ظاهرة غريبة تشهدها ساحة الغناء العربى الآن، حيث لم يعد بعض المطربين يكتفى بذكر اسمه، فى وسائل الدعاية أو على أغلفة الألبومات الجديدة فقط، بل أصبح يذكر اسمه ضمن كلمات بعض أغانيه، دون أى غضاضة فى أن يتغنى باسمه ولنفسه بصورة مباشرة. من هؤلاء هيفاء وهبى التى غنت فى ألبومها الجديد الذى طرح منذ أيام أغنية بعنوان «كوبا» التى تقول فى مقطعها الأخير: «آه يا صبرك يا هيفا عاللى ولا يوم بيا حس». ما يحدث الآن عكس ما كان يحدث فى الماضى، عندما كان يذكر المطرب صفته على استحياء، كما فعل عبدالحليم حافظ فى أغنية «فاتت جنبنا» عندما قال فى نهاية الأغنية: «وجانى الرد جانى.. ولقيتها بتستنانى.. وقالت لى أنا من الأول باضحك لك يا اسمرانى». وهنا يشير شاعر الأغنية حسين السيد بال«الأسمرانى» لعبدالحليم حافظ، الذى عرف وقتها ب«العندليب الأسمر»، وبنفس المعنى غنى عبدالحليم للرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة أغنية «يا مولعين بالسهر» التى يقول فيها: «يا مولعين بالسهر هنا يغنى العندليب.. والنجم يزهو والقمر فى عيد ميلاد الحبيب». وغنت صباح التى عرفت ب«الشحرورة» لنفسها أغنية من قالب «الميجانا والعتابا» قائلة: وأجيبلك الشحرورة الصبوحة تغنيلك أغنيات. ولأن هذا اللون من غناء «الأنا» يتسم بالشيفونية والنرجسية، التى غالبا ما تنال من شهرة المطرب بقدر ما تضيف إليه -كما رأى القدامى- لم يقترب أحد من هذه النوعية من الغناء، حتى بدأت هيفاء وهبى عصر «الأنا» من جديد، عندما غنت لنفسها صراحة وبطريقة غزلية تلفت انتباه المستمع، بعد أن أصبح يسمع بعينيه: «أنا هيفا أنا مين زى أنا، أنا هيفا أنا». ثم جاءت من بعدها «دانا» لتغنى لنفسها أيضا وبصورة صارخة ومن خلفها سرير نوم قائلة: «أنا دانا أنا دندن فتح عينك تاكل ملبن». وليس الغرام بالنفس أو الجمال هو القضية الرئيسية التى يركز عليها مطربو الزمن الجديد، بل نافس الرجال النساء فى التغنى بأسمائهم، حيث غنى عبدالله الرويشد فى ألبومه «ليلة عمر» أغنية «هلا» من ألحانه وكلمات عبداللطيف البناى، يقول فى أحد مقاطعها: «حبيبى إنت ما غيرك.. وابد ما قلتها لغيرك.. فى وسط قلبى تقديرك.. وأنت الحب والمرجع.. يا ويلك.. ما تخاف من الله.. حرقت عيون عبدالله». ولراشد الماجد نصيب الأسد فى ذكر اسمه فى الأغنيات، بدأها منذ فترة طويلة حيث غنى «بسك تجى حارتنا» التى قدمها مؤخرا فى برنامج «وناسه» وجاء بالمطربة «يارا» فقط من أجل أن تغنيها وتقول من خلالها «هذى سيارتك يا راشد وأنا عرفتها من النمرة»، والطريف أنه ردد معها الجملة نفسها، لدرجة أن بعض النقاد وصفها بأنها «حالة مرضية نفسية»، وخصوصا أنه غنى أيضا «احترنا يا راشد معاك»، فى أغنية «الله يا زين اللى حضرت»، ولم يكتف بهذا بل غنى أيضا «قالت أحبك يا راشد قلت من قدى»، وفى ألبومه قبل الأخير «سلامات» غنى للمرة الرابعة قائلا: «هلى ما أريد أنا غيره، ولا يغنى أحد عنه.. حشى ما كنت له جاحد، ولا حب من طرف واحد.. شكيت لراشد الماجد.. سبايبكم هلى غنى». كما سار معه على نفس الدرب فايز السعيد فى أغنية تحمل اسمه صراحة «فايز السعيد» فى ألبومه الأخير يقول مطلعها: «فايز أنا فى حبكم.. وأنا السعيد بقربكم.. وإن كنتوا مشتاقين لى.. أنا اللى متولع بكم». وغنى نبيل شعيل فى أغنية «الغلا» قائلا «أثر الغلا ما يذبح الناس يا شعيل.. لو الغلا يذبح ذبحنى غلاها». ولم تتوانَ المطربة ديانا حداد حتى غنت هى الأخرى ب«قولوا ما قالت ديانا». أما سعد الصغير فقدم فيديو كليب له بعنوان «سعد، سعد، يحيا سعد» وأدى إلى أزمة كبيرة، حيث نال هجوما عنيفا نظرا لإسقاط اسمه على الزعيم الوفدى سعد زغلول. كما غنى طارق عبدالحليم بطريقة ساخرة أغنية «أنا طارق يااد». ونفس الأمر ينطبق أيضاً على «العمدة» الذى غنى «واد يابيبو يااد، أنا عمدة يااد». وحول ظاهرة «الأنا» والتى بدأت تنتشر بقوة كان لابد أن نتوقف مع رأى الطب النفسى.. يقول الدكتور أحمد عكاشة: بعض أصحاب تلك الأغنيات أو الكليبات مصابون بتضخم الذات والميل إلى الاستعراض، والاعتقاد بأنه كلما ضخم أحدهم فى ذاته فإن هذا يجعل الناس تعلى من شأنه وتتذكر اسمه، وعادة ما يميل أصحاب تلك النزعة للشخصية النرجسية، التى تتسم بالشعور بالعظمة، ونقص التعاطف مع الآخرين، وتضخيم المنجزات، وإذا نظرنا إلى أصحاب أغنيات «الأنا» لا نجد منهم واحدا قدم شيئا تجاوز من خلاله ما قدمه الرواد الكبار، أمثال: عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش، وهؤلاء يخرجون للناس قائلين «أنا» ويتوقعون أن يحظوا بخصوصية، وهو نوع من التحايل نظرا لضعف إنجازاتهم.