرمل إدارتها هذا الاتجاه؟ لو تعودنا أن نضع أنفسنا مكان الآخر سنصير أكثر إنصافا. نجيب ساويرس يتعرض من حين إلى حين لهجوم «إسلامجى» لا يخفى البعد الطائفى فيه عن صاحبه الحد الأدنى من الإنصاف. وهذا الهجوم -الشخصى- سرعان ما يتحول إلى خسارة اقتصادية. فكأن نجيب ساويرس، رجل الأعمال، مطارد بديانته، لأنه -حتى الآن- لم يدن فى أى من اتهامات الفساد، ولم يتورط فى قضايا الديون التى تورط فيها رجال أعمال غيره. والحنق الإخوانجى على نجيب ساويرس تضاعف حين أسس حزب المصريين الأحرار. فأضيفت السياسة إلى أسباب الكراهية الأخرى: الدين والمال. فهل تتوقعين منه بعد ذلك أن يؤيد مرشح الإخوان؟ بل إننى أدعو الإخوان أنفسهم إلى التفكر فى حالة نجيب ساويرس كحالة عامة فى البلد. إن أرادوا أن يحكموا فلا بد أن يمدوا أيديهم إلى الناس ويطمئنوهم، وأن يتوقفوا تماما عن مجرد الإشارة إلى البعد الطائفى لدى خلافهم مع منافس، فهذا ظلم بين وتعصب مقيت، فضلا عن أنه أحد أسباب فقر استثماراتنا، وكلنا نذكر ما حدث مع «سانسبرى» قبل نحو عشر سنوات. وما ينطبق على نجيب ساويرس المختلف دينيا يجرى على المختلفين مع الإخوان فكريا، أو الذين يعملون فى مهن لا يرضى الإخوان عنها رضا تامًّا، كالسياحة، والملاهى الليلية، أو الفنانين والعاملين فى القطاع الفنى. إن كل هؤلاء من الوطن، لهم فيه ما لك. بل إنهم حين اجتمعوا معا شكلوا نصف الوطن – كما بينت الانتخابات الأخيرة. الآن، فلنعتمد نفس الأسلوب فى النظر إلى تصرفات كل من ريم ماجد ويسرى فودة. سيساعدنا هذا على تبين أن الخلاف ليس أبيض وأسود كما يبدو للوهلة الأولى. وإلى النزول من تعالينا الأخلاقى «الثورى» إلى تواضع إنسانى ندرك فيه أن ما أمامنا ليس خيرا مطلقا مقابل شر مطلق. ريم ماجد رفضت الظهور «حفاظا على مهنيتها». لم تلتفت إلى حقيقة أنها حين احتجبت، فى أهم توقيت سياسى، فقد تخاذلت بالفعل عن أداء عملها فى «نشر المعلومة بوسائل جذابة». هذه هى رسالة الإعلامية ومهمتها. وليست التجييش ولا الحشد ولا الانتصار لرأيها، بل عرض الآراء بأمانة واتزان وحيادية (بقدر الإمكان). أما يسرى فقد أعلن عن دعمه لمحمد مرسى، ولم يكتف بذلك، بل صرح بأنه لن يلتقى بالمرشح أحمد شفيق إلا بوصفه ملاحقا ب35 دعوى قضائية. وهذا موقف «جيد» ثوريا من وجهة نظره، لكنه موقف سيئ أبشع السوء إعلاميا. لأنه يضرب المهنة فى مقتل، ولأنه يحقر خيار نصف الشعب تقريبا، ولأن فيه وصاية على المشاهدين. هل هذا ما تريده الثورة؟! لكن الأنكى من ذلك أن هذا الموقف المضاد للمهنية، يروج له على أنه احترام للمهنية. وهذا نوع فريد من اختلال الموازين الأخلاقية شائع فى مجتمعنا – إسباغ الصفات الحميدة على الأفعال التى ترضينا وتوافق هوانا، رغم مخالفتها الواضحة للقيم العليا. إن من حق الناخب أن يطلع على ما يقوله المرشحان بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى، لأن يسرى ليس قاضيا، بل مذيع، يجب أن يفصل بين آرائه الشخصية وبين عمله العام. ويجب أن يأبى على نفسه استضافة محمد مرسى والإيحاء للجمهور بأنه يريد أن يساعده (ويلقمه). لأن هذا انتهاك للمهنية لا يقل سوءا عن تدخل الإدارة فى اختيار الضيوف. فى ما يجرى داخل «أون تى فى» ما يستحق النظر والتفكر من زاوية مختلفة عن الزاوية التى اعتدنا عليها. ولا سيما بعد أن ذهبت هوجة الخلاف حول الرئيس، (وهو ما شجعنى على التطرق إلى هذا الموضوع) وحان وقت بناء وطن. فالمهنية انتهكت من الطرفين، لكننا صفقنا لانتهاك المهنية من طرف، وغضبنا من الآخر. لأننا -بصراحة- نعتقد أننا على صواب تام، ولدينا الحق كل الحق. وليس هذا الدواء الناجع إن أردنا أن نقضى على حالة الاستقطاب فى مجتمعنا.